انتقادات واضحة وأسئلة مفتوحة
رغم وجود العديد من التحفظات على مشروع الميثاق، إلا أنه من المستبعد أن تصوت غالبية الجزائريين ضده، لأن الرئيس بوتفليقة لا يعتمد فقط على الدعاية الإعلامية القوية، بل بإمكانه الاستتفادة أيضا من إرتفاع أسعار البترول. تحليل برنارد شميد.
قبل الإستفتاء الشعبي على مشروع "الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية" بأسبوعين افتتحت جريدة "الوطن" الجزائرية اليومية في 14 سبتمبر/أيلول بمقال يحمل عنوان "المواطنون لم يقرأوا هذه الوثيقة".
لقد سردت الجريدة اليومية مقاطع من المحادثات التي أجراها صحفيوها في المستشفيات والمدارس والشركات والأسواق الأسبوعية وفي الشوارع الجزائرية.
وكانت ردود الفعل المقتبسة في الغالب تتأرجح بين اللامبالاة وبين الارتياب، وهذا دليل على أن كثيرا من سكان العاصمة الجزائرية يُولون مشاكلهم الاجتماعية الملحة بالإهتمام.
وهذه هي المرة الثانية التي يدعوا فيها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة – منذ توليه الحكم عام 1999 - الشعب الجزائري للتصويت "من أجل السلام" ومشروع العفو، وكان الاستفتاء الأول باسم قانون "الوفاق المدني" في السادس عشر من سبتمبر/أيلول عام 1999.
العفو عن العقوبات
كان هذا المشروع يدعو الناخبين البالغ عددهم 18 مليون من بين 30 مليون جزائري إلى الاستفتاء على قانون العفو الذي كان معمولا به منذ يوليو/تموز من نفس العام. وكان مضمون هذا القانون هو عفو الحكومة عن أعضاء الجماعات الإسلامية المسلحين، بشرط تسليم أسلحتهم خلال ستة شهور تنتهي في الثالث عشر من يناير/كانون الثاني 2000.
وقد كفل قانون "الوفاق المدني" لهؤلاء العفو عن العقوبات الصادرة ضدهم، شريطة أن يكونوا ممن لم يقتلوا أو يغتصبوا أو يشتركوا في مجازر جماعية أو يضعوا متفجرات في أماكن عامة.
وكان على المرشحين لنيل العفو أن يتقدموا إلى لجنة تحكيم ثلاثية مكونة من قضاة وممثلي الحكومة، حيث كان القانون يعد مَن تنطبق عليه الشروط بمسكن ومساعدات مادية لتأهيله لكسب رزقه من جديد.
ولم يكد يعترض أحد على قانون العفو عام 1999، لأن الجزائر كانت آنذاك في طريقها للخروج من "ذروة" الحرب الأهلية التي بدأت عام 1993. أضف إلى ذلك أن غالبية الشعب كانت تتمنى شيئا واحدا في أسرع وقت، ألا وهو أن ينتهي سفك الدماء.
وبدت الشروط السياسية التي بنت عليها الحكومة مبادرتها السلمية لغالبية الشعب في هذه الآونة وكأنها شيء ثانوي.
ولكن الإمتيازات المادية التي حصل عليها المعفو عنهم كانت سببا في إثارة الاستياء في السنوات التالية، حيث استنكر كثير المواطنون مكافئة هؤلاء الإرهابيين الإسلاميين السابقين بضمانات العيش في حين أن البطالة وصلت الذروة بنسبة 30% في فترة ما بعد الحرب الأهلية.
أضف إلى ذلك أن الكثير قد هالهم الأمر عندما نادى الرئيس بو تفليقة أوائل عام 2000 ألا يقوم عامة الشعب بـ"استفزاز" المعفو عنهم بارتداء "ملابس تثير الاستنكار".
مطالب أسر المفقودين
إن الرئيس بو تفليقة منشغل منذ سنين بـ "المصالحة الوطنية" وهي في جوهرها مشروع عفو متسع النطاق. ففي كلمة ألقاها بمناسبة الذكرى الخمسين لحرب التحرير الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي ليلة الأول من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2004 أعلن صراحة أن "العفو العام" يشمل جميع الإسلاميين المسلحين سابقا، وذلك دون شرط زمني.
كما أعلن أيضا أن الدولة ستتحمل الأعباء المادية لكل "ضحايا الكارثة الوطنية"، مما قد يُفهم على أنه استجابة لبعض مطالب لمنظمة "أسر المفقودين".
ومنظمة "أسر المفقودين" تهتم بأُسر الأشخاص "المفقودين". وتُتهم أجهزة الدولة باختطاف وقتل هؤلاء المفقودين في التسعينيات، لأنها شكت فيهم خطئا بأنهم نشطاء إسلاميين، وعدد آخر كان منضما بالفعل إلى الجماعات الإرهابية.
وقد اعترفت الحكومة العام الماضي بحوالي 6200 حالة "اختفاء أشخاص"، كانت تتعلق – من وجهة نظر الحكومة – بعمليات قتل فردية قام بها أفراد الأمن، ولا تريد الحكومة أن تتحمل المسؤولية السياسية عنهم مباشرة، ولكنها قبلت مع الوقت بدفع تعويضات لذويهم.
