الكفر والإرهاب: شمّاعات لقمع المعارضين

http://mpc-journal.org/arabic/blog/2017/05/19/%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%81%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8-%D8%B4%D9%85%D9%91%D8%A7%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D9%84%D9%82%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D8%B6%D9%8A/

انضمّت عبارات الاتهام بالكفر لمثيلاتها من عبارات الاتهام بالإرهاب لبثّ الرعب وحبس وحتى قتل النقّاد والمعارضين السياسيين, لكتم النقاشات الغير منتهية وتصفية الحسابات.

بكل الأحوال هنالك فارق واحد, فتهمة الإرهاب تعتبر مطيّة تبرّر قمع حرية التعبير, وغالباً ما تستخدمها الحكومات بغض النظر عن إذا ماكانت هذه الحكومات ديموقراطية أو غير ديموقراطية. أما تهمة الكفر, فهي ليست وسيلة حكوميّة فحسب, بل قد أصبحت مصدر سلطة للمتشددين الدينيين, للغوغاء الغيورين, للجماعات المتطرفة وكذلك للعديد من الأفراد.

على مدى أربعة عقود, موّلت الدبلوماسية السعودية على مدى واسع حملةً أدّت لتشكيل بيئة مرحّبة بملاحقة اللادينيين في كثير من البلدان ذات الغالبية المسلمة كباكستان وبانغلادش, حيث تم اختطاف والاعتداء على أفراد يُزعم أنهم ملحدون أو كفار“, اعتدائات وصلت لحدّ القتل في الأشهر والسنوات الأخيرة.

تهدف الحملة السعودية لزرع متشددين سنّة في المجتمعات المسلمة حول العالم, كإجراء احترازي ضد الثورة الإيرانية المنحسرة التأثير أصلاً, ولوضع السعودية بدلاً من الجمهورية الإسلامية في موقع الهيمنة على القوى في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. حملةٌ رسّخت مراكز للتشدَد الديني غالباً ما تعيش حياتها باستقلالية عن المملكة العربية السعودية.

قضت محكمة سعودية الشهر الماضي بحكم الإعدام على رجل ثبت بحقه تهمة الكفر والإلحاد. أطلق الحكم شرارة النقاشات على موقع التويتر, نقاشات شهدت الكثير من الترحيب بهذا الحكْم. حُكِم على مواطن سعودي آخر بالسجن لعشر سنوات وألفي جلدة لإطلاقه تعبيرات كفرعلى مواقع التواصل الاجتماعي.

تضغط السعودية ودول إسلامية أخرى في السنوات السابقة لتجريم الإلحاد في القانون الدولي, أمرٌ سيعطي غطاءً شرعياً لقمع الحريات والمزيد من التعصب الإسلامي اتجاه أي نقاش مفتوح لتعاليم الإسلام. أصبحت المملكة العربية السعودية أكثر قدرة على المضي بمشروعها الدولي بعد أن تم انتخابها كعضو في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

غدت ادعائات الإرهاب والتكفير مصطلحات مفضّلة للقادة القمعيين المعادين للحريات للقضاء على معارضيهم. استخدم رجب طيب أردوغان, الرئيس التركي, ادعائات بالإرهاب ضد معارضيه معتقلاً أكثر من 100,000 موظف حكومي, معلم, أستاذ جامعي, صحفي, شخصية قضائية, شرطي وضابط جيش. في شهر كانون الثاني, اختطف أشخاص يُعتقد أن لهم صلات بالمخابرات الباكستانية, خمس مدونين باكستانيين لطالما انتقدو حكم العسكر في باكستان. هذا الاختطاف أيضاً تمّ بحجة كفر هؤلاء المدونين.

تعهّد موقعا التواصل الاجتماعي, فيسبوك وتويتر, للحكومة الباكستانية بأن يقدموا المساعدة المطلوبة لتحديد المستخدمين المتهمين بالإلحاد, حتى يصبح بالإمكان مقاضاتهم بهذه التهمة التي توصل صاحبها للموت في باكستان. كان التعهّد جزءاً من حملة تضيق الخناق على المحتوى الإلحادي على مواقع التواصل الاجتماعي.

