المسلمون في أوروبا – خريطة التمييز
أصدر اتحاد هلسنكي العالمي تقريرا عن المسلمين كضحايا لعدم التسامح والتمييز في الاتحاد الأوروبي منذ إعتداءات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول. ويشير التقرير إلى تزايد التمييز ضد المسلمين في العديد من الدول الأوربية، إلا أن هناك تطورات إيجابية أيضا. تقرير علاء الحمارنة.
يعتمد التقرير الذي يبلغ مائة وستين صفحة على معلومات مستمدة من سلسلة من المصادر، مثل المنشآت العامة والمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام وبعض المسؤولين الدينيين وناشطين في حقوق الإنسان من بلاد الاتحاد الأوروبي أجمع. ويحتوي التقرير على ثلاثة فصول:
المقدمة، ويتلوها بعض الوصايا الموجهة إلى دول الإتحاد الأوروبي وملخص للشروط التي ينبغي على المسلمين أن يعيشوا بموجبها داخل دول الإتحاد، وفي النهاية معالجة مسهبة للمواقف غير المتسامحة والعنصرية تجاه المسلمين. والتقرير يركز على إحدى عشرة دولة من الدول الأوربية التي يعيش فيها جاليات مسلمة كبيرة.
كيف تنظر المجتمعات الأوربية إلى المسلمين؟
ويهدف التقرير في المقام الأول إلى: "المساهمة في إيقاظ الثقة بالنفس بدرجة كبيرة خاصة فيما يتعلق بعدم التسامح والتمييز والمساهمة أيضا في إحترام حرية ممارسة المسلمين لدينهم داخل الإتحاد الأوروبي".
وفي هذا الخصوص يعالج التقرير مجموعة كبيرة من الموضوعات، مثل النظرة العامة إلى المسلمين (في الإعلام وفي السياسة وفي المؤسسات التعليمية وفي مجالات العمل)، وأيضا النظرة إلى المهاجرين الأجانب وقضية اندماجهم في المجتمع وتشريع قوانين اللجوء.
ومن الموضوعات الأخرى التي يعالجها التقرير كيفية ممارسة المسلمين لشعائر دينهم (أماكن الصلاة والتربية الدينية وما هو مهم وضروري بالنسبة للحجاب ومراسم دفن الموتى) والنظرة التي تحظى بها الأحزاب المتطرفة المعادية للدين. وفي باب منفصل يعالج التقرير بعض الحالات التي يدعوا فيها بعض رجال الدين المسلمين إلى عدم التسامح والتحريض على العنف.
الجاليات الإسلامية في الاتحاد الأوروبي وعدم التجانس
يشير التقرير من ناحية إلى أن المسلمين في أوروبا البالغ عددهم ما يقارب العشرين مليونا لا يعيشون في جماعات موحدة، وهذه "الجماعات ليست متجانسة، وإنما لها خلفيات عرقية وثقافية ولغوية وأخرى إجتماعية متباينة. وعلاوة على ذلك فهي تنتمي إلى مذاهب إسلامية مختلفة".
ومن ناحية أخرى يشير التقرير إلى أن الاتحاد الأوروبي ليس متجانسا من حيث الخلفية الإقتصادية والإجتماعية والقانونية. وسوف يتبين ذلك إذا ما نظر المرء إلى وضع المسلمين المتباين في الدول الإحدى عشرة التي جرى عليها البحث.
فعلى سبيل المثال قد تم الإعتراف بالإسلام في النمسا كدين رسمي منذ عام 1912، وفي بلجيكا منذ عام 1974 بكل ما يعنيه هذا الوضع من مزايا.
كما توجد هناك فروق كبيرة فيما يتعلق بالحقوق المدنية، فبينما نجد نصف المسلمين في فرنسا وبريطانيا وهولندا وبلجيكا يحملون جنسيات تلك البلاد، نجد نسبة من يحملون الجنسية الألمانية والدانماركية منهم يقل عن عشرين بالمائة، وبذلك فإن الإعتراف الرسمي بالإسلام واكتساب الجنسيات يشكلان أهمية كبرى في علاقة كل من هذه الدول مع المسلمين المقيمين فيها.
وعلى الرغم من ذلك يجد التقرير أيضا صفات مشتركة بين الجاليات الإسلامية في مجتمعات الاتحاد الأوروبي، منها أن متوسط أعمارهم أقل منه لدى الفئات الأخرى من السكان، وأنهم يعيشون في ضواحي المدن أو في مراكز التجمع السكاني الكبرى، وأنهم جاؤوا إلى أوروبا كمهاجرين أو ينحدرون من أصول مهاجرة، وأن عددهم قد يتصاعد بسبب ارتفاع معدل المواليد بينهم.
