خطوات أولى في الاتجاه الصحيح
إذا أردنا الخروج بشيئ من عام بعد بدء الحرب على العراق فإننا سنجد بالكاد المبررات التي ساقتها واشنطن ولندن من أجل غزو العراق. إذ لم يتم العثور علي أية أسلحة دمار شامل ولا صواريخ خطيرة، ولا دلائل على وجود علاقة وارتباط بين نظام صدام حسين وتنظيم القاعدة.
لقد شُوهت وثائق وتحولت نظريات إلى حقائق لتقديم مسوغات ومبررات للحرب التي كان البيت الأبيض قد قرر خوضها، عندما كان مفتشو أسلحة الدمار الشامل بقيادة هانز بليكس ما زالوا يبحثون عن أسلحة وعندما كانت تناقش شرعية هذه الحرب الأمم المتحدة.
وأصبحت هذه المناقشات اليوم جزءا من الماضي. ففي بلاد مابين النهرين تبلور واقع جديد. حينما نقرأ نتائج استطلاع الرأي أجريت مؤخرا فإنها تبين أن نسبة 48 في المائة من الذين جرى استطلاعهم أعلنوا موافقتهم للحرب وقالوا إنها صائبة في حين صوت فقط 43 في المائة ضدها، وتتفق أغلبية مع الرأي القائل أن الأمور تسير الى الأحسن اليوم عن ما سبق، في حين ترى أغلبية أخرى أنه من الصحيح والضروري بقاء الأمريكيين في العراق حتى تعود الأمور إلى طبيعتها.
إن المتشائمين لا يحتاجون إلى وقت طويل للبحث لدعم موقفهم بالحقائق والحجج، فالاعتداءات والهجمات اليومية والتي يروح أعداد متزايدة من الأمريكيين والجنسيات الدولية الأخرى ضحية لها لخير دليل على ذلك، ثم عدم تحقيق الديموقراطية الموعودة في العراق والعالم العربي كله لدليل آخر على ذلك.
ولكن هل من الممكن إحداث تحول في العراق بعد عشرات من السنين من الاستعباد في شهور قليلة، إذا أخذنا في الحسبان أن التحول في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية استمر أربع سنوات بعد اثني عشر عاما من الديكتاتورية، في حين دام حكم صدام حسين عقودا!
لقد أُنجزت خطوة أولى في هذا الاتجاه تمثلت في إقرار مشروع دستور جديد وفي وعد الأمريكيين بنقل السلطة للعراقيين في الصيف المقبل وإجراء انتخابات في العام القادم. بالطبع يجب أن ننتظر تحقيق هذه الوعود، وعلينا استبعاد نية واشنطن السيئة!
إنه من السذاجة الاعتقاد أن الولايات المتحدة ستنسحب من العراق في أسرع وقت ممكن. فهذا البلد سيبقى على الأرجح لفترة طويلة جزءا ثابتا من الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط. ولكن واشنطن تبحث عن سبل للتخلص من صورة "المحتل" وتفضل أن تبقى في العراق بوصفها تعريفها "قوة حماية".
ويجب على الولايات المتحدة أن تكون قوة حماية بكل معنى الكلمة إذا تم نقل مسئولية الإدارة للأمم المتحدة. ولكن بعد الاعتداء على مقر الأمم المتحدة في بغداد لن ترض المنظمة الدولية بتولي أية مهام أوواجبات هناك دون حماية كافية.
وكان هذا واضحا وبجلاء للفائز بنتيجة الانتخابات الإسبانية الذي أعلن بشعبوية جامحة عن سحب الجنود الإسبان البالغ عددهم ألفا وثلاثمائة جندي، اذا ما لم تتول الأمم المتحدة المسئولية في العراق. أما في حال عدم قيامها بذلك فسيستغنى المحتلون حينئذ عن الإسبان، ولكن في المقابل إذا جاءت الأمم المتحدة فإن ذلك ربما يشجع الإسبان لتدعيم مشاركتهم.
يقلم بيتر فيليب، دويتشه فيلله 2004
ترجمة شكري عبد الحميد