أما الجهود الدبلوماسية السعودية, فقد كانت مدعومةً بالغالب من حكومات رأت فرصة طويلة الأمد في تلميع صورتهم الدينية في مجتمعاتها, وتقوية حكمها بدلاً من بناء مجتمعات متماسكة تؤمن بمبادئ التعددية والتسامح. نتيجة هذه السياسات هي حالة التعصب الشديد والهجمات المتكررة على الأقليات. الهجمات الأخيرة في باكستان ومصر تقف كدليلٍ حي.

يقول الكاتب والسياسي ميلاد حنّا, أن كثيراً من معلمي المدارس في مصر إما قد عملوا في المملكة العربية السعودية, أو أنهم قد تلقوا تدريبهم في أحد المعاهد الممولة من السعودية في جامعة الأزهر, أحد أهم المؤسسات التعليمية الإسلامية في العالم. يكتب حنّا قبل أكثر من عقد من هجمات الشهر الماضي على كنيستين قبطيتين في مصر, هجومان خلفا 43 ضحية.

قد يَفصل بعض هؤلاء المدرسين الطلاب المسلمين والأقباط في الصفوف التعليمية, ليشرحوا الاختلافات الدينية بين الفريقين. تتجاهل حصص التاريخ الإرث القبطي المصري في حقبة ما قبل الإسلام, تاركةً انطباعاً لدى الطلاب أن الأقباط كانوا مهاجرين أو قد تحولوا للمسيحية في القرن الثامن عشر على يد البعثات التبشيرية الأجنبية.

“هذا الإعتقاد بتفوق المسلمين…مطبوعٌ في مخيلة الطلاب المصريين منذ سنواتهم الدراسية الأولى وخلال رحلتهم في المدارس الحكومية العامة. يدعم هذا الاعتقاد قوانين غير عادلة (يجب أن يكون الرئيس مسلماً, على سبيل المثال) وممارسات أيضاً ( يُستبعد الأقباط من المناصب العليا في الشرطة والجيش والتعليم)” يقول جيرارد راسل (Gerard Russell), دبلوماسي بريطاني سابق ومسؤول في الأمم المتحدة, ذاكراً نموذج المعارضة الإسلامية لحاكم مسيحي للعاصمة الأندونيسية جاكرتا.

“عندما عشت في مصر في العام 1998, تقدم الأقباط بالعديد من الشكاوى حول منعهم من بناء كنائس جديدة, أو حتى ترميم الكنائس الموجودة. منعٌ لا يبدو أنه يسري على المساجد. تمضي الاعتدائات على الأقباط أثناء النزاعات دون محاسبة (إذا ما قارناها بالجرائم الإرهابية). أحد الأمثلة هو حادثة الكشح عام 1999, حيث قُتل 21 قبطي ومسلم واحد, ولم يتم إدانة سوى قاتل المسلم.” يقول السيد راسل.

تبقى جريمة قتل الصحفي الباكستاني مشعل خان, ابن ال23 ربيعاً, على يد الجموع الغاضبة دليلاً على استخدام اتهامات الكفر الغير مثبتة في تحريض الجموع على تنفيذ “عدالة الغوغاء,” استخدامٌ ممكن أن يُستغل من قبل الحكومة, المؤسسات المحلية, أو أفراد معينين لقمع النقد الاجتماعي ولتصفية الحسابات.

شكّل مقتل السيد خان حادثة نادرة, إنضم فيها بعضٌ من المتشددين للبراليين في شجب اعتداء الجموع عليه. في رصيد باكستان أكثر القوانين صرامة ضد الملحدين, قوانين ترجع لحقبة الاستعمار البريطاني وتحتفل بمقتل أحد نقّاد آلية التشريع في باكستان.