كثرة الأحكام المسبقة
ويفيد تقرير إتحاد هلسنكي العالمي أن "المناخ الإجتماعي الذي يعيش فيه المسلمون في الدول التي جرى عليها البحث قد ساء منذ إعتداءات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول"، وأن الأحكام المسبقة وألوان التمييز تجاه المسلمين قد ازدادت أيضا.
فعلى سبيل المثال زادت التحرشات - التي تنم عن كراهية الأجانب - ضد المسلمين في الأماكن العامة، وعلى الرغم من أن معظمها لم يتجاوز حد السب، إلا أن التقرير قد أورد أدلة فعلية على أعمال عنف تجاه الأشخاص وأعمال تخريبية.
ويقول التقرير أيضا أن كثيرا من هذه الإعتداءات لم تقدم بها شكاوي عند الشرطة لأن الضحايا لم يكن في اعتقادهم أن رجال الشرطة سوف يهتمون بالأمر.
ويذكر التقرير أن في بعض بلاد الإتحاد الأوروبي قد أصبح "مسموحا" بـ"مواجهة المسلمين بالعداء واستخدام التعبيرات المعادية ضدهم"، إلا أن المحاكم كانت لها بالفعل يد في الدفاع عن حقوق المسلمين.
فعلى سبيل المثال حكمت المحكمة الدستورية النمساوية في أكتوبر/تشرين الأول عام 2004 ببطلان بعض قوانين اللجوء الجديدة وطالبت بإلغائها. وهناك حكم آخر أصدرته المحكمة العليا في الدانمارك بالحبس مع إيقاف التنفيذ على أحد أعضاء حزب متطرف قام بسب المسلمين.
التعبيرات المعادية للمسلمين وكيفية تعامل السياسة معها
يشكل نجاج الأحزاب اليمينية الأوروبية الفاشية الجديدة والمعادية للأجانب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول تحديا كبيرا أمام الأقليات العرقية والدينية وحتى الديمقراطية السياسية الأوروبية. وأكثر مما تعاني منه الجاليات المسلمة هو أن بلاغة تلك الأحزاب لا تتضمن فقط تخويفا من الأجانب ولكنها معادية للمسلمين أيضا.
وقد ساعد "الحرب ضد الإرهاب" تلك الأحزاب المتطرفة في طرح مضامين تعصبية ومعادية للأجانب في الصحف اليومية، وذلك بتعبيرات معادية للمسلمين وإصدارهم أحكاما مسبقة ضد الأجانب.
فعلى سبيل المثال أعربت الجبهة الوطنية في فرنسا أن "القيم الإسلامية" لا "تتفق مع قيم المدنية الفرنسية".
وقد حُكم على رئيس الجبهة الوطنية جان ماري لوبان بغرامة مالية إثر نشره مقال صحفي عن "التحريض عل كراهية الأجانب" في أبريل / نيسان 2004. وحزب الشعب اليميني المتطرف في الدانمارك يتهم المسلمين بأنهم "يقوضون القيم الديمقراطية وينادون بالعنف". والسياسي الهولندي بيم فورتون، الذي أغتيل صرح بقيام "حرب باردة جديدة ضد الإسلام".
ولسوء الحظ قام بعض ممثلي الأحزاب الديمقراطية وحتى أعضاء الحكومات بتبني الشعارات البليغة التي صدرت عن حزب تحالف الشمال اليميني الإيطالي، وشعارات الحزب الجمهوري الألماني وحزب العمل الألماني الوطني الإشتراكي، وشعارات الكتلة الفلامية البلجيكية وحزب الحرية النمساوي.
وقد أورد تقرير اتحاد هلسنكي العالمي بعض التصريحات المعادية للمسلمين لقادة سياسيين ديمقراطيين أمثال رئيس الوزراء الإيطالي برلسكوني، الذي قال بـ"أن الحضارة الغربية متميزة على الحضارة الإسلامية"، كما ذكر التقرير أيضا عبارة "الثقافة المعيارية" التي تبناها الحزب المسيحي الديمقراطي في ألمانيا.
دَور الإعلام
كما أثبت التقرير تحيز الإعلام في الدول التي جرى عليها البحث، وقيامه عادة بالحديث عن الموضوعات الإستفزازية التي تمس الإسلام والمسلمين. ومع ذلك فما زال الإعلام النمساوي والإسباني والبلجيكي يصدر تقارير - عن الإسلام والمسلمين – أكثر تسامحا عنه في دول الاتحاد الأخرى.
