"الحياة الإيروتيكة ... نبض الوجود"
لماذا تستفزين العالم العربي وبالذات بالجسد؟
جمانة حداد: عندما قرأت لأول مرة في حياتي قصيدة، انتابني شعور كأنما خدشني أحد ما بأظافره. وكنت حينها في الثانية عشرة من عمري وكنت أعرف أنَّ هذا هو بالضبط ما أريد تحقيقه لدى الآخرين عندما أكتب. وجسدي هو الكون الذي يتحرَّك فيه تعبيري الشعري. والكتابة تعتبر بالنسبة لي عملية جسدية قوية. وأنا أقول دائمًا إنَّني أكتب بأظافري على بشرتي الخاصة، على جسدي. وأنا أريد أن أكشط السطح. ومن أجل ذلك أستخدم أظافري وجسدي، فهي أدواتي. و الإيروتيك هو نبض الحياة وهو أكثر ما يمنحني الشعور بالحياة وبالنشاط؛ في حين أنَّ الإيروتيك قريب جدًا من تجربة الموت.
هل هناك علاقة بالنسبة لك بين الاقتراب من الإيروتيك والموت وبين حياتك في لبنان، في هذا البلد المتؤثِّر من ناحية بالحرب وبالعنف، والذي يعتبر من ناحية أخرى في غاية الحيوية والنشاط والإبداع؟
حداد: عندما بدأت الحرب الأهلية في لبنان، كان عمري أربعة أعوام، وعندما انتهت كان عمري واحدًا وعشرين عامًا. والعنف ما يزال حاضرًا حتى يومنا هذا. ولا أعرف إن كان من المناسب أن أقول إنَّني ممنونة لجميع الأشياء الفظيعة التي عايشتها وشاهدتها، ولكنَّها جعلتني كما أنا الآن. فأنا لا أستسلم أبدًا. وأحاول مرارًا وتكرارًا فعل شيء جديد، وأحاول التقدّم والحياة بشكل واقعي. ولهذا علاقة بكلِّ الموت الذي شاهدته وعلمت به. وأنا أبحث دائمًا عن تحدّيات جديدة، وهذا يشبه الإدمان.
يكمن آخر تحدّياتك في مجلة "جسد"، المجلة الثقافية المتخصصة في أدب الجسد والإيروتيك، والتي تنشرينها منذ أواخر عام 2008. فكيف نشأت هذه المجلة؟
حداد: كنت دائمًا أكتب حول الجسد والإيروتيك، وكان ذلك يسبِّب لي الكثير من المشكلات. فقلت لنفسي لماذا إذن لا أوسِّع الحدود أكثر وأنشر مجلة ثقافية حول الجسد؟ وقمت بتأسيس دار نشري الخاصة الصغيرة لكي أبقى مستقلة، وطوَّرت هذا المشروع وبحثت عن مساعدين مستقلين للمساهمة في الطبعة الأولى.
كيف تموِّلين هذه المجلة؟
حداد: أنا لا أستطيع مع الأسف دفع أجور عالية، ولكنَّني أدفع للمساعدين المستقلين لقاء مساهماتهم. كما أنَّ مَنْ يكتب دائمًا في هذه المجلة، يفعل ذلك باللغة العربية وباسمه. وأنا بنفسي استثمرت المال في المجلة، والمبيعات تسير بصورة جيدة جدًا. ويبلغ ثمن النسخة الواحدة عشرة دولارات. وبدأت بطبعة من ثلاثة آلاف نسخة، والآن أصبحنا نطبع ستة آلاف نسخة.
كيف يتم توزيع المجلة؟
حداد: في لبنان يستطيع المرء شراءها في كلِّ مكان. وهي مجلدة بغلاف من النايلون مختوم بختم مكتوب عليه عبارة "للراشدين فقط". وفي بقية العالم يتم إرسالها عن طريق البريد إلى المشتركين. وفي أوروبا يستطيع المرء شراءها في مكتبة لبيع الكتب في كلّ من لندن وباريس.
عادة ما تعتبر المجلات الإيروتيكية من اختصاص الرجال. فهل تدافعين عن نهج أنثوي أم نسوي؟
حداد: "جسد" مجلة مختصة بالجسد. وبطبيعة الحال يوجد فيها للإثارة الجنسية حضور قوي. ولكن الأمر لا يتعلَّق فقط بالإيروتيك والإثارة. فهذه المجلة هي مجلة ثقافية تتحدَّث أيضًا وحول الإيروتيك في الفلسفة والدين وفي كلِّ ما يمثِّلهما. وهي ليست مجلة "بلاي بوي". وأنا لست هيو هيفنر (مؤسِّس مجلة بلاي بوي) في العالم العربي - أنا خطيرة أكثر.