“حادثة مقتل مشعل خان هي حالة سلوك تطرفي جمعي, يمكّن جماعات معينة من أن تستغل هذه الحالة وتحرضها لأهدافٍ ملغومة. يمكن أن نسمي هذا “استغلال إجرامي للتطرف” حيث يستغل المجرمون المشاعر الدينية المتطرفة للجموع وهم على علم بأن الدولة ومؤسساتها ستتردد قبل القيام بأي إجراء. تؤدي هذه المواقف بشكل لا لبس فيه إلى بيئة تنشط فيها مجموعات مفرطة التطرف, لتعمل في المفاصل الأكثر هشاشة في المجتمع الباكستاني, والتي توجد في كل طبقة ومؤسسة في باكستان.” يقول المحلل الأمني الباكستاني محمد أمير رنا.

انتقد السيد خان ضعف الإدارة في جامعته على أحد شاشات التلفزة المحلية, قبل ثلاثة أيام من حادثة إطلاق النار عليه من قبل جموع غاضبة. داست الجموع خان وتعرض للضرب وهو جثة هامدة وقد فاضت روحه, في نوبة غضبٍ مصورة ومنشورة على مواقع الانترنت. تبيّن في فلم وثائقي عُرض بعد وفاة خان, أن إدارة الجامعة منعته وطالبين آخرين من دخول حرم الجامعة ريثما تحقق لجنة في مزاعم قيام الطلاب الثلاثة ب “نشاطات إلحادية.”

“الاتهام بالإلحاد كان أداةً لإشعال الغضب” قال أحد مدرسي خان.

أجّجت حادثة مقتل خان الجدل في باكستان حول تعديل دستوري, يعارضه الإسلاميون المتشددون, من شأنه أن يعيد النظر بحق الدولة الحصري في ملاحقة قضايا الكفر.

ظهرت درجة دعم المتشددين للعنف والتعصب بعد أسبوعين من مقتل خان, عندما هاجم العشرات من المصلين رجلاً بعد صلاة الجمعة في إقليم شيترال, أحد الأقاليم الباكستانية الشمالية النائية.

اتهمت الجموعُ الرجلَ بالكفر في أحد المساجد. احتجزته الشرطة, ولكن الجموع هاجمت مركز الشرطة وطالبت بتسليمهم الرجل. يقول مسؤولوا الشرطة, أن الضحية قد يكون لديه اضطراب عقلي, وأنهم اضطروا لإطلاق الغاز المسيل للدموع في الهواء لتفريق الجموع.

“لقد قُتل مشعل خان لأن ثقافتنا تحمي القتل. ليس هنالك مخطط حكومي لمحاربة المناحي اللاإنسانية, المخربة والبربرية في ثقافتنا الممارسة بشكل دائم متمثلة بجرائم الشرف, القتل العشائري, والمجالس المحلية التي تأمر بالاغتصاب الجماعي. يصدر رجال الدين الفتاوى بشكل متزايد ضد الأقليات والمسلمين الذين لا بمارسون الشعائر الدينية. على الدولة أن تقوم بأكثر من مشاهدة هذه الأفعال كأحد المارة. إن لم تفعل الدولة ذلك, فإن باكستان مستمرة في طريقها نحو “الحالة البدائية” التي شرح عنها هوبز قبل حوال أربعة قرون من الزمن, حيث يأكل الناس بعضهم دون تردد.” يقول الباحث محمد وسيم.

إن الخطر يتخطى ما وصفه السيد وسيم. إن التهديد الحقيقي يقع في استغلال تصنيفات “الكفر” و “الإرهاب” من قبل الحكومات, المؤسسات, الأديان, المجموعات السياسية والأفراد. حالةٌ ستخلق بيئة لا تحرض على التصعب والعنف وعدم احترام للآخر فحسب, بل إنها ستمكّن المجموعات الخارجة عن إطار الدولة و المتطرفين من تحققيق مآربهم. إنها تجعل من حكم القانون حكماً واهناً وتشرّع القتل الخارج عن سلطة المحاكم, سواءً الذي تمارسه الغوغاء في باكستان أو السلطات في الفلبين.

 

ترجمة:مصطفى قره حمد

http://mpc-journal.org/arabic/blog/2017/05/19/%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%81%…

© Mashreq Politics & Culture Journal