الحجاب: رمز التحدي أم الولاء؟
لقد انتشر ارتداء الحجاب في أندونيسيا في بداية الثمانينات كنتيجة مباشرة لنجاح الثورة الإسلامية في إيران. وقبل ذلك كانت النساء الورعات يرتدين أزياءً متنوعة وأحياناً بتأثير محلي وأحياناً مع أو بدون غطاء للرأس. وأحياناً يكون الحجاب طويلاً وغالباً ما يكون على هيئة قطعة طويلة من القماش داكنة اللون ( تعرف أيضاً كَرودونكَ) وغالباً ما ترتديها طالبات كلية المعلمين الإسلامية( بيركَوروان).
وببطء أصبح ارتداء الحجاب موضة بين طالبات الجامعات أيضا، اللواتي كن يشرن إلى آية من سورة النور (30-32) ذُكِرَ فيها الجلباب بصورة صريحة.
ومنذ التطورات الدراماتيكية التي حصلت في إيران، أصبح الحجاب في عين الدولة في جاكرتا رمزاً للتحدي يعكس الطراز الكلاسيكي الإسلامي للمقاومة ضد المؤسسة. فاللقاءات والتجمعات الدينية مثل لقاءات مساء الخميس المنتظمة والتي عادة ما تحضرها طالبات محجبات تراقب من قبل البوليس السري أحيانا. وعادة ما تكون النقاشات التي تحصل هناك صريحة وجريئة وتتطرق إلى قضايا أخرى مثل الإشتراك في السلطة بصورة متساوية مع الرجل.
ومن ناحية أخرى يمثّلَ ارتداء الحجاب تعبيراً عن هوية الفرد وهو بمثابة خيار شخصي. وغالباً ما تُتّخذ إجراءات قمعية تمييزية ضد النساء الشابات وأحياناً حتى الفتيات اليافعات المحجبات. ومن الأمثلة السيئة الصيت ما جاء في القضية المرفوعة إلى المحكمة والتي تتعلق بطالبة في مدرسة إعدادية في بوكَور والتي تشاجَرَتْ مع مديرة المدرسة حول ارتداء الحجاب وقد أخبرتها مديرة المدرسة أن تختار بين ارتداء الحجاب والدوام في المدرسة.
وحَصَلَتْ صراعات حول ارتداء الحجاب على المستوى العائلي وخصوصاً في عائلات موظفي الحكومة وأفراد الجيش. ورغم أن معظم العائلات تشعر بالفخر لأن ابنتهم ترتدي الحجاب ويقبلونه على أنه علامة للتقوى، إلا أنه ما زال وبصورة كبيرة يُعْتَبَرُ رمزاً للتحدي. وكأنهن يُعَبِّرْنَ عن مقاومتهن لتأثير الدولة، رغم أن الدولة هي التي توظّف آبائهن.
تحوّل الرئيس سوهارتو
لقد تَغير كل ذلك عندما بدأ الرئيس السابق سوهارتو بالتلاعب بالرموز الدينية والمراسيم والطقوس الإسلامية، بعدما ارتفعت بعض الأصوات تنتقد الرئيس وأفراد عائلته وتتهمهم بالفساد.
وفي محاولة من أجل التغلب على مشكلة القاعدة السياسية الضيقة من ناحية والنقد المتزايد بشأن الفساد، حاول سوهارتو التقرب من بعض القادة الدينين المنفتحين وبدأ باستخدام مختلف الرموز الدينية الإسلامية. وببطء بدأنا برؤية سوهارتو وأفراد عائلته يتحولون إلى عائلة مسلمة تقية ورعة مخلصة.
وليس هذا فَحَسْب، فقد أصبحَتْ فكرة الذهاب إلى مكة وأداء مناسك الحج، مقبولة ومرغوبة بصورة متزايدة. وفي السنين التالية قُدِّمَتْ عدة أنواع من القروض لتمويل هذه الرحلات وأُسْتُحْدِثتْ صيغٌ عديدة للتوفير وأصبح ممكناً لعدد كبير من الإندونيسيين من الطبقات السفلى الفقيرة وما فوق أن يأخذوا قروضاً خاصة وأُنْشِئَتْ طرق أخرى لتسديد تكاليف الرحلة إلى مكة.
على أي حال لقد أصبح الحجاب الذي كانت ابنة الرئيس الكبرى توتوت ترتديه والطريقة التي تعقده المثال النموذجي لكل الأمة. فقد تَطَلّعَ مصممو الأزياء الأندونيسيون وكذلك شركات صناعة الثياب إلى أن يحذوا حذوها وهكذا بدأت تتطور وتتشكل موضة أندونيسية إسلامية.
ولعبت استراتيجيات التسويق دوراً هاماً بنشر الموضة الإسلامية الجديدة. وأصدرت المنظمات النسائية في الدوائر الحكومية بعض التعاليم للزي الذي يجب أن يُرْتَدى والذي يعتمد على تصميم الموضة الإسلامية.
لقد تطور الحجاب إلى جزء لا يُسْتَغْنى عنه من لباس الموضة الإسلامية. وقد انتشر وطغى استخدامه كجزء من لباس المرأة على ملابس أخرى لم تشتمل في البدء على الحجاب مثل بعض الأزياء المحلية وغيرها من الأزياء الإندونيسية التقليدية.
وأما ما يُعْرَفُ بالجبة والتي هي النوع البغيض المُتدلّي للجلباب الأنيق فلم تُصبح مقبولةً شعبياً. وهذا يتعلّق بالإسلام الأصولي المتشدد. إنّ من يرتدي الجبة يرفض سلطة الدولة ويعيش حياة زاهدة حيث تُطَبّق تعاليم الإسلام بصورة حرفية. بالإضافة إلى ذلك تقترن الجبة بصورة قوية مع ما يسمى تناكا كيرجا وانيتا( النساء العاملات) واللواتي يعملن في خارج البلاد في إحدى البلدان الإسلامية وخاصة في المملكة العربية السعودية.
إن اشتراك سوهارتو الفعال في الطقوس الإسلامية ودعمه لبعض المجموعات الإسلامية أدّى إلى ازدياد الإحساس بالهوية الدينية. وتساعد المؤسسات الحكومية بصورة كبيرة على تكوين المنظمات والمؤسسات الإسلامية. وأُنْشِئَتْ المصارف الإسلامية والإعلام الإسلامي وأُقيمتْ العديد من المساجد والمراكز التعليمية في كل أنحاء أندونيسيا. وكلما ازداد التقارب بين هذه المشاريع الدينية ونظام سوهارتو الذي بدأ بالتصدع والتّفتّت، كلما ازداد حذر الكثيرين من هذه العلاقة.
إن سياسات الحكومة ليست فقط غير مجارية للتعاليم والأخلاق الإسلامية ولكنها مناقضة أيضا لبعض المبادئ الإسلامية، مثل إقامة مجتمع عادل تتوافر فيه الفرص المتساوية للفقراء وتتم حمايتهم. الذين يملكون السلطة يَهُمّهُمْ فَقَط صورتهم كمسلمين، ورعين وتقاة. ما يَهُم هي رموز الإسلام الخارجية السطحية.
ليز ماركوس-ناتسير محامية ومسؤولة عن برنامج مؤسسة آسيا ومدافعة في عن حقوق النساء. هذا النص مأخوذ من مقالتها المعنونة "السياسات الوطنية والنقاش الديني فيما يتعلق بدور النساء في أندونيسيا".
الترجمة عن الإنكليزية كامل الزيادي