المرأة والرجل من نفس واحدة
في عدة مؤتمرات حول النساء أو للنساء، كانت التوصيات التي يُؤكّد عليها من أجل تشجيع وتعزيز المساواة بين الجنسين وحقوق النساء تتطرّق دائماً إلى الدين وخاصة الإسلام كمصدر للتمييز والقمع المُمارَس ضد النساء، وكأنّ الإسلام كدين يقف عائقاً ضد حقوق النساء.
والآن، إذا عرّفنا الإسلام على أنه مجموعة المواقف والسلوكيات التي تتخذها أغلبية المسلمين في المجتمعات الإسلامية (التي هي مجتمعات باتريركية/أبوية مثل أغلب المجتمعات في شتى أنحاء العالم)، عندها فمن الصواب القول إن في الدين الإسلامي تمييزاً ضد النساء، وإن الإسلام يعوق حرياتهن وحقوقهن. ولكن هذه النظرة بعيدة عن الصواب إذا فهمنا الإسلام على أنه مجموعة التعاليم الأخلاقية والطقوس التي أُوْحِيَ بها وأُنْزِلَتْ لتجلب الخير والبركة إلى كل البشرية جمعاء، بما في ذلك النساء.
ولهذا فإنما القضية هي الإسلام من جهة والمسلمين من جهة أخرى. وهاتان ظاهرتان غير متطابقتان. بل يمكن القول إن هنالك فجوة كبيرة بينهما لو نُظِرَ إلى هاتين الظاهرتين من الجانب المتعلق بالجنسين. لذلك فمن المهم أن نملأ هذه الفجوة بتوعية وتثقيف الناس بصورة عامة والمسلمين بصورة خاصة حول المساواة بين النساء والرجال والحقوق التي ضمنها الإسلام للنساء.
ينص القرآن على المساواة
هناك على الأقل ثلاثون آية في القرآن تدعم المساواة بين النساء والرجال وتشير إلى حقوق النساء في مختلف نواحي الحياة. وكثير من هذه الآيات التي تدعم المرأة تُسْنَدُ بأحاديث نبوية، وهذا يشير إلى أن تعاليم النبي محمد وسُنَنَهُ لا تضع المرأة في مكانة دونيّة أبداً، بل على العكس تدعم وتعزز مكانة النساء في المجتمع.
من بين هذا التعاليم، وسنذكر فقط بعض الأمثلة- أولاً-خلق الإنسان: فعلى عكس العقيدة المسيحية التي تنصُّ على أن النساء خُلِقْنَ من ضلع الرجل أو أن الرجل خُلِق أولاً (وهذا يتضمن أن النساء أقل شأناً وقيمةً من الرجال)، يخبرنا القرآن أن النساء والرجال خُلِقُوا من مصدر واحد ( نفس واحدة). ولا توجد آية واحدة في القرآن تشير إلى تفوق جنس على جنس آخر.
ثانياً: لا يوجد أي فرق بين إثم اقترفه رجل وآخر إقترفته إمرأة. هناك عدد كبير من الآيات القرآنية تضمن عقاباً وثواباً متساوياً للجنسين مجازاة لأعمال الخير والشر التي يقومون بها.
ثالثاً: للرجال والنساء حقوق وواجبات متساوية في طلب العلم. القرآن يَحُثُّ بوضوح الرجل والمرأة على طلب العلم. والحديث النبوي واضح جداً بهذا الشأن.
