لبنان: لعبة في أيادي الخارج؟
على مدى الأسابيع القليلة الماضية تلاقى سياسيون لبنانيون يمثلون مجموعات شديدة التناقض - مثل حزب الله والقوات المسيحية اللبنانية على طاولة المفاوضات - فيما دعي بطاولة "الحوار الوطني". وكان هدفهم الأول تحقيق إجماع على مستقبل متفق عليه ضمن الصحوة التي فرضها انسحاب القوات السورية من لبنان العام الماضي. ولكن أكثر ما رعاه هذا الحوار كان حقيقة عمق تبعية السياسات اللبنانية وتأثرها بالقوى الخارجية.
إذ ما يزال للنظام السوري، بقيادة بشار الأسد، تأثيره الكبير على المحاور الأساسية التي تتحكم بالدولة اللبنانية، مثل الأجهزة الأمنية وأجهزة الاستخبارات والجيش والنظام القضائي ـ ناهيك عن التحالف مع حزب الله القوي عسكرياً. وعلى الرغم من انسحاب العسكر السوري من الأراضي اللبنانية - منذ سنة كاملة - إلا أن النظام السوري لم يقدر حتى الآن أن يبتلع هذه الحقيقة ومازال في سعيه إلى فرض تبعية ما له عبر البلاد.
ويبدو الموقف السوري معقداً، خصوصاً بما تلقيه التحقيقات التي تجريها الأمم المتحدة من اتهامات تقضي بتورط الدولة السورية في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في 15 شباط 2005. وعلى الرغم من دعوة التحالفات اللبنانية السورية إلى تقوية الأواصر بين البلدين إلا أن حادثة اغتيال الحريري أضعفت من احتمالية تحقيق هذه الرغبة.
مصر والسعودية ترفضان سقوط نظام بشار
جاهد المصريون والسعوديون - في نفس الوقت - في سبيل منع انهيار نظام الأسد. وفي العلن كانوا يدعمون التحقيقات التي تجريها الأمم المتحدة، إلا أنهم شجعوا - لا بل ضغطوا في الخفاء - الحكومة اللبنانية لكي تخفف من هجمتها على الحكومة السورية. وقد قاوم معارضو سورية اللبنانيون هذه المطالب، ولكن الموقف المصري السعودي يفسر ـ ولأسباب متعلقة بمصالحها الخاصة ـ عدم رغبة الأنظمة العربية برؤية انهيار نظائرها ورفقاء دربها من الحكام وأمراء المقاطعات.
وبالفعل يتعارض الموقف المصري السعودي، وبشكل واضح، مع مواقف قوتين عظميين تؤثران في السياسة اللبنانية الحالية - وهما الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا - اللتان تؤيدان وتدعمان تحقيقات الأمم المتحدة بغض النظر عن نتائجها. وعلى الرغم من كل شيء، تتفق الدول الأربعة على ضرورة تحجيم النفوذ السوري في لبنان، وتتفق جميعها ـ نظرياً ـ على نزع سلاح حزب الله ـ الوارد في قرار مجلس الأمن رقم 1559 ـ حتى ولو لم تتفق فيما بينها على طريقة نزع هذا السلاح.
العراق يؤثر على الداخل اللبناني
أما الأمر الإقليمي الآخر الذي يساهم في رسم السياسات المحلية اللبنانية فيتمثل في العنف المتصاعد بين سنّة العراق وشيعته. يبدو سُنة لبنان وشيعته ـ الطائفتان الأقوى على الصعيد المحلي، تبعاً لوزنهما الديموغرافي وتبعاً للدعم الذي تتلقيانه من أماكن وبلدان أخرى في المنطقة ـ أبعد ما يمكن عن العنف المتبادل؛ إلا أن التوتر السياسي كان ظاهراً على السطح في الفترة الأخيرة. إذ كان الحريري قائداً سنياً، وبعد اغتياله وجدت الطائفتان نفسيهما على طرفي نقيض فيما يخص العلاقة مع سورية.
في الداخل اللبناني، تعكس الانقسامات السنية الشيعية الخلافات الإقليمية الأوسع بين الغالبية السنية في البلدان العربية - وخصوصاً في المملكة العربية السعودية التي تدعم سعد الحريري ابن رئيس الوزراء الراحل ـ وبين إيران التي تدعم حزب الله. إذ يخشى السعوديون من انتتشار العنف السني الشيعي العراقي المتبادل عبر البلدان العربية، الأمر الذي يمكن أن يؤذي المملكة التي يتركز معظم شيعتها في المناطق الشرقية الغنية بالبترول. وكان هذا هو السبب الرئيسي الذي دفع السعوديون من أجله سعد الحريري إلى إبقاء قنوات التواصل مفتوحة بينه وبين حزب الله، القوة الشيعية الغالبة.
وبغض النظر عن طومحاتهما الطائفية، تخشى مصر والمملكة العربية السعودية بزوغ القوة النووية الإيرانية، الأمر الذي سيضمن لإيران هيمنة شيعية على المنطقة. وما كان من العداء الأمريكي الإيراني ـ الذي لا يغذيه الموضوع النووي فحسب وإنما يؤججه أيضاً الخلاف حول المسألة العراقية ـ إلا أن يزيد الطين بلة.
فقد وجدت الدول العربية نفسها عالقة في المنتصف؛ الأمر الذي ينطبق على الشعب اللبناني الذي يخشى بأن يدفع ثمن أي هجوم أمريكي أو إسرائيلي على المرافق النووية الإيرانية. فهم يعرفون جيداً بأن حزب الله لن يتهاون في الرد على كلتا الحالتين؛ وسيكون الرد هجوماً مضاداًَ على إسرائيل من أراضي الجنوب اللبناني.
نزع سلاح حزب الله أمر مُستبعد
وفي الداخل اللبناني، فسر حزب الله قرار الأمم المتحدة على أنه مطلب من مطالب الإدارة الأمريكية يهدف إلى إضعاف الحزب، وعلى أنه وسيلة لتدعيم النفوذ الأمريكي في المنطقة. وقد رفض الحزب نزع سلاحه في وجه ما أسماه التهديد الإسرائيلي.
وربما يوحي التقلب المستمر في تعريف التهديد الإسرائيلي بالشكوك الكبيرة في رغبة حزب الله في نزع سلاحه في أي وقت من الأوقات. وقد وافق حزب الله مؤخراً على طرح موضوع سلاحه على طاولة المفاوضات المحلية ـ ربما لعدم رغبة إيران بأن يكون هذا الموضوع مصدراً للشقاق الوطني. ولكن يبدو نزع سلاح حزب الله بشكل حقيقي كامل بعيداً عن التصديق ـ في الوقت الحالي على الأقل. ففي مؤتمر "الحوار اللبناني" – الذي عقد في 28 أبريل 2006 – طالب حزب الله بأن تضع الدولة اللبنانية إستراتيجية دفاعية في مواجهة إسرائيل قبل النظر في نزع سلاحه.
انشغال أمريكا بالعراق مصلحة لحزب الله وسوريا
أخيراً - وأثناء مناورتهم حول مستنقعات الشؤون الإقليمية والعالمية - فإن على اللبنانيين ألا ينسوا السياسات الأمريكية الداخلية. وبغض النظر عما يظنه المرء حول الحرب في العراق، إلا أن الوجود الأمريكي في العراق ساعد اللبنانيين على مقاومة الجهود السورية الرافضة للإنسحاب من لبنان.
وعلى الوجه الآخر، فغالباً ما سيكون الوضع اللبناني في آخر قائمة أولويات الإدارة الأمريكية المنشغلة الآن بالانسحاب كاملاً من العراق، الأمر الذي لن يستفيد منه أحد أكثر من سورية وإيران.
قد تسعد نتيجة كهذه جزءاً من اللبنانيين، ومنهم حزب الله على وجه التحديد. ولكن يبقى غالبية اللبنانيين على أمل بأن يروا بلدهم ناعماً بالسلام، بعيداً عن الانعزال والعسكرة اللتين تعتبران العلامة الفارقة للنظام في إيران وسورية. ولكن للأسف –غالباً - ما سيتطبع لبنان بالظروف المحيطة حوله؛ وقد يعود البلد ليصبح ساحة للصراع الإقليمي المدمر، بغض النظر عما يرغبه أهله اللبنانيون.
مايكل يونغ، محلل لشؤون الشرق الأوسط، يقطن في بيروت.
ترجمة حارثة يوسف.
حقوق الطبع Project Syndicate 2006.
قنطرة
علينا الإلتزام بالحذر في تفسير الواقع
مشاهد غير معهودة في الشرق الأوسط: مظاهرات سلمية في لبنان، إسلاميون وليبراليون يحتجون في مصر ضد نظام مبارك وانتخابات بلدية في السعودية، بلاغات صادرة عن مجموعات المقاومة الفلسطينية بشأن التخلي عن استخدام العنف ومفاوضات الأحزاب في العراق من أجل تشكيل ائتلاف حكومي. هل يمر العالم العربي بمرحلة تحول جذري؟
الحرب الأهلية اللبنانية في ذاكرة الشباب
مبادرة استثنائية تجمع شبابا من طوائف مختلفة في الضاحية الجنوبية من بيروت
بمناسبة الذكرى الثلاثين لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية قامت أمم للتوثيق والأبحاث ببيروت بورشة عمل شبابية، اشترك فيها 25 شابا وشابة تتراوح أعمارهم بين الرابعة عشر والتاسعة عشر لتبادل ذكرياتهم عن الحرب الأهلية وتوثيقها.
هل تدعم اتحادات الصحف العربية الديموقراطية أم السلطة؟
تناولت الباحثة إينس براونة في كتابها الصادر أخيرا الدور الذي يلعبه اتحاد الصحفيين في الأردن ولبنان في دعم المجتمع المدني والدمقرطة.
www