جدل حول ارتداء الجلباب في المدرسة

للمدارس البريطانية حرية القرار في طريقة لباس التلميذات ولكن قد تتغير هذه السياسة بعدما أصدر مجلس اللوردات، وهو أعلى سلطة قضائية في بريطانيا، حكما ضد شابينا بيغوم التي أصرت على لبس الجلباب في المدرسة. تقرير جوليا غروسه من لندن

لا يشعر طاهر العلم، الناطق التربوي باسم المجلس الاسلامي البريطاني بخيبة أمل مريرة للحكم الصادر ضد تلميذة مسلمة، لكنه يرى انه من المؤسف ان تصل المسألة الى هذا الحد. لقد رفضت التلميذة المسلمة شابينا بيغوم من بلدة لوتون الانكليزية في مقاطعة بدفورشاير في أيلول/سبتمبر من عام 2002 التقيد بالزي المدرسي، فما كان من المدرسة إلا أن حرمتها من متابعة دراستها.

منذ ذلك الوقت ولغاية الأشهر الماضية وهي تحارب للحصول على حقها في ارتداء الجلباب الذي يغطي جسمها بأكمله ما عدا الوجه واليدين في المدرسة. لم تحكم المحكمة الابتدائية لمصلحتها ولكنها ربحت القضية في محكمة الاستئناف في شهر آذار/مارس من العام الماضي.

ولكن المدرسة إستأنفت دعواها لدى مجلس اللوردات، وهو أعلى سلطة قضائية في بريطانيا فأصدر حكماً لصالح المدرسة مفاده أنه لا يُسمح للتلميذات مستقبلاً ارتداء الجلباب خلال الدوام المدرسي.

أما بالنسبة لطاهر العلم من المجلس الاسلامي فان هذه الضجة حول القضية أدت الى اهمال شيء مهم، وهو ان "مهمة المدرسة هي التعليم، فهل ستُحرم فتاة مسلمة من التعليم لمجرد أنها ترتدي ثوباً يزيد عن غيره عشرين سنتيمتراً؟". ولكن لا يتهم العلم المدرسة بالفشل اجمالاً أو بالتمييز العنصري المقصود تجاه فئة دينية معينة.

ضد التشدد الديني

وتابع طاهر العلم واصفاً المدرسة والجزء الأكبر من المدارس البريطانية بالانفتاح والتقدم فيما يتعلق باندماج مختلف العقائد الدينية ولباس كل منها في المدرسة. إذ أن مدرسة دينبي الثانوية التي ترتادها نسبة من التلاميذ المسلمين تصل الى 79% تسمح بارتداء الــ "الشلوار شميز" وهو عبارة عن سروال وقميص طويل اضافة الى الحجاب.

وبما أن قميص الــ "الشلوار قميص" بدون أكمام، فإن التلميذات يرتدين تحته قميصاً طويل الأكمام. ويضيف طاهر العلم: "طول قميص الــ (الشلوار قميص) يصل غالباً الى الركبة وتحته السروال، أما الجلباب فيتألف من قطعة قماش واحدة تصل الى الكاحلين وتغطي كامل الجسم ما عدا الوجه واليدين".

ويتابع الناطق التربوي للمجلس الاسلامي: " ولكن من المهم أن نؤكد ان الأمر هنا في الأساس ليس تمييزاً عنصرياً للتلميذة أو لعقيدتها الدينية. أحد أسباب منع التلميذة من ارتداء الجلباب هو، حسب قول المدرسة، ان هذا الزي قد يؤدي الى بعض الارتباك لدى الزميلات المسلمات بلباسهن "الطبيعي" المسموح به، أي القميص الطويل والسروال، تحت شعار، أنتن لا تلبسن الجلباب مثل شابينا بيغوم، إذن أنتن لسنا ملتزمات بما يكفي، تعليل غريب جداً...."

رحبت الصحافة البريطانية المحافظة بالحكم، وكتبت صحيفة الــ "الاندبندنت": "مدارسنا ليست مكاناً للجلباب" ووصفت الحكم بأنه تصريح واضح وصريح ضد "التشدد الديني". وبالفعل لا نستبعد ان تغتنم بعض المدارس فرصة هذا الحكم في (لوتون) لادراج بعض الممنوعات.

قال طاهر العلم إن "المدارس حتى يومنا هذا كانت لها حرية القرار، اذ لم تكن مقيدة بأي نص قانوني. وإنه بالطبع لمخيب للأمل إذا خطت المدارس فجأة على هذا الدرب".

ولكن طاهر العلم لا يخشى عواقب بعيدة المدى على غرار ما جرى في فرنسا واصدار قانون منع الحجاب، "هذا موضوع آخر. لا نستطيع أبداً مقارنة هذين البلدين وقوانينهما وتشكيلة حكومتيهما".

المسلمون مستثنون من الحماية ضد التمييز

لم تكن ردة فعل جميع المنظمات الاسلامية على الحكم في قضية شابينا بيغوم دبلوماسية على هذا النحو. إذ رصدت لجنة حقوق الانسان البريطانية في قضية مشابهة تمييزاً في التعامل الرسمي مع فئات الأديان المختلفة. فنرى مثلاً ان أتباع الديانة السيخية أو اليهودية في بريطانيا محصنون قانونياً ضد أي نوع من التمييز العنصري الديني.

تقول بينا فريدي من لجنة حقوق الانسان الاسلامية إن "المسلمين وهويتهم الدينية مستثنون من الحماية القانونية ضد التمييز العنصري. فهم يتعرضون دوماً للاهانات في حقل التعليم المهني والمدرسة أو في العمل". وتعمل بعض المنظمات مثل لجنة حقوق الانسان أو المجلس الاسلامي منذ فترة طويلة على تحسين القوانين. ويشعر عدد غير قليل من المسلمين البريطانيين بأنهم عرضة للهجوم أكثر مما كانوا عليه قبل اعتداءات تموز/يوليو الماضي.

وتضيف بينا فريدا إننا "نأمل فعلاً ألا يصبح الجلباب مستقبلاً رمزاً مجرداً لاثارة النعرات تتعرض بسببه النساء المسلمات اللواتي يرتدينه فجأة الى مضايقات أكثر من ذي قبل. صحيح أن السيدة بيغوم قد شجعت بطريقة أو بأخرى نساء أخريات من خلال صوتها، ولكن النتيجة قد لا تظهرعلى الأرجح مباشرة".

احدى النتائج النظرية التي قد تحدث ان تبدأ النساء على وجه الخصوص بالتهافت على زيارة المدارس الاسلامية. عملياً هذا ليس سهلاً، اذ أنه لا يوجد في جميع أنحاء انكلتره سوى عشر مدارس حكومية اسلامية، وهذا لا يكفي التلاميذ في عمر التعليم الالزامي الذي يتراوح بين 5 و 16 سنة والذين يبلغ عددهم حوالي الأربعمائة ألف.

وتتابع فريدي من لجنة حقوق الانسان الاسلامية: "انها بمثابة حلقة فارغة، لانه من جهة تريد الدولة تشجيع الاندماج والتنوع في مدارسها الرسمية، ومن جهة أخرى يتم حرمان فتاة من التعليم بسبب لباسها".

ولكن يبقى السؤال كم فتاة بريطانية مسلمة ترتدي الحجاب الكامل؟ "حالياً توجد قضية مشابهة في لندن، اذ منعت مدرسة مهنية تلميذتين في صفوف التمريض من القيام بالتدريب الوظيفي بحجابهن الكامل، مثل ذاك الذي كانت تلبسه شابينا بيغوم، والذي يغطي جميع اجزاء الجسم ما عدا الوجه واليدين." تقول ياسمين، التلميذة البريطانية المسلمة من لندن.

الحجاب مع الثياب الحديثة

وتضيف ياسمين: "في النهاية تلائم الفتيات المسلمات غالباً حجابهن الكامل مع ثياب على الطراز الحديث". واذا نظرنا الىالفتيات اليافعات في سن السابعة عشر فنجد ان لون حجابهن يتناسب جيداً مع حذائهن الرياضي من ماركة "نايك"، كما يرتدين البلوزة بدون الأكمام ذات الحمالات الرفيعة، كسائر بنات جيلهن، مع سروال الجينز الضيق ماركة "ميس سكستي".

وقد قام بعض صانعي اللباس المدرسي الرسمي البريطانيين بالاعلان أن شركة "برايس وبوكلاند" تريد مستقبلاً حياكة الجلباب على شكل لباس مدرسي في جميع الالوان وبذلك تعمل على تشجيع اندماج مختلف الأديان في الالتزامات المدرسية التقليدية البريطانية.

مازالت هذه حتى الآن مجرد أفكار تستهزئ بها الصحف البريطانية المحافظة وتعتبرها حملة دعائية لا غير. ولكن بعض الشركات الكبرى مثل "اكيا" صممت لموظفاتهن جلباباً خاصاً للعمل بطول الكتف يتناسب مع الشلوار شميز ويتماشى مع ألوان شعار الشركة، أزرق غامق وخلفه شعار الشركة باللون الأصفر.

تدرس شابينا بيغوم اليوم في الكلية وهي لا تزال ترتدي الجلباب، اذ ان الادارة هناك ليس لديها اية مشكلة مع هذا الزي.

بقلم جوليا غروسه
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

داوود عبد الله نائب الأمين العام للمجلس الإسلامي البريطاني
تعهد المجلس الإسلامي البريطاني بعد هجمات السابع من تموز/يوليو في لندن بمعالجة مشكلة التطرف وبالعمل بشكل حثيث مع الحكومة البريطانية. داوود عبد الله، نائب الأمين العام للمجلس الإسلامي البريطاني يتحدث عن الخطوات التي يقوم بها المجلس لاحتواء الاتجاهات الإسلامية المتطرفة في بريطانيا.

الجدل حول الحجاب
مناقشات حامية تدور حول اللباس الإسلامي للمرأة، ليس في المانيا فقط بل في أوربا والعالم الإسلامي أيضا. نقدم في الملف التالي خلفيات ومواقف مختلفة وأمثلة من دول شتى