قطيعة بين الغرب والعالم الإسلامي بسبب حرب غزة؟

وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في زيارة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. U.S. Secretary of State Antony Blinken (left) visits Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu (right)
دعم لا يتزعزع: إلى وقت كتابة هذا المقال أُسكِتت الانتقادات الموجَّهة إلى الغرب بخصوص موقفه من الحرب الانتقامية الإسرائيلية على غزة، والتي أودت بأرواح الآلاف من الأبرياء. (حقوق الصورة: عاموس بن غيرشوم). (image: Amos Ben Gershom/Israel Gpo/ZUMA Wire/IMAGO)

لأحداث الشرق الأوسط عواقب طويلة المدى على سياسة العالم. فكيف ينظر المجتمع الإسلامي إلى دعم الحكومات الغربية للحصار الإسرائيلي وللقصف الجوي في غزة؟ الباحث الأمريكي التركي أحمد كورو يضع النقاط على الحروف.

الكاتب، الكاتبة : Ahmet T. Kuru

باعتباري أكاديمياً أمريكياً مسلماً من أصول تركية تعاملتُ مع نشطاء ومثقفين وعلماء مسلمين في العديد من البلدان، بما في ذلك إندونيسيا وماليزيا وهولندا، حيث تُرجِمت كتاباتي؛ والمغرب والبوسنة اللتين زرتهما قبل 3 أشهر؛ وباكستان وألمانيا، اللتين سأزورهما قريباً.

نادراً ما يتّفق أصدقائي المسلمون. إذ أنّ بعضهم علمانيون، بينما بعضهم الآخر إسلاميون؛ يدعم بعضهم حقوق مجتمع الميم بشكل كامل، بينما لدى بعضهم الآخر تحفّظات.

ولكنْ هناك استثناء واحد يتفقون عليه: ينظر جميعهم إلى الدعم غير المشروط من جانب الحكومات الغربية للحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة -ناهيك عن احتلالها المتواصل للضفة الغربية- بوصفه دليلاً على أنّ هذه الدول لا تحترم حقوق الإنسان حقاً.

بالنسبة لهم لا يعدو تركيز الغرب على الديمقراطية وحقوق الإنسان كونه مجرد خطاب استراتيجي؛ وما تهتم به هذه الحكومات حقاً -حين يتعلّق الأمر بالعلاقات الدولية- هو القوة والهيمنة.

وتؤدي بعض حالات الحظر القانوني والتنفيذي -التي اقترحتها بعض الحكومات الغربية في محاولة لإسكات منتقدي إسرائيل- إلى تفاقم هذا التصوّر.

أثناء المناقشات حول التجديف وازدراء الأديان شدّد الغرب -مُحِقّاً- على أهمية حرية التعبير. بينما الآن يبدو أنّهم يقولون للمسلمين إن حرية التعبير مهمة حين يقوم شخص ما بازدراء الرموز الدينية ولكن لا يمكن استخدام حرية التعبير لانتقاد الحكومة الإسرائيلية.

دروس الحادي عشر من أيلول/سبتمبر؟

منذ بضع سنوات حين قدَّمتُ التقدُّم الغربي كنموذج للمجتمعات الإسلامية -التي تسعى إلى تحقيق التحوّل الديمقراطي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية- ادّعى الكثيرون أنني كنت أقلِّل من شأن الإمبريالية والاستعمار الغربيين.

غير أنني حافظتُ على تقدير للديمقراطية الغربية، وتحدَّيت الخطابات المناهضة للغرب في كتاباتي ونقاشاتي. على سبيل المثال تحمل مقابلة أجريتها مؤخراً مع صحيفة بوسنية عنوان: "القيم الغربية والإسلام متوافقان".

وعندما ذكر محاوراي المسلمان التداعيات السلبية للغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان أشرتُ إلى أنها كانت أخطاء ارتُكِبت في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول وأنّ الولايات المتحدة تعلَّمت دروساً منها.