وأوضح التقرير أن "الإعلام يميل إلى تقديم المسلمين بصورة متكررة في قالب سيئ منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول"، فعلى سبيل المثال نجد التقارير التي يصدرها الإعلام في ألمانيا عن الصراعات في دول البلقان والشرق الأوسط تهدف في المقام الأول إلى "الربط بين الإسلام والإرهاب"، مما يجعل لها "تأثيرا سلبيا على النظرة إلى الإسلام والمسلمين".
وقد ألقي اللوم على الإعلام البريطاني بأنه قد ساهم "في خلق الأحكام المسبقة ووضع المسلمين موضع الريبة من خلال تقاريره المغرضة التي لا تغتفر".
وصايا إلى دول الإتحاد الأوروبي
ووجه اتحاد هلسنكي العالمي عددا كبيرا من الوصايا إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ومن الناحية السياسية فهو توجيه إلى الاتحاد بجعل الجاليات المسلمة جزءاً مندمجا في المجتمع الأوروبي وحمايتهم من كل أنواع التمييز.
وطالب بضمان حرية ممارسة العبادات وأن يكون تطبيق القوانين الخاصة بالهجرة ومحاربة الإرهاب متماشية مع الاتفاقيات الدولية لحماية حقوق الإنسان. كما يوصي التقرير أيضا أن تكف الدول عن التمييز ضد المسلمين وأن تدعوا بانتظام إلى التسامح والحوار، سواء كان في تعامل المواطنين أو الهيئات أو الإعلام مع المسلمين.
وأخيرا – كما يرى إتحاد هلسنكي العالمي - ينبغي على الدول الأعضاء أن تسعى إلى الحوار مع الجاليات المسلمة وأن تمّكن المسلمين من أداء شعائرهم الدينية.
عالمية التفكير والتطبيق المحلي
يعد مطلب اتحاد هلسنكي العالمي بالمقاومة الشديدة للتمييز ضد المسلمين في أوروبا إبداعا جديدا، فهذا يثبت أن الحرب ضد الإرهاب وسمعة الإسلام والمسلمين المقيمين في أوروبا - التي تدهورت منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول – أصبح ينظر إليها من منظور آخر تماما عما كان يحدث في الوضع العادي.
ويثبت أيضا أن التصرفات المعادية للمسلمين لا تتماشى مع الديموقراطية، مثلها مثل الأشكال الأخرى للتمييز العنصري ضد الأقليات. ومن الممكن أن يساهم حوار متعدد الثقافات في أوروبا، الذي يرتكز على الصراحة والتسامح والفضول تجاه "ما هو غريب"، في تنقيح الشاريع المتعددة الثقافات، على أمل أن يحل التعايش سويا محل التعايش جنبا إلى جنب.
وعلى الحكومات والمؤسسات السياسية والمنظمات غير الحكومية والأفراد أن يعلموا أن المسلمين لن يرحلوا من أوروبا الحديثة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن قضية الإندماج لن يكتب لها النجاح بالمجهود الفردي.
وعلى المسلمين أن يهتدوا إلى إمكانيات عملية ومبدعة، وأن يوفقوا بين أسلوب حياتهم وبين المجتمعات الأوروبية والمحيط الثقافي. وليست هناك وصفة سحرية قد تساعد على التغلب على عدم التسامح والعنصرية وفي نفس الوقت الصعوبات التي تواجه الإندماج.
إنها قضية تتطلب اهتمام الجميع يوميا وفي كل مكان. بهذا يعتبر تقرير اتحاد هلسنكي العالمي خطوة أولى على الطريق الصحيح.
بقلم علاء الحمارنة
ترجمه عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع قنطرة 2005
د. علاء الحمارنة، أستاذ مساعد في مركز أبحاث العالم العربي، قسم الجغرافيا في جامعة ماينتس الألمانية.
قنطرة
حول الخلط بين العمليات الإرهابية، وبين الإسلام، وكيفية التصدي له
ما هي الاستراتيجيات التي على المسلمين في أوربا وعلى وسائل الإعلام الغربية وعلى الفرد في أوربا اتباعها بعد الإعتداءات في لندن وشرم الشيخ؟ تحليل الباحثة الإعلامية الألمانية سابينه شيفر.
الإدانة من قبل المسلمين مهمة ولكنها لا تكفي!
المسلمون في أوربا والعالم الإسلامي بحاجة إلى حوار إسلامي داخلي أكثر جدية وعمقاً حول التطرف، ودور هذا الفكر، ودور الغُلاة والدجالين في تضليل البعض، حسب رأي أيمن مزيك رئيس تحرير المجلة الإلكترونية islam.de
www