جمهورية العراق الاتحادية

يطرح فولكر بيرتيس، مدير مؤسسة العلم والسياسة في برلين، سيناريوهات مختلفة لتطور العراق في المستقبل القريب ويرى أنه من الممكن أن تتحول البلاد إلى دولة فيدرالية بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية وبمساعدة الأوروبيين

أصبح العراق بعد انقضاء ثلاثة أعوام على إسقاط نظام صدام حسين أكثر حرية وديموقراطية من أي زمن ما. على الرغم من ذلك فإن مستقبل الدولة نفسها في حكم المعلق. فمازالت النزاعات الأساسية قائمة بين المجموعات الرئيسية للمجتمع سواء بشأن إدخال النظام الاتحادي أو توزيع عائدات النفط أو حول مركز الإسلام في نظام الدولة.

وأصبحت الولايات المتحدة التي فرضت نفسها فرضا مهندسة للأوضاع العراقية في موقع دوامة حافلة بالخطر حتى على أوروبا أيضا. فطالما بقيت بحكم الأمر الواقع قوة احتلال فإن المقاومة والإرهاب سيظلان باقيين، أما في حالة انسحاب الولايات المتحدة وقوات التحالف فإن ذلك كفيل من الناحية الأخرى بإفراز الحرب الأهلية والتجزئة.

استمرار العنف وتفتت الحالة الأمنية في وسط العراق يعزز تيار إنشاء هياكل منفصلة في الجنوب الشيعي وقوى تيار إعلان الشمال الكردي عن استقلاله من الدولة العراقية. لكن عاملي التجزئة والحرب الأهلية كفيلان بتقوية استعداد الدول المجاورة للتدخل في شؤون العراق الداخلية.

سحب القوات الأمريكية

تعتمد إمكانيات السياسة الألمانية والأوروبية حيال العراق اعتمادا خاصا على عوامل لا تملك أوروبا قدرات تأثيرية عليها، أي على الوضع الأمني وعلى الخيارات التي ترجحها واشنطن. هذا وليس من المستبعد أن تبدأ الحكومة الأمريكية في سحب قواتها قريبا من العراق.

ولا يمكن في هذه الحالة عقد الآمال على نجاح العراقيين في مسك زمام الأمور بأيديهم وتسوية نزاعاتهم "على الطريقة العراقية" أي من خلال اعتماد مزيج يتألف من عنصري المشورة والقمع.

في أسوأ الاحتمالات ستفشل قوات الأمن العراقية وما تبقى من قوات التحالف في إخماد نيران المقاومة بل ستفقد سيطرتها على الأمور أكثر بأكثر دون أن يتزامن ذلك مع ظهور قيادة موحدة لمجموعات المقاتلين.

هذا سوف يتسبب في انزلاق وسط العراق وأجزاء من العاصمة نحو حالة الفوضى، وبالتالي سوف تتوزع السيطرة على أجزاء من مدن البلاد ومناطقها المختلفة بين أمراء حرب محليين وخلايا إرهابية وزعماء عشائر والحكومة نفسها أيضا.

وهنا لن تجد الأحزاب الكردية خيارا آخر لها غير اللجوء إلى الانفصال التام عن بقية أجزاء الدولة وسوف يرافق ذلك قيامها بضم مدينة كركوك وحقول النفط الواقعة بجوارها. لكن ذلك سيجعل تركيا تلجأ إلى استخدام الضغط الاقتصادي بل ربما أيضا إلى التوغل ولو بصورة محدودة في تلك الأراضي بحجة حماية الأقلية التركمانية ومكافحة حزب العمال الكردستاني مما يتطلب منها تأمين مواقع استراتيجية هناك.

مما لا شك فيه فإن مثل هذه العملية سيكون من أهدافها أيضا منع تأسيس دولة كردية مستقلة يمكنها أن تصبح محور اهتمام أكراد تركيا وتوجههم.

تقليل القوات الأمريكية

لن يختلف الحال عن ذلك على وجه كبير فيما لو قللت الولايات المتحدة وجودها العسكري وقوّت في نفس الوقت قدرة قوات بيشميرغا الكردية أو مليشيات بدر الشيعية على توجيه الهجمات ضد المقاتلين السنّة.

ربما حقق ذلك نجاحا عسكريا لكنه سيفسر كائتلاف ينشب بين الشيعة والأكراد بهدف اضطهاد الطائفة السنية، الأمر الكفيل بتصعيد حدة الأحكام المسبقة ذات الطابع الطائفي وباندلاع حرب أهلية عرقية طائفية قريبا أو بعيدا.

في مثل هذه الحالة أيضا سترى القوات الكردية مبررا لها في الانفصال عن الدولة العراقية. لكن مثل هذه الوقائع ستوفر للأكراد متسعا من الوقت لعقد اتفاق مع تركيا قد يجعل هذه الدولة تتبوأ مهمة حماية دولة أكراد العراق. ولقاء ذلك سيتعين على الأكراد الوعد بالتزام روح النية الطيبة والتعاون مع أنقره في عدة مجالات أحدها محاربة حزب العمال الكردستاني.

أما السيناريو الأفضل حسب المعطيات المحتملة فسيتضمن توزيعا للسلطة في الإطار الداخلي للدولة العراقية. هذا يتطلب وجود خطة زمنية لانسحاب القوات الأمريكية في حالة توفر حد أدنى من الشروط الموضوعة.

هنا يصبح خيار المفاوضات بين الحكومة العراقية وبين فصائل المقاتلين ممكنا طالما لم تتبن هذه الفصائل صيغة الحرب الدينية المقدسة بل اتسم مطلبها بإنهاء الاحتلال الأجنبي بخلفية مبنية مبدئيا على النزعة القومية.