في الواقع حين طلب مني موقع قنطرة كتابة تحليل حول الذكرى العشرين لأحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول كتبت مقالة متفائلة حول نجاح الولايات المتحدة إجمالاً في دمج الأقلية المُسلمة في التيار الرئيسي للمجتمع الأمريكي.

لكن يبدو أنّ الأحداث الأخيرة [حرب إسرائيل وحماس 2023] تؤكّدُ صحة حجج المنتقدين لي. فهل ما زلتُ متفائلاً؟ إنّ هذا يعتمد على المسارات المُحتملة للأحداث المستقبلية.

Here you can access external content. Click to view.

سيناريوهات مستقبلية بديلة

يبدو أنّ هناك سيناريوهين اثنين مُحتملين في المستقبل. الأول: هيمنة التشاؤمية أو السينيكلية [ارتياب عام في دوافع الآخرين/Cynicism] بين المسلمين تجاه الديمقراطية كمؤسسة غربية.

ومن المُرجح أن يؤدي هذا إلى ترسيخ السلطوية في العالم الإسلامي. وسيتعرض أنصار الليبرالية والديمقراطية لمزيد من التهميش على يد الإسلاميين والقوميين وغيرهم من مؤيدي البدائل السلطوية، مما سيعزّز مشكلة معاداة الغرب الموجودة بالفعل في العديد من المجتمعات الإسلامية.

لا تبشِّر السلبية المتزايدة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي بالخير بالنسبة للغرب. ومن الناحية الجيوسياسية فإنّ تصاعد الاستقطاب سيُنعِشُ نظرية "صراع الحضارات". كما ستوسِّع كل من روسيا والصين نطاق نفوذهما في البلدان الإسلامية.

وحين يتعلّق الأمرُ بالسياسة المحلية في الدول الغربية فالأحزاب اليمينة الشعبوية هي أكبر مستفيد. إذ ستتمتع بدعم متزايد، بينما سيتراجعُ اندماج المواطنين المسلمين في المجتمعات الغربية. وكلا هذين التطورين من شأنهما إضعاف الديمقراطية في الغرب.

ولكنْ هناك سيناريو بديل أكثر استباقية، وفيه يُقدِّرُ المسلمون الديمقراطية وحقوق الإنسان بوصفهما قيماً عالمية، حتى إن لم تدعمها بعض الحكومات الغربية. وهذا سيضع حدّاً للنقاش حول إنْ كان التحوُّل الديمقراطي يعني ضمناً تقليد الغرب في البلدان ذات الأغلبية المسلمة. كما أنّ اتباع توجِّه أكثر ديمقراطية سيساعد الأقليات المسلمة على الاندماج في المجتمعات الغربية.

وقد يتضمن السيناريو الاستباقي العمل مع اليهود وغيرهم من الجماعات غير المسلمة لإيجاد حل سلمي ودبلوماسي للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني. ففي الولايات المتحدة الأمريكية -على سبيل المثال- احتجَّت بعض الجماعات اليهودية بنشاط ضد الحرب ودعت إلى وقف إطلاق النار.

كما أصبحت حركة "حياة السود مهمة" في الولايات المتحدة فعَّالة لأنها كانت عبارة عن ائتلاف واسع ضمّ أشخاصاً من هويات مختلفة. وبالشكل ذاته إن كانت حياة الفلسطينيين ستحظى ذات يوم بأهمية أكبر لدى الحكومات الغربية فسيتطلّب الأمر التزاماً من قبل شريحة واسعة من المجتمع.

أحمد ت. كورو هو أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز الدراسات العربية والإسلامية في جامعة سان دييغو. وهو مؤلف كتاب "الإسلام والسُّلطويَّة والتأخُّر: مقارنة عالمية وتاريخية" الصادر عن جامعة كامبردج.

 

 

أحمد ت. كورو

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2023

Qantara.de/ar