كيف التعامل مع إنتاج المخدرات؟
أنذر التقرير الأخير الذي قدمته هيئة الأمم المتحدة من خطر تطور زراعة الأفيون في أفغانستان. وحسب ما ورد في التقرير فقد أُنتج في السنة الماضية 4200 طن من الأفيون التي تعادل بدورها ما مجموعه 87% من حجم السوق العالمي.
ومما يدعو للقلق بشكل خاص هو التزايد المضطرد لزراعة الأفيون في أفغانستان منذ التدخل العسكري للتحالف ضد الإرهاب في خريف عام 2001. وبسبب هذا الكم الهائل للانتاج فإن الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي يعتقدان بأن مكافحة اقتصاد المخدرات أصبح يحتل الأولوية.
إلا أن التجربة في كولومبيا أو في المثلث الذهبي تظهر صعوبة هذه المهمة. وستقود استرتيجية التدمير، كما هو منتظر في أفغانستان، إلى زيادة عدم الاستقرار في البلاد، ولن تقود الى النجاح الدائم السريع والمتوقع من ذلك.
غياب رقابة الحكومة المركزية
وبالرغم من أن زراعة الأفيون في بعض المناطق الواقعة على سفوح الجبال الشرقية في أفغانستان تُستخدم تقليديا من أجل الاستهلاك المحلي، ألا أن هذه المادة المخدرة تنتج وبشكل أساسي من أجل التصدير للخارج.
ومع اندلاع الحرب الأفغانية ازداد هذا الموضوع أهمية في عام 1979 لأول مرة، حيث كانت تعود مداخيل الصادرات من الأفيون يومها لتمويل المجاهدين. وعلى أثر انسحاب القوات السوفيتية عام 1988 من أفغانستان وتقسيم البلد بين المتحاربين، شهدت زراعة الأفيون إزديادا متسارعا.
ففي سنوات التسعينات من القرن المنصرم بلغ معدل انتاج الأفيون الخام 2000 طن سنويا. ولقد أصبحت الأقاليم الأفغانية مثل هيلماند، نانغارهار واقليم بادخشان من أهم مناطق زراعة الأفيون. فإلى جانب غياب الرقابة الكاملة للحكومة المركزية في أفغانستان، هناك الانخفاض الهائل في مساحة الأراضي الزراعية بسبب آثار الحرب واتساع وجود الألغام، مما حدا بالفلاحين لزراعة الأفيون.
لقد كان عليهم أن يبحثوا عن مصدر دخل لضمان لقمة عيش لعائلاتهم، وهكذا كان يتوجب عليهم زراعة مساحات صغيرة للحصول منها على دخل كاف.
إنشاء مختبرات لإنتاج الهيروين
وفي ظل حكم الطالبان، الذين كانوا يسيطرون في نهاية التسعينات من القرن المنصرم على أكثر من 90% من البلاد، ارتفع مستوى انتاج الأفيون، حيث وصلت كمية الأفيون المنتجة في عام 1999 رقما قياسيا بلغ 4600 طن. فبينما كان تكرير الأفيون الخام يتم حتى ذلك الحين في البلدان المجاورة (مثل باكستان)، فقد نشأت في فترة حكم الطالبان في أفغانستان أيضا مختبرات من أجل صناعة الهيروين.
والغريب في الامر هو ما فعله الطالبان عندما قاموا في عام 2000 بفرض منع زراعة الأفيون كليا. وقد يكون الأمر عائدا الى استراتيجية خفض العرض بسبب توفر مستودعات ممثلئة بالأفيون، ولربما يكون الأمر عائدا أيضا الى رغبتهم في فرض الدوغما الدينية في هذا المجال ايضا. وعلى كل حال فقد تمكن الطالبان في عام 2001 بفضل شبكاتهم الدينية والعقوبات القاسية من منع زراعة الأفيون.