فبعض المنضويين تحت مظلة هذه المجموعات كان بوسعهم الاندماج في سياق هياكل السلطة الجديدة. في هذا الصدد يكون بمقدور الأطراف الكردية في الشمال والشيعية في الجنوب تكريس قدر معين من الأمن من خلال تعبئة مليشياتها لهذا الغرض.

فتحت مظلة "جمهورية العراق الاتحادية" سوف يمكن للأطراف الشيعية أن تؤسس في مناطق نفوذها نظاما إسلاميا يقترب من النموذج الإيراني، كما يمكن للأكراد في هذه الحالة توسيع آفاق الاستقلال الذاتي المتوفر لديهم اليوم عمليا أي على أرض الواقع. وهنا كان من الضروري إرجاء البت في المسائل الدستورية المتنازع عليها وموضوع رسم الحدود بين أجزاء الدولة الاتحادية إلى أجل آخر.

توزيع عائدات النفط

لا تتمشى كافة هذه التصورات مع المعدلات الديموقراطية السائدة. لكن بالإمكان ربما تجنب اندلاع حرب أهلية لو تم في نفس الوقت إيجاد معادلة لتوزيع عائدات النفط يتم من خلالها مراعاة مصالح وسط العراق ومصالح السنة عامة أيضا. في ظل مثل هذه المعطيات لا يتوفر لدى الأطراف الكردية سبب مباشر يدفعها لتبرير إنهاء تبعية مناطقها للدولة العراقية.

هنا تطلب الأمر من ألمانيا والاتحاد الأوروبي سلوك خيار مزدوج، وهذا يعني متابعة الجهود الرامية إلى تعبيد طريق الاستقلال أمام العراق الجديد كما كان عليهما في نفس الوقت أن يكونا في حالة تهيؤ لاحتمال انقسام الدولة العراقية بصورة خاصة من خلال انفصال المناطق الكردية عنها.

وينبغي على ألمانيا والاتحاد الأوروبي أن يعربا عن قناعتهما على نحو ثابت بأن مثل هذا الانقسام لن يخدم المصالح الأوروبية لا سيما وأنه سيؤدي إلى مضاعفة حالة التوتر القائمة ويزعزع الاستقرار على الصعيد الإقليمي.

من ناحية أخرى لا توجد أسباب تبرر التمسك بالصيغة الوهمية لدولة عراقية موحدة طالما لم يكن لدى العراقيين أنفسهم استعداد لتبني هذه الصيغة.

لو افترضنا وجود إمكانيات لدى ألمانيا والاتحاد الأوروبي للتأثير على مجريات الأمور فإن ذلك يتعلق بالمثلث الواقع بين المناطق الكردية والعراق وتركيا، فهذه الإمكانيات في جميع الأحوال أكبر منها في حالة وسط العراق وجنوبه.

بالنسبة للمثلث المذكور تطلب الأمر من الاتحاد الأوروبي أن يوجه للدول المجاورة أي إيران وسوريا ولا سيما لتركيا خطابا واضحا يتضمن ضرورة ممارستها لدور بناء في هذا السياق. ويمكن للاتحاد الأوروبي أن يقدم للمناطق الكردية الواقعة في العراق وعودا بالاعتراف بها دبلوماسيا شرط حل المشكلة الحدودية ومسألة كركوك بالطرق السلمية وضمان حماية الأقليات المقيمة هناك.

وربما كان من المفيد في هذا الصدد قيام الاتحاد الأوروبي بإرسال قوات شرطة إلى تلك المناطق لتبوء مهمة حفظ السلام فيها.

فولكر بيرتيس
ترجمة عارف حجاج
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2006
صدر المقال في صحيفة زوددويتشه تسايتونغ

فولكر بيرتيس باحث خبير في شؤون الشرق الأوسط ومدير مؤسسة العلم والسياسة في برلين.

قنطرة

هل تصبح الوحدة الجغرافية للعراق محل نقاش؟
يرى بيتر فيليب، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في دويتشه فيله، ان الهجوم على مراقد الأماميين في السامراء لا يمكن أن يصنفه المرء الا انه "قمة الإرهاب". فالأمر هنا لم يتعلق، حسب فيليب، "بإلحاق أضرار مادية" بالخصم، وإنما أبعد من ذلك بكثير

العراق والديمقراطية
هيمنة الدين والتقاليد العشائرية على السياسة العراقية الحالية هو نتاج نظام البعث العربي الاشتراكي الذي خرب أثناء فترة حكمه البنية التحتية لبناء مجتمع مدني ومشهد سياسي تعددي. تحليل سامي زبيدة.

هل يمكن اقامة مجتمع مدني« في العراق بعد الفوضى والدمار؟
هيمنة الدين والتقاليد العشائرية على السياسة العراقية الحالية هو نتاج نظام البعث العربي الاشتراكي الذي خرب أثناء فترة حكمه البنية التحتية لبناء مجتمع مدني ومشهد سياسي تعددي. تحليل سامي زبيدة.

صراع داخل الثقافة العربية-الإسلامية ـ
يبيّن الباحث الألماني ومدير مؤسسة العلم والسياسة فولكر بيرتيس واقعًا متعدد الجوانب للشرق الأوسط. ويأخذ القراءَ معه في كتابه الجديد ليشاركوه رحلاته ومقابلاته مع ممثلين لشرائح مختلفة من المجتمعات التي زارها

www

مؤسسة العلم والسياسة (باللغة الإنكليزية)