إلى أي مدى؟
حداد: لأنَّني امرأة، وامرأة عربية، ولأنَّني لا أنشر مجلة تقدِّم للرجل نموذجًا للاستمناء. ومجلتي تساهم في التفكير في كلِّ المحظورات الموجودة لدينا في يومنا هذا في العالم العربي - والتي لم تكن لدينا قبل ألف عام.
ما الذي كان مختلفًا في تلك الأيَّام؟
حداد: في تراثنا الثقافي الذي يعود للقرنين التاسع والعاشر كانت هناك حرية كبيرة في التعبير وقدر أكبر من الشهوة والإيروتيك والصراحة العارية التي اختفت الآن.
لماذا؟
حداد: هناك أسباب كثيرة جدًا. وأحد هذه الأسباب هو التطرّف الديني. وهناك سبب آخر هو رد الفعل الدفاعي على كلِّ ما ينظر أليه المرء على أنَّه غزو من جانب القيم الغربية. فالعرب يحاولون حماية قيمهم الخاصة. ولكن كلما يحمي المرء ما هو خاص به، يصبح أكثر انطواء على نفسه وأكثر انغلاقًا وأكثر تزمتًا وأكثر إحباطًا. وهذا محزن.
كيف ترد السلطات والمرجعيات الدنية على "جسد"؟
حداد: السلطات والمرجعيات الدينية وكذلك غير الدينية غاضبة من المجلة وتحاول إيقافها. ولحسن الحظّ أنَّ هناك اثنين من كبار الشخصيات في الحكومة - وزير الإعلام ووزير الداخلية، يعتبران مثقفين عاقلين ومنفتحين على العالم. وصحيح أنَّ لديهما القدرة على حظر المجلة، وأنَّه لن يكون بإمكاني الاعتراض على ذلك بأي شيء قطّ. ولكنَّهما صمدا حتى الآن في وجه محاولات الضغط عليهما.
مجلتك تمكِّن النساء والرجال من الحديث حول تجاربهم الجنسية الأولى. أليس من الصعب العثور على أشخاص يجاهرون بذلك ويوقِّعونه بأسمائهم؟
حداد: من الصعب جدًا إقناع الناس بالكتابة بأسمائهم حول هذه الأمور. فقبل شهر تلقيت قصة إيروتيكية جميلة جدًا من امرأة حول زوجين يقومان بتصوير بعضهما في أثناء ممارسة الجنس. ولكن الكاتبة لم تكن تريد نشر هذه القصة، إلاَّ تحت اسم مستعار. وأنا بدوري رفضت ذلك. وثم كتبت لها كلّ بضعة أيَّام رسالة إلكترونية وطلبت منها الإقدام على هذا الخطر، وأن تتشجَّع لهذه القصة الجميلة. وأخيرًا قالت إنَّها موافقة على نشر القصة تحت اسمها. وبالنسبة لي هذا نصر كبير. فأنا أؤمن بالخطوات الصغيرة في تغيير المجتمع.
إذن ما يزال عليك القيام بالكثير من الخطوات... وحاليًا نحن نواجه في الغرب تنامي الجاليات المسلمة التي تعزل نفسها بإيديولوجياتها الدينية التي تميل إلى السير نحو الخلف. فمن أين جاء هذا الاتجاه؟
حداد: انتهيت قبل فترة قصيرة من كتابة كتاب يتناول الكليشيهات المنتشرة في الغرب حول المرأة العربية - المرأة المحبطة والمحجَّبة والمطيعة. وفي الواقع أغلبية النساء العربيات على هذا النحو. ولكن ما يجعلني أشعر بالغضب والحزن هو أنَّه يتم تجاهل أقلية النساء العربيات اللواتي لا يعتبرن كذلك، الجديرات بالملاحظة وبالاعتراف وبالنقاش، وذلك لأنَّهن يجسِّدن الأمل في التغيير.
والمرأة العربية التي تبدو مثل المرأة الغربية لا ينظر إليها في الغرب على أنَّها عربية. ولذلك فإنَّ النموذج التقليدي هو النموذج الوحيد الحاضر في الغرب. وهنا يبدو الوضع مثل حلقة مفرغة. فكلما رأى الأوروبيون المزيد من هؤلاء المهاجرين المتطرِّفين، مالوا أكثر نحو التخوّف من العرب ومعاداتهم. وكلما تعاملوا مع العرب بمزيد من العدوانية، أصبح العرب أكثر راديكالية.