انتعش اقتصاد المخدرات مع طرد الطالبان وتنصيب حكومة مؤقتة في أفغانستان، والتي لم تكن بالقادرة على فرض سيطرتها على البلاد. ففي خلال ثلاث سنوات فقط اتسعت زراعة الأفيون لتشمل كافة الأقاليم الأفغانية. وقد ازدادت مساحات زراعة الأفيون في السنتين الأخيرتين بالرغم من برامج مقاومة المخدرات من 74000 هتكار لتصل الى 131000 هكتار.
حقائق وأرقام اقتصادية
بالرغم من أن المساحات المزروعة بالأفيون لا تساوي سوى ثلاثة بالمئة من مجموع مساحة الأراضي الزراعية في أفغانستان، الا ان زراعة الأفيون تمثل أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد. فتعادل عائدات زراعة الأفيون 38 بالمئة من مجمل الدخل القومي الأفغاني حسب احصائيات دائرة الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجناية.
ويحتاج اقتصاد المخدرات لعمل مكثف. فحسب احصائيات الأمم المتحدة يعمل حوالي 2,3 مليون انسان في زراعة المخدرات، وهم ينحدرون من 356000 عائلة، وهو ما يعادل عشرة بالمئة من مجموع السكان. ويستفيد الميلشيات وأمراء الحرب من تجارة المخدرات.
ومن الجدير بالذكر أن أمراء الحرب يحصدون من المزارعين عشرة بالمئة من عوائد المخدرات وكذلك أيضا من التجار، حيث يدفع هؤلاء لأمراء الحرب أموالا من أجل الوصول الى القرى دون أن يعترضهم أحد.
وضعت الأسرة الدولية في بداية عام 2002 مهمة مكافحة اقتصاد المخدرات ضمن أولوياتها الرئيسة. وفي بداية الأمر أدت برامج المساعدات الى تكثيف زراعة المخدرات. فلقد أدى استيراد القمح للقطاعات الفقيرة من الشعب الافغاني الى انهيار اسعار الحبوب المحلية، مما حدا بالكثير من المزراعين الى التحول من زراعة الحبوب الى زراعة الأفيون.
ولقد ركز برنامج مكافحة زراعة المخدرات لعام 2000، الذي تم باشراف بريطاني، على دفع تعويضات للمزارعين الأفغان بمقدار 350 دولار مقابل كل هكتار أرض مزروعة بالأفيون يتم إتلافه. ولكن المزارعين طلبوا 3000 دولار بدلا عن ذلك، خاصة وأنهم ينتظرون أرباحا عالية بسبب الديون التي تثقل كاهلهم.
ولقد أدى هذا الأمر أيضا الى ارتفاع مساحة زراعة الأفيون مجددا. وقد حصل الكثير من الفلاحين على التعويضات، الا أنهم قاموا بزراعة اراضى نائية بالأفيون – وذلك من أجل الايفاء بالتزاماتهم تجاه التجار.
إعلان الجهاد على زراعة الأفيون
ولا زال موضوع مكافحة المخدرات قائما ضمن الأولويات العالمية. حيث نادى الرئيس حميد قرضاي في مؤتمر المانحين في برلين، الذي انعقد في شهر نيسان/ابريل من العام الماضي، بإعلان الجهاد على زراعة المخدرات، حيث عاد منذ ذلك الحين ليؤكد من جانبه مرارا وتكرارا على أن اقتصاد المخدرات يعتبر أكبر عائق في وجه التطور الاقتصادي.وتدعم الولايات المتحدة هذه الايام برنامجا صارما من أجل مكافحة زراعة المخدرات.
ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة قد رصدت مبلغ 780 مليون دولار لهذا العام – منها 300 مليون دولار من أجل تنفيذ اجراءات إتلاف المخدرات. وتقوم حكومة الولايات المتحدة الامريكية، رغما عن رفض حميد قرضاي لهذا الأسلوب، بالدعاية لعملية رش حقول الافيون بالمبيدات من أجل إتلافها.
أما الجانب الأفغاني والأوروبي فانهما يمارسان سياسة "العصا والجزرة" ويفضلان هذه السياسة: حيث يقوم الطرفان بعرض التعويضات وتوعية المزارعين وتقديم بدائل زراعية عن المخدرات، وفي حال لم تفلح هذه الوسائل، فانهما مع تنفيذ العقوبات الصارمة.
