رجوع السياح إلى بالي
تفاقمت نتائج الاعتداء على البنية الاقتصادية والاجتماعية لجزيرة بالي. إذ أدت التغييرات الاقتصادية إلى تراجعات بعيدة المدى في حجم التداولات، وقبل كل شيء في مجال السياحة. وتحتّم خاصة على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والفنادق وكذلك على العاميلن في القطاع غير الحكومي والتجّار المرتبطين ارتباطًا مباشرًا بالسياحة، أن يكافحوا من أجل بقائهم الاقتصادي.
بيد أننا نلاحظ أن النظام الاجتماعي في جزيرة بالي تغلب على الانهيارات الاقتصادية من دون وقوع أعمال شغب في المجتمع تذكر. ولعبت أنظمة الضمان العائلية والقروية وكذلك التديّن الراسخ لدى أهالي بالي دورًا مهمًا في التغلب سلميًّا على الكارثة.
وبعد الاعتداء اهتمت الكثير من منظمات الإغاثة باحتياجات المنكوبين. بيد أن القسم الأكبر من المساعدات التي أعلنت عنها الحكومة ذهب مع الريح. وتكمن أسباب ذلك في التنظيم غير الكافي والضعف القيادي وعدم وجود خطط وكذلك في صعوبات التنسيق والاتصالات.
رجوع أفواج السياح
وقد حدد وزير الدولة لشؤون الثقافة والسياحة أي غدي أرديكا في الفصل الأول من عام ٢٠٠٤ نموًا وصلت نسبته إلى ١٨٪. وهو متفائل بأن مجمل عدد السيّاح الذين كان من المتوقع قدومهم في مطلع سنة ٢٠٠٤ إلى أندونيسيا يمكن أن يزيد في سنة ٢٠٠٤ عن ٤.٤ مليون سائحًا.
ويبدو أن ذكرى اعتداءات بالي تراجعت في أذهان الزوّار بفعل أخبار الإرهاب والكوارث في مناطق أخرى، وأنه لم يعد هناك تقريبًا ما يؤثر على الزوار في اتخاذ قرار قضاء عطلتهم في بالي.
ولكن الأوضاع الأمنية في أندونيسيا لم تتحسن بصورة جديّة، مثلما أظهر الاعتداء على فندق ماريوت بجاكارتا في آب/أغسطس ٢٠٠٣، والاعتداء على السفارة الأسترالية في سبتمبر/أيلول من هذا العام . ولا تزال المصالح الغربية مستهدفة من قبل الإرهابيين الأندونيسيين. ولن يتغيّر أي شيء على المدى القريب، طالما لم يتخذ الساسة إجراءات صارمة وحازمة ضد الإرهاب الإسلامي وأسبابه، أي الظلم الاجتماعي والاقتصادي، والذي يعتبر بشكل عام تربة خصبة للإرهاب.
كيف سيكون المستقبل؟
وما يزيد في صعوبة محاربة الإرهاب في أندونيسيا هو التأثير السلبي للفساد الذي يشمل كل ميادين المجتمع. ولم تستطع الحكومة الضعيفة بقيادة رئيسة الدولة ميغاواتي أن تضمن الاستقرار الاجتماعي والسلام الديني في البلاد. ويبقى أن ننتظر حصول تغييرات إيجابية في الأوضاع العامة بقيادة الرئيس الجديد الجنرال يودهيونو.
ولا يمكن تخمين مستقبل السياحة في أندونيسيا في زمن شبكات الإرهاب العاملة دوليًا وانعدام الأمن السياسي والاقتصادي إلاّ بصعوبة. من المستبعد أن يكون هناك تعافٍ في عدد السياح يقارن مع النمو الحالي الايجابي في حال حصول اعتداء آخر بحجم اعتداء الثاني عشر من تشرين الأول/أكتوبر 2002. فمن هنا يتوجّب الاستعداد لاعتداءات مستقبلية من خلال إجراءات وقائية وخطط للتصدي للأزمات.
إعجاب السياح
وهذا لا يغيّر شيئًا في حقيقة أن بالي لا تزال تعتبر حتى الآن وجهة سفر جذّابة جدًا. قال في استفتاء عام تمثيلي أجري في جزيرة بالي ٩٧٪ ممن تم استفتاؤهم من السياح إن في نيتهم العودة إلى بالي من أجل قضاء عطلتهم التالية.
وكانت تنيجة هذا الاستفتاء مفاجئة: إذ كانت التلوّثات البيئية التي تشوّه صورة الجزيرة لدى السيّاح أكثر وطأة في ضررهها على السياحة هناك من أحداث الإرهاب السابقة.
ولا نستطيع إلاّ أن نعقد الآمال على أن تظل آلهة بالي عطوفة على جزيرتها أيضًا، فعلى الرغم من كل ما لا يمكن تكهنه والعيوب تبقى بالي مكانًا ساحرًا. فمَنْ استمع مرة لآلات الغاميلان الموسيقية، فيما ينعكس ضوء القمر على حقول الأرز المظلمة، لن يستطيع إلاّ العودة إلى بالي.
بقلم ألكسندر كيسبر، قنطرة 2004 ©
ترجمة رائد الباش