رابعاً: للرجال والنساء حقوق وواجبات متساوية في الانخراط في النشاطات العامة. إنّ الرجال والنساء بإعتبارهم وكلاء لله، ملزمون بالعمل والنضال من أجل حياة فاضلة مستقيمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
المجتمعات الإسلامية لا تساوي بين الجنسين
والآن، إذا كان الإسلام قد أكّد على مساواة الرجال والنساء وضَمنَ للنساء مجموعة من الحقوق في كل نواحي الحياة، لماذا ،إذن، ما تزال مكانة المرأة منحطة متدنية في المجتمعات المسلمة؟ إذا كان الإسلام يأمر المرأة والرجل على السواء أن يمارسا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لماذا تعاني النساء من العزل الجنسي/ الإجتماعي حيث يُرْهَقْنَ بالمسؤوليات المنزلية بينما يُهَيْمِنُ الرجال على الحياة العامة؟ لماذا كانت العدالة الإجتماعية سهلة المنال للرجال أكثر منها للنساء؟
هناك بضعة أسباب للهوة الموجودة بين التعاليم الإسلامية وتجلّياتها وممارستها بين المسلمين.
أولاً: الرسائل التحرّرية والليبرالية في القرآن لا يمكن فهمها بسهولة، ناهيك عن إستيعابها وتطبيقها، وخاصة حين يقرأ المرء القرآن بعقلية مُتَحَيِّزَة هي نتاج هيمنة الإيديولوجية الباتريركية/الأبوية التي تسود في ثقافتنا. إن تحقيق أنثروبولوجي لآية قرآنية تتعلق بالجنسانية الزوجية ( القرآن، سورة البقرة، 187) يرينا أن المساواة بين الجنسين والمساواة الجنسانية التي تطرحها الآية وتؤكّدها، نادراً ما تؤخَذ بعين الإعتبار من قبل أغلبية المسلمين، رجالاً ونساءً، لأنهم اعتادوا على علاقات طَبَقية بين الجنسين.
ثانياً: المرشدون الدينيون والوُعّاظ ومن خلال منابر الإرشاد الديني ومجالس العلم، والأوساط الإلكترونية والمطبوعة نادراً ما يحثّون على حقوق المرأة. وتُركّز المواضيع الرئيسية لهذا التعليم والإرشاد الديني الذي يقوم به معلمون رجالاً ونساءً (أستاذات وأساتذة) على علوية وسمو وتفوق الله، وتفوق الرجال على النساء، وهكذا يديمون ويُبْقُون على المنزلة المنحطة للنساء.
ثالثاً: معظم النساء اللواتي يلعَبْنَ دوراً هاماً في الحياة العامة في المجتمعات الإسلامية لا يحاوِلْنَ نشر الوعي عن الوضع الصعب الذي تعيشه النساء. بل إنّ بعضهنّ يدافعْنَ عن دور النساء الخاضع الثانوي لأزواجهنّ (بغض النظر عَمّنْ يكون أزواجهنّ)، ويَعْتَقِدْنَ إن ذلك آية المرأة المسلمة التقية.
المعنى القرآني للمساواة بين الجنسين
لقد آن الأوان للمسلمين كي يتأملوا في هذه الحقائق. هل راعينا العدالة وهل عدلنا مع النساء؟ هل أعطينا النساء الحقوق التي لهنّ والتي ضمنها القرآن؟ يبدو أنه من المحتوم أن الحس القرآني للمساواة الجنسانية والمساواة بين الجنسين لا يُراعى ولا يُبالى به في المجتمعات المسلمة الباتريركية/ الأبوية. إن تصحيح ذلك يكمن في النجاح في تعليم المسلمين والمسلمات وتوضيح المعنى الحقيقي للقرآن ورسالته في تحرير النساء والمجموعات المضطهدة.
يجب أن تُشجع المحاولات التي تدعو إلى الإعتراف بـ وضمان حقوق النساء والمساواة الجنسية في الإسلام من أجل بناء مجتمعات مسلمة تَعُمّ فيها العدالة والإنصاف وفقاً للحكمة القرآنية. إن مواجهة هذا التحدي تقع على عاتق الرجال لأنهم همْ من يملك السلطة لإعادة التأويل وتأسيس وتحقيق التحرر.
ليلي زكية منير
ترجمة كامل الزيادي
مقالات أخرى بقلم ليلي زكية منير:
الشريعة والعدالة
التسامح في المدارس الداخلية الإسلامية