صراع داخل السلطة
أما العفو العام فكان محل خلاف بين الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام. فقد أراد الرئيس الجزائري بوتفليقة بهذا العفو العام أولا أن يبرهن – على المستوى العالمي – على استعادة استقرار البلاد. وثانيا أراد بوتفليقة أن يقيد سلطة الجيش السياسية، خاصة وأنهم لم يكونوا متحمسين لهذا العفو العام.
هذا لأن هناك فجوة كبيرة داخل الطبقة الحاكمة بين التكنوقراطيين الليبراليين الجدد، الذين يحتلون حاليا مناصب في كثير من الوزارات، وبين جناح النخبة من أصحاب الحماية والرقابة الجمركية، الذي تميل إليه أعداد كبيرة من الجيش.
وهذا الجناح قد باء بالفشل عندما أراد مساندة علي بن فليس خلال ترشيحه لانتخابات الرئاسة في العام الماضي. وثالثا ربما أراد أو يريد بوتفليقة أن يجعل من الاستفتاء الناجح موافقة على شخصه مثلما كان عام 1999.
هذا وقد بقي مشروع بوتفليقة محل خلاف داخل الشرائح السياسية. ونص "الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية" المعروض للاستفتاء لم يحدد بعض طرق تطبيق المشروع. ويتضح من النص أن العفو يشمل كل الإسلاميين المسلحين، هذه المرة دون شروط زمانية أو عرض على لجنة تحكيم.
أسئلة مفتوحة
واستبعد النص أولئك الذين ارتكبوا جرائم الاغتصاب أو اشتركوا في مجازر جماعية أو وضعوا متفجرات في أماكن عامة، وبقي المشروع هذه المرة دون الإشارة إلى كون القتل سبب من أسباب الاستبعاد من العفو. وبهذا لن يقع أولئك الذين قاموا بقتل المثقفين قتلا عمدا تحت طائلة القانون.
ولكن ماذا سيجري مع أعضاء المجموعات الإرهابية الذين لن يلقون أسلحتهم طوعا؟ إن هذا السؤال تبدو الإجابة عليه صعبة، حيث لم يحدد نص "الميثاق" موعد انتهاء مدة العفو العام تحديدا واضحا.
فالنص لا توجد فيه إجابة على هذا السؤال، ولم يحدد مدى تخفيف العقوبة التي قد تُمنح للمعنيين. علاوة على هذا فإن النص يحتوي على عرض لدفع تعويضات مادية لأسر "المفقودين".
وينص "الميثاق" على إلغاء العقوبة التي أصدرها القضاء الجزائري ضدهم غيابيا، وهذا يتعلق بالمسؤولين الكبار من "الجبهة الإسلامية للانقاذ" في المنفى والذين يمكنهم الرجوع الآن إلى الوطن.
ولكن النص يؤكد أيضا على عدم السماح من جديد للحزب المحظور منذ 1992 وكذلك عدم السماح للمسؤولين فيه بممارسة العمل السياسي. وفي خريف 2004 كانت هناك إشاعة فكرة بالسماح للجبهة الإسلامية للإنقاذ بمزاولة العمل السياسي، ولكن تحت اسم آخر.
انتقادات واضحة
والانتقادات والشكوك الموجهة إلى مشروع بوتفليقة أعلى صوتا عما كانت عليه عام 1999، وزاد سخط الصحافة إلى حد ما، وأيضا إثر محاولات الرقابة الحكومية على الجرائد الخاصة منذ تولي بوتفليقة الحكم وخاصة في الإثني عشر شهرا الماضية.
أما ردود الفعل بين الجمهور فهي أكثر تحفظا. ومع ذلك فلا تكاد تكون هناك احتمالية للتصويت بالغالبية ضد المشروع، لأن بوتفليقة لا يعتمد فقط على الدعاية الإعلامية القوية التي يقوم بها الإعلام الحكومي والإدارات المحلية، ولكنه يعتمد أيضا على أدلة وبراهين إقتصادية.
فارتفاع الحالي لسعر البترول الخام في الأسواق العالمية يمكن رئيس الدولة من أن يوزع بالتناوب ميزانية خاصة على المناطق المحتاجة وعلى الحاشية العاملة وأن يوزع "هدايا انتخابية". وعلى كل الأحوال فسوف يعلن بو تفليقة فوزه مساء التاسع والعشرين من سبتمبر/أيلول.
بقلم برنارد شميد
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع قنطرة 2005
برنارد شميد صحفي ألماني مقيم في باريس متخصص بقضايا المهاجرين في فرنسا وبالقضايا الجزائرية.
قنطرة
حرية الصحافة في الجزائر
تزامن إدخال حرية الصحافة مع نظام التعددية الحزبية النسبية في الجزائر بعد انتفاضة الشباب ١٩٨٨. وتسنى الدفاع عن هذه المكاسب في سنين الحرب الأهلية. إلاّ أن هذه المكاسب تبدو الآن مهددة. تقرير برنارد شميد
مكافحة الإرهاب بين المصالح الأوربية وتبادل الاتهامات
طلبت الحكومة الجزائرية مرارا من الاتحاد الأوروبي إدراج مجموعتين إسلاميتين أصوليتين جزائريتين في "لائحة المنظمات الإرهابية". لكن رغم موافقة الاتحاد الأوروبي على ذلك، إلا أنه لم يقم حتى الآن بأية خطوة ملموسة. بيرنهارد شميد عن الخلفيات.