يُغطّي المحافظون المسلمون رؤوس بناتهم الصغيرات بالحجاب، من أجل حمايتهم من الرجال ونظراتهم الشهوانية. فلماذا يعتبر الجسد خطرًا إلى هذا الحدّ؟
حداد: لم يكن الأمر في الماضي على هذا النحو؛ حيث كان العرب يكتبون عن الجنس والإيروتيك والإثارة بأسلوب عفوي وطبيعي ومن دون قيود وخجل. وفي المقابل تسود في يومنا هذا معايير مزدوجة وحالة انفصام في الشخصية. فمن ناحية يتم حثّ الفتيات على التصرف بأدب، ولكن من ناحية أخرى من الممكن تزويج الفتيات في سن الثالثة عشر. وهذا استغلال جنسي للأطفال منظم على أساس مؤسَّساتي وحتى إنَّ القوانين هي التي تبيح زواج الأطفال.
هل يمكن لمجلة مثل "جسد" إنهاء حالة الانفصام هذه؟
حداد: يمكن أن تساهم في ذلك. ولكن في الحقيقة هذه مجرَّد خطوة صغيرة من خطوات كثيرة ما يزال يجب القيام بها. وأنا اخترت موضوع الجسد؛ بينما يقاتل الآخرون في ساحات القتال الأخرى. وإذا دافعنا جميعنا عن قناعاتنا، فمن الممكن لنا تغيير شيء وتحويل العالم إلى مكان أفضل لنا جميعنا.
أجرت الحوار سوزانه شاندا
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2009
جمانة حداد، شاعرة وصحفية لبنانية ومحرِّرة الصفحة الثقافية في جريدة النهار اليومية، تنشر في بيروت أول مجلة إيروتيكية لامعة في العالم العربي، مجلة "جسد" التي تصدر منذ شهر كانون الأوَّل/ ديسمبر 2008 أربع مرات في العام. وحتى الآن كتبت جمانة حداد بنفسها خمسة دواوين شعرية، تمت ترجمتها إلى الكثير من اللغات. وصدرت لها بالألمانية مختارات شعرية بعنوان "Damit ich abreisen kann" (عن دار نشر لسان، بازل)، وترجمة مجموعتها الشعرية "عودة ليليت" (عن دار نشر هانس شيلر، برلين). وهي تتحدَّث سبع لغات وقد ترجمت العديد من الكتب. وفي عام 2006 حصلت على جائزة الصحافة العربية.
قنطرة
"برهان العسل" لسلوى النعيمي:
اعترافات إيروتيكية بريشة نسائية
لم يسبق في تاريخ الأدب العربي أن بيعت حقوق ترجمة كتاب إلى اللغات الأخرى بمثل هذا المقابل المادي العالي كما حدث مع كتاب السورية سلوى النعيمي "برهان العسل". "هذا الكتاب يستلهم نسق كتب الجنس في التراث العربي ولكن في إطار من الحداثة السردية. شتيفان فايدنر في قراءة نقدية لهذا الكتاب.
المسلسل التركي "نور"
رومانسية...أحلام وردية...قنبلة اجتماعية..
من المملكة العربية السعودية حتى المغرب: المسلسل التركي "نور" أضحى حديث الساعة؛ فالملايين من الناس يتابعون حلقات هذا المسلسل ذي الأجواء الرومانسية والإنسانية التي تكاد تكون مفقودة في كثير من البيوت العربية. وعلى الرغم من هذه الشاعرية، إلاّ أن المسلسل "نور" قد أطفأ "النور" على عدد من الزيجات التي انتهت بالطلاق. ألفريد هاكينسبيرغر في استعراض لهذا المسلسل وسر مشاهدته.
تأجيل بث مسلسل "مطب" الفلسطيني:
"مطب" ضحية "مطب" التابوهات الاجتماعية
مسلسل "مطب" هو أول مسلسل يتم إنتاجه في فلسطين وهو يتناول مشكلات الحياة اليومية ويمس موضوعات محرمة داخل المجتمع. تم إنتاج الحلقات العشر الأولى من المسلسل بتمويل من معهد غوته في رام الله وكان من المفترض أن يبدأ عرضه مع بداية شهر رمضان المبارك. ألفريد هاكينزبرغر يستعرض هذا الفيلم والضجة التي أثيرت حوله.