أوربا مستعدة للقيام بدورها
دخل انسحاب إسرائيل من قطاع غزة ومن بعض أجزاء شمال الضفة الغربية في مرحلته الأخيرة. وهذا يشكل حدثا بالغ الأهمية لكل من الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي. وكان الأمل قد اندثر لمدة طويلة بشأن خلق دولة خاصة بالفلسطينيين.
أما الآن فالفرصة سانحة لكلا طرفي النزاع ببذل الجهود في هذا المضمار. هناك مصلحة واضحة للفلسطينيين والإسرائيليين بل للعالم أجمع بأن يتحقق الانسحاب على وجه ناجح، لا سيما أن انتخابات هامة ستجري في الجانبين في غضون العام المقبل.
لهذا تطلب الأمر مسؤولية في التصرف وصلابة في القيادة لدى كل الأطراف المعنية بما في ذلك المجموعة الدولية أيضا. عملية الانسحاب هذه هي بمثابة تحد ضخم إلا أنها تتيح في نفس الوقت فرصا عظيمة. فمن خلال نجاحها يكون بالإمكان إعادة إحياء عملية السلام التي تعاني منذ فترة طويلة من وطأة الجمود، مما يعيد الأطراف المعنية إلى مائدة المفاوضات ويعمل على تطبيق ما يسمى بخريطة الطريق.
الحكومة الإسرائيلية تستحق الدعم
أصبح الوضع الآن في مفترق الطريق فيما يخص التطور السياسي المقبل وأمن المنطقة وازدهارها سواء اقتصاديا أو اجتماعيا. والعزم الذي أبداه رئيس الوزراء أرييل شارون في إرادته بمتابعة الانسحاب من قطاع غزة رغم المعارضة الجسيمة التي لقيها حتى داخل صفوف حزبه (الليكود) جدير بالتقدير.
وقد جسمت صورة القوات المسلحة الإسرائيلية وهي تبعد إسرائيليين عن مستوطناتهم باستخدام القوة في بعض الحالات بوضوح درامية الوضع كما أنها تشدد على استحقاق الحكومة الإسرائيلية الكبير للدعم إزاء هذه المهمة الدقيقة الصعبة.
هذا الانسحاب يتيح للفلسطينيين الفرصة في إقناع المتشككين بهم داخل إسرائيل وخارجها بقدرتهم على ترتيب شؤونهم الخاصة على نحو مسؤول. فإذا فلحوا في التعامل مع هذا الوضع بنجاح فإن ذلك من شأنه أن يخلق لديهم أحاسيس الأمل والثقة بالنفس التي هم في أمس الحاجة إليها من أجل تكريس قناعة لديهم أنفسهم بكون الطريق سيؤدي بهم إلى تحقيق السيادة الوطنية الكاملة في المناطق المحتلة.
ضرورة سيادة القانون والنظام
للعناصر الأمنية أهمية قصوى بالنسبة لنجاح الانسحاب. فبطبيعة الحال فإن المقياس الأول بالنسبة لإسرائيل هو ألا تصبح غزة منطقة عدوة يسدد منها إرهابيون هجمات على المناطق الإسرائيلية المجاورة.
لهذا تطلب الأمر اتخاذ السلطات الفلسطينية لقرارات حادة تهدف إلى تكريس القانون والنظام هناك على وجه أفضل. فالسيادة الوطنية تعني بناء على تأكيد الرئيس الفلسطيني محمود عباس احترام سيادة القانون. لهذا توجب على السلطة الفلسطينية طالما كان هدفها تفادي تهديد عملية الانسحاب واستئناف المفاوضات السياسية أن تقف بحزم ضد الأفراد والجماعات التي ما زالت تتعاطى مع العنف الإرهابي.
إن من الأهمية بمكان أن نتطرق إلى العوامل الاقتصادية بما في ذلك في سياق الانسحاب. فينبغي أن يكون لدى جميع الأطراف المعنية اهتمام بتحسين الأوضاع الاقتصادية لسكان يعيشون في إحدى أفقر مناطق الشرق الأوسط وأكثرها كثافة سكانية وأسوؤها من حيث توفير المواد الغذائية وغيرها من السلع.
ويوجد أمر واضح للغاية في هذا الصدد وهو أن فشل عملية الانسحاب أمر لا يستطيع أي طرف من الأطراف المعنية أن يتحمل عواقبه. وهذا ما سأشدد عليه في الجولة التي سأقوم بها نهاية هذا الشهر إلى المنطقة.
