حريات جديدة وصراعات متجددة

يعيش في بلغاريا حوالي مليون مسلم حصلوا على حريات أوسع بعد التحول السياسي في العام 1989، مثل كل الطوائف الدينية الأخرى. ومع ذلك فإن التعايش بين المسلمين ومواطنيهم البلغار الآخرين لا يخلو من التوتر السياسي والإجتماعي. تقرير من ميركو شفانيتس.

​​تسود ساحة قرية دولنو إسفوروفو الواقعة على سفح جبال البلقان حركة احتفالية غير عادية. يحدثنا أحدهم عن هذه المناسبة السعيدة قائلاً:

"نحتفل بختان ابن جار دعا القرية كلها لمشاركته بهذا الاحتفال التقليدي، حيث أضحى هذا النوع من الإحتفالات أمراً عادياً في حين كان محظوراً في العلن إبان فترة الحكم الشيوعي، فنحن الآن نعيش في ظل حكم ديمقراطي يتيح لنا إحياء مناسباتنا في العلن دون أية عقبات."

ويضيف آخر بأن وضع المسلمين في تحسن مستمر، قائلا:

"يبلغ عدد المسلمين في هذه المنطقة حوالي الواحد والعشرين ألف شخص. لقد تخلصنا من جزء من المشاكل التي كنا نواجهها في الماضي، بحيث استرجعنا أراضينا وسُمح لنا باستعادة أسمائنا التركية. تعمل بناتنا كمربيات في الحضانة وبعضنا يملّك شركات خاصة، فضلا عن أنه تم السماح للمسلمين مؤخراً بالعمل في جهاز الشرطة."

نفوذ سياسي واسع لحزب الأتراك

ومع ذلك فإن جو الفرح والمرح الطاغي على هذا الإحتفال لا يخفي حقيقة أن العلاقة بين المسلمين والمسيحين قد شهدت تراجعاً ملموساً في الفترة الأخيرة. فمما يثير حفيظة البلغار حالياً هو التأثير الكبير غير المتناسب لحزب الأتراك DPS الذي تم تأسيسه على أساس عرقي ونجح في الحصول على تمثيل برلماني في جميع الحكومات المتوالية بعد الحويل السياسي في العام 1989.

هاجم قياديو هذا الحزب الأقلية الأرمنية قبل فترة بسيطة في محاولة منهم لمنع إصدار قرار برلماني حول الإعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن على يد الأتراك.

تقلدت عائشة هايرولا منصب رئاسة الحزب في كزنلوك لفترة طويلة قبل أن تدير له ظهرها. فهي تصف الجو المعادي للأتراك في بلغاريا قائلة: "يعتقد معظم البلغار أننا نتلقى دعماً من تركيا وثمة شائعات منتشرة في هذا الشأن. والبعض يتصرف وكأننا طابور خامس لاحتلال عثماني جديد. فقد رُسمت على جدران المسجد في مدينة كازنلوك منذ فترة الصلبان ولُطخت بشعارات مفادها أن على جميع الأتراك الخروج من بلغاريا!"

من المعروف أن الفساد متفش داخل قيادة حزب الأتراك DPS وأنهم سعوا إلى استغلال أبناء دينهم بحيث جعلوهم ينضوون تحت رايتهم لتحقيق مآرب شخصية: من لا ينتخب الحزب لا يحصل على عمل في جنوب بلغاريا، معقل الأتراك والبوماك – أي البلغار الذين اعتنقوا الإسلام. كما أن معدل الأجور والمعاشات هو أقل نسبياً من مناطق أخرى في البلاد. وتُرجع أجهزة الإعلام البلغارية سبب ثراء بعض قادة حزب الأتراك الكبار إلى إعطاء العمال أجوراً بخسة.

تكتيك مزدوج

أثرت هذه الصورة السلبية السائدة عن قياديي الأتراك على الجالية المسلمة في كازانلوك، مما جعل المحافظ الجديد يقوم برصف الشوارع والطرقات وطلاء واجهات الأبنية وفتح فروع لبعض المصانع. في الواقع كان من واجبه أيضاً ترميم المسجد الكائن في وسط المدينة، إلا أن السلطات رفضت إرجاع بيت الله إلى الجالية المسلمة بحجة أنه من الآثار الثقافية. لكنها تنصلت في الوقت نفسه من مسؤولية الحفاظ على هذا الإرث الثقافي بحيلة ادعاء التسامح الديني.

"حتى لو لم يكن المسجد ملكاً لنا، لكان ينبغي السماح لنا باستخدامه والقيام بأعمال الترميم الضرورية، أياً كان حجمها. فهذا لا يُغير من حقيقة أن المسجد ملك للدولة."

حملة دعائية قومانية

ما يُقلق الإمام مأمون دورموش هو تزايد وتيرة الحملة الشرسة ضد المسلمين والتي تؤججها الحملة الدعائية القومانية التي تقوم بها محطات التلفزة البلغارية مثل محطة "سكات" الخاصة المعروفة لدى المشاهدين بأنها تعكس صوت حزب جديد يحمل إسم "آتاكا" الذي يعد بالكثير. والفساد داخل قيادة حزب الأتراك هو أحد المواضيع المفضلة لدى تلك المحطة.

​​ويعلق دورموش: "ثمة أساليب سياسية متعددة يُمكن انتهاجها، والصحيح منها هو ما يسعى لخدمة الشعب. ولكن عندما تسعى السياسات فقط لملء جيوب السياسيين، فهذا له عواقب وخيمة على الجالية المسلمة وهذا يعني أن هؤلاء السياسيين ليسوا أهلاً لمنصبهم."

أربعة رجال فقط إستطاعوا التسلل خلسة إلى المسجد للصلاة مع الإمام. إن خوف البلغار من المسلمين بعيد عن الواقع تماماً، فنهضة الأديان في العقد الأخير لم تلق بظلالها إلا على الكنيسة الأرذودوكسية في بلغاريا ولكنها لم تصل إلى المساجد بعد.

ويُضيف الإمام "إن مسلمي بلغاريا ليبراليون للغاية، فهم لا يأتون إلى المسجد حتى في الأعياد الإسلامية الكبرى أو في صلاة الجمعة. ما زالت الحياة الدينية تفتقر إلى بعض النشاط."

بداية نهاية الإسلام الليبرالي؟

لهذا السبب أسس الإمام مأمون دورموش قبل عامين مدرسة تفتح أبوابها أيام الأحد فقط ومخيماً صيفياً يتعلم فيه الأطفال المسلمون في المنطقة القرآن وتعاليم دينهم. ولكن البلغار ينظرون إلى هذه الخطوة بعين حذرة، حيث يرون أنها نواة لمدرسة قرآن مستقبلية. وثمة كثيرون يعتبرون مثل هذه المؤسسات بمثابة بداية نهاية الإسلام الليبرالي لا سيما بعدما اتضح أن الدول العربية لا تزال تبعث بمدرسي دين إلى بلغاريا.

يردف الإمام قائلاً: "أعتقد أن سمعتنا كمسلمين أمر يتعلق بنا، فنحن الإئمة نتحمل مسؤولية توجيه المسلمين في منطقتنا، وخصوصاً الناشئة منهم. لا أستطيع تخمين الفترة التي سيبقى فيها التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين سائداً في بلغاريا. الأمر يتعلق بنا جميعا، إذ ينبغي على الجميع التحلي بروح التسامح المتبادل."

بقلم ميكرو شفانيتز
حقوق الطبع دويتشه فيلله 2007
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده