أفلام مثيرة للجدل والخلافات
"خارجون عن القانون" (Hors la loi) هو عنوان فيلم للمخرج الفرنسي ذي الأصل الجزائري، رشيد بوشارب. وضمن المسابقة الرسمية في مهرجان كان السينمائي سيتم عرض هذا الفيلم الذي أثار ردود فعل شديدة بين السياسيين الفرنسيين المحافظين وفي الأوساط اليمينية. وذلك لأنَّ بوشارب تناول في فيلمه هذا المجزرة التي وقعت في الثامن من أيَّار/مايو 1945 في ولاية سطيف الجزائرية إبَّان الاحتلال الفرنسي. ومن ثم وجد نفسه أمام العديد من الحملات والهجمات الكلامية؛ وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ فيلمه هذا يعتبر مثلما يرد في أوساط النقَّاد فيلمًا غير محايد وكذلك "معادٍ لفرنسا".
وهناك فيلم آخر يحمل عنوان "رجال وآلهة" (Des hommes et des dieux) من إخراج المخرج الفرنسي، كسافيي بوفوا Xavier Beauvois. وهذا الفيلم يروي قصة اختطاف الرهبان الفرنسيين السبعة من دير تبحرين جنوب العاصمة الجزائر وقتلهم في ربيع العام 1996. وفي ذلك الوقت تبنَّت "الجماعة الإسلامية المسلحة" (GIA) عملية قتل الرهبان. ولكن في العام الماضي نسب جنرال فرنسي متقاعد مقتل الرهبان الفرنسيين إلى الجيش الجزائري، الأمر الذي أضر بصورة خاصة بالعلاقات الفرنسية الجزائرية نتيجة التصريحات الرسمية التي أعقبتها حملة صحفية. وما من شكّ - طبقًا لبعض المصادر الفرنسية - في أنَّ الجماعة الإسلامية المسلحة تعدّ إمَّا من صنع المخابرات الجزائرية أو أنَّ هذه المخابرات كانت تستخدمها.
فيلم "كارلوس"
وكذلك ثمة فيلم آخر يركِّز على الجزائر ويشارك في مهرجان كان السينمائي. وهذا الفيلم من إنتاج فرنسي ألماني مشترك ومن إخراج المخرج الفرنسي أوليفييه أساياس، ويحمل عنوان "كارلوس"؛ كما أنَّه يعرض قصة حياة "الإرهابي" الشهير، إليتش راميريز سانشيز المعروف باسم كارلوس، والذي جعل العالم يتحدَّث حوله في فترة السبعينيات. ويتناول فيلم كارلوس أغرب عمليات احتجاز الرهائن وأكثرها مدعاة للدهشة في تاريخ الإرهاب المعاصر، أي عملية احتجاز وزراء النفط الأحد عشر في منظمة أوبك في أثناء اجتماعهم في فيينا في شهر كانون الأول/ديسمبر من عام 1975.
وفي هذه العملية تم اختطاف الوزراء ونقلهم على متن طائرة إلى الجزائر، بعد أن رفض الكثير من الدول السماح للطائرة بالهبوط فوق ترابها. وفي إحدى لقطات الفيلم يظهر النقاش الذي دار بين كارلوس وبين زير خارجية الجزائر في تلك الفترة ورئيسها الحالي، عبد العزيز بوتفليقة الذي تم تكليفه حينها بإجراء المفاوضات للإفراج عن الرهائن. وهنا يشاهد عبد العزيز بوتفليقة وهو يعطي كارلوس حقيبة مليئة بالنقود. وتتهم الجزائر المخرج أوليفييه أساياس بتحريف الحقائق. وهذا الفيلم الوثائقي الذي تم بيعه حتى الآن في سبعة عشر بلدًا، سوف يثير بكلِّ تأكيد غضب الحكومة الجزائرية، لاسيما وأنَّه لم يطلب من هذه الحكومة قطّ عرض وجهة نظرها. والآن أصبحت الجزائر محور الجدال السياسي، بعد أن صار يدور الحديث حول فيلم "خارجون عن القانون" لرشيد بوشارب حتى في داخل قصر الإليزيه. وحتى إنَّ الرئيس ساركوزي طلب مشاهدة هذا الفيلم قبل أن يتم عرضه في مهرجان كان.
إثارة خلافات سياسية
وما من شكّ في أنَّ هذه الأفلام سوف تثير خلافات على جانبي البحر الأبيض المتوسِّط، إذا نظرنا إلى العلاقات المتوتِّرة بين الجزائر وباريس. ولكن هذا لا يكفي، إذ إنَّ المؤرِّخين يأسفون على رفض فرنسا إلقاء نظرة ناقدة على ماضيها الاستعماري. ومثلما صرَّح المؤرِّخ بنيامين ستورا لوكالة إعلام فرنسية فإنَّ "رفض فرنسا اتِّخاذ موقف من الحرب الجزائرية يعتبر لدى جزء كبير من أفراد المجتمع الفرنسي أمرًا سلبيًا".
وفي هذه المناسبة أدان كذلك المؤرِّخ ستورا الحملة المناوئة لفيلم رشيد بوشارب والتي تم بدؤها قبل عرض الفيلم في مهرجان كان السينمائي. وبعد ستين عامًا على استقلال الجزائر يرى أنَّ "هذه الحرب بعيدة جدًا عن الانتهاء في عقول الناس وقلوبهم، وذلك لأنَّها ما تزال حاضرة في الذاكرة الجماعية ولأنَّه لم تتم معالجتها".