مبادارات الاتحاد الأوربي
كما أنني سأؤكد أيضا بأن الاتحاد الأوروبي على استعداد لبذل العون قدر استطاعته وطالما تمشى ذلك مع رغبة طرفي النزاع. وكان قد سبق للاتحاد الأوروبي أن التزم بعملية السلام في نطاق واسع كما أنه ساند الطرفين في سياق الانسحاب. وسوف يتابع الاتحاد هذا الطريق في غضون الأسابيع والشهور المقبلة أيضا.
الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء هم منذ فترة طويلة من أكبر المانحين الماليين للفلسطينيين. إذ يتم منح مبلغ 500 مليون يورو سنويا لسد الاحتياجات الماسة ولتغطية المعونة متوسطة الأجل الخاصة بإنشاء المؤسسات.
كما قدمت المفوضية الأوروبية 60 مليون يورو لأغراض عملية الانسحاب وحدها. بالإضافة إلى ذلك فإن الاتحاد الأوروبي يدعم الجهود المبذولة من جيم فولفينسون، المفوض الخاص لمجموعة الشرق الأوسط الرباعية، الرامية إلى تنسيق مساعدات المانحين من أوروبا ومن غيرها من المناطق لتفعيل النتائج على نحو أفضل.
وبناء على رغبة الأطراف المشاركة فإن الاتحاد الأوروبي على استعداد لتبوء دور الطرف الثالث (غير المشارك) في مجال المعاملات الجمركية ومراقبة الحدود. وهذا من شأنه أن يساهم في تسهيل انتقال الأشخاص والسلع الحر بين غزة وبقية أنحاء العالم مع مراعاة المتطلبات الأمنية لإسرائيل.
هذا وقد بدأ الاتحاد الأوروبي في مساعدة الفلسطينيين على تثبيت دعائم منظماتها الأمنية المختلفة من خلال وضع آليات واضحة للمراقبة السياسية. كما أن الاتحاد الأوروبي (ودوله الأعضاء) يساهم من خلال التدريب والتجهيز والمساعدات المالية في توسيع حجم القدرات المهنية لقوى الشرطة وتغيير هياكلها التنظيمية.
ضرورة تكثيف الجهود
ويوجد من الآن في كل من رام الله ومدينة غزة فريق صغير من خبراء الاتحاد الأوروبي. كما أن الاتحاد الأوروبي على استعداد لمتابعة التزامه في القطاع الأمني هناك شرط التقيد بمقاييس معينة كحسن الأداء وفرض المحاسبة.
كل هذه الخطوات تشكل برهانا ملموسا على كون الاتحاد الأوروبي لا يكتفي بمجرد تقديم الوعود في إطار رغبته في أن يتكلل فصل غزة عن إسرائيل بالنجاح. بل إنه على استعداد للمساهمة بالدور المنوط به وعلى نحو أكبر من الماضي.
ونحن نعلم بحكم تجاربنا بأن السعي للسلام في الشرق الأوسط يرتبط بمصاعب كبيرة. لكننا نعلم أيضا بأن انعدام السلام ينعكس سلبا على الجميع وليس على الناس في المنطقة وحدهم. لهذا تطلب الأمر منا اليوم تكثيف كل جهودنا بغية إنجاح انسحاب إسرائيل.
وينبغي علينا في إطار التزامنا هذا العمل على استئناف مفاوضات السلام بناء على مشروع خريطة الطريق بهدف تكريس الحل المبني على وجود دولتين قريبا بعد أن يتم الانسحاب. وفي هذا السياق سيتوجب علينا أن نتدارس مسائل ستطرح نفسها بعد اكتمال الانسحاب بنجاح كالانسحاب الآخر من الضفة الغربية ومسار الجدار الحدودي ومستقبل القدس.
نادرا ما انفتحت نوافذ تطل على إمكانيات لتسوية النزاعات على صعيد السياسة الدولية، وهذا يسري بصورة خاصة على منطقة الشرق الأوسط التي هزّتها الأزمات. لهذا فإنه لا يجوز لنا السماح بإغلاق مثل هذه النافذة مجددا.
بقلم خافيير سولانا
ترجمة عارف حجاج
صدرت النسخة الأصلية في جريدة زود دويتشي تسايتونغ
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2005