وفي الوقت نفسه ينتقد ستورا حقيقة أنَّ "بعض الأحداث مثل مجزرة سطيف وقالمة وخراطة التي وقعت في عام 1945 لا يتم عرضها في السينما الفرنسية ولا يتم حتى التلميح لها - وهذا يعد في الحقيقة ثقبًا أسود". وكذلك يذكِّر المؤرِّخ ستورا بأن فقدان الجزائر سوف يبقى يشكِّل "دائمًا جرحًا في تاريخ الروح الوطنية الفرنسية"، وأنَّ "الفرنسيين يرفضون الحداد على فقدانهم الجزائر". وبحسب رأيه لا يكاد يتم أيضًا عرض استقلال الجزائر عن فرنسا في دور السينما باعتباره نتيجة لحرب التحرير الجزائرية - تمامًا مثلما هي الحال مع نهاية هذه الحرب ضدّ المستعمرين الفرنسيين.
"حملة هستيرية معادية"
وفي مقال مشترك وقَّعه مع سبعة مؤرِّخين آخرين ونشرته مؤخرًا صحيفة لوموند الفرنسية، تحدَّث المؤرِّخ ستورا عن وجود "حملة هستيرية" موجَّهة ضد فيلم "خارجون عن القانون". وهذه الحملة التي يقودها السياسيون اليمينيون ضدّ الفيلم تكشف عن أسرار مجتمع يرفض - مثلما يؤكِّد هذا المؤرخ الفرنسي - التفكير في الماضي. وحتى يومنا هذا لا يوجد سوى عدد قليل فقط من الكتب أو الأفلام الفرنسية التي تتناول موضوع الحرب الجزائرية؛ هذه الحرب التي استمرَّت على أي حال ثمانية أعوام وسقط ضحيتها مئات الآلاف من القتلى.
وقد مكنت القوانين الفرنسية المجرمين الذين اقترفوا جرائم ضدَّ الإنسانية من الحصول على عفو عن جرائمهم، على الرغم من أنَّ فرنسا تعلن حتى يومنا هذا بغرور وغطرسة عن أنَّها تعتبر وطن حقوق الإنسان. ولكن بصرف النظر عن ماضي الحرب الجزائرية الدموي فإنَّ تاريخ الاحتلال وتدمير قيم الشعب الجزائري ما يزالا محفورين عميقًا في ذاكرة الجزائريين.
وهنا لا يطالب شعب هذا البلد المغاربي بأي مطالب خاصة؛ فالجزائر لم تطالب بأي تعويضات مالية عن الأضرار التي أصابتها في الحرب، وكذلك لم تطلب من فرنسا الاعتذار رسميًا عن الجرائم التي اقترفتها في البلاد. وفي المقابل أصرَّت الجمعية الوطنية الفرنسية في عام 2005 على حقِّها في إصدار قانون يشيد بجوانب الاستعمار "الإيجابية". ومنذ ذلك الحين ازدادت حدة الجدل في الجزائر. وبدوره ينتقد الشعب الجزائري حكومة بلاده بكلِّ صراحة لأنَّها لا تبدي سوى القليل من الاهتمام والشجاعة في التعامل مع فرنسا ولأنَّها تتعامل بكثير من التردّد والمماطلة.
حميد سكيف
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: قنطرة 2010
مراجعة: هشام العدم
قنطرة
العلاقات الفرنسية الجزائرية:
ظلال إرث الاستعمار لا تزال حاضرة حاضرة
أدَّى مؤخرًا طرح مشروع قانون جزائي في البرلمان الجزائري، من المفترض من خلاله ملاحقة جرائم الحرب التي اقترفها الاستعمار الفرنسي في السابق ومعاقبة مرتكبيها، إلى إثارة توتّرات جديدة في العلاقات الفرنسية الجزائرية التي تعتبر على كلِّ حال متوتِّر. برنهارد شميد يستعرض تطوّر العلاقات بين البلدين في ظل تاريخ مُثقل بالتوترات.
الجنود الأفارقة في أوروبا:
الآلاف من الأفارقة اشتركوا في تحرير فرنسا
شترك العديد من رؤساء دول إفريقية في احتفالات الذكرى الستين لتحرير فرنسا من الاحتلال الألماني وكانت هذه المرة الأولى التي يحظي فيها قدماء المحاربين الأفارقة الذين حاربوا في صفوف الجيش الفرنسي باهتمام واسع لدى الرأي العام الفرنسي. تقرير غوتز نوردبروخ.
حوار مع الروائي الجزائري ياسمينة خضرا:
"أكتب بالفرنسية ولكن برؤيتي الجزائرية"
ياسمينة خضرا هو الاسم المستعار للأديب الجزائري محمد مولسهول الذي عمل سابقا ضابطاً في الجيش الجزائري، حيث تشكل رواياته قراءات في الحالة العربية والإنسانية. في هذا الحوار الذي أجراه معه ريتشارد ماركوس يتحدث الكاتب الذي يعيش في المنفى الفرنسي عن عمله وعن الفوارق بين الثقافة العربية والغربية.