اما ما يدعو للتمعن في الأمر فهو أن السكان الأفغان ما زالوا يرون أن زراعة الأفيون تعود عليهم بنتائج ايجابية بشكل أساسي. إذ ان ظروف البلاد المناخية مناسبة جدا لزراعة الأفيون، حيث أن هذه النبتة لا تحتاج الى الكثير من العناية، فهي تحتاج فقط لليسير من الماء وتنبت في كل مكان تقريبا. أما الزعفران والورد والرز، التي تطرح كبدائل عن الأفيون، فهذه البدائل شديدة الحساسية – ولا تقارن من الناحية الربحية على الاطلاق بالافيون.
المخدرات، الحبوب، الاطارات
لم يحدث في أفغانستان حتى هذا الحين أن قام أمراء الحرب أو بارونات المخدرات بإجبار المزراعين على زراعة الأفيون. وعلى ما يبدوا واضحا أن المزراعين يبادرون بأنفسهم الى القيام بذلك. وعلاوة على ذلك لا يتركز اقتصاد المخدرات على فاعلين هامشيين أو جنائيين وانما يشمل كافة قطاعات المجتمع الأفغاني.
فبينما يتاجر التجار بنفس الوقت بالمخدرات والقمح واطارات السيارات والأجهزة الكهربائية، يعتمد الكثيرون من الفلاحين الصغار على زراعة الأفيون حتى أصبح بالنسبة لهم ركنا رئيسيا من أجل الحصول على لقمة العيش الى جانب زراعة القمح والشعير.
كذلك فهناك جهات حكومية تحصل على المداخيل من خلال اقتصاد المخدرات. وكثيرا ما يتم التعتيم على حالات يضبط بها وزراء في الحكومة الأفغانية متورطين بتجارة المخدرات.
لم تفلح التصورات الغربية بوضع حد لزراعة الأفيون، وذلك على انها غير قانونية ولا أخلاقية، حتى هذا الحين في أفغانستان. وتستغرب غالبية الأفغان موقف الدولة، حيث قامت الأخيرة في كانون الثاني/يناير 2002 بمنع زراعة الأفيون بشكل كلي.
ولا تُعتبر الدولة من وجهة نظر هؤلاء على أنها دولة القانون المخولة بتحديد ما هو مشروع أو غير مشروع. وقد يكون بمقدور رجال الدين أو كبار شيوخ العشائر القيام بعملية التحريم تلك مستندين بذلك الى التعاليم الاسلامية والتقاليد العشائرية من أجل تنمية الوعي بعدم شرعية مثل هذا العمل.
الا أن هؤلاء النخبة هم أنفسهم من من يقومون بإحلال ذلك بعد انهيار نظام الطالبان، حيث يشجعون زراعة الأفيون وينادون بها – وفي بعض الأحيان حتى على أنها تدخل ضمن الجهاد ضد الغرب.
وعلى النقيض من الرأي المتعارف عليه فإن اقتصاد المخدرات لا يأتي على أفغانستان ذاتها بأية مصاعب أو اشكاليات. ويبدو هذا القطاع للكثير من الناس في أفغانستان بأنه قطاع اقتصادي واعد، خاصة في بلد يكاد يفتقر لأي آفاق اقتصادية. وبالتأكيد فإن زراعة المخدرات، أي الأفيون، تؤثر سلبيا على بلدان الجوار، حيث يرتفع بها عدد المدمنين على المخدرات.
يجب كبح جماح الاستهلاك في أوربا وأمريكا
ففي باكستان يوجد حسب مصادر منظمة الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات 500000 مدمن على الهروين وفي ايران 3,7 مليون انسان يستهلك الأفيون. وتعد هذه البلدان بالدرجة الأولى بلدان ترانزيت تستخدم لمرور المخدرات، أي أن التجارة الفعلية التي تدر بالمال الكثير تحصل في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
وبالرغم من أن ما يحصل عليه المزارعون الأفغان من عوائد تجارة المخدرات مقارنة مع السعر النهائي للمستهلك في البلدان الغنية يكاد لا يتجاوز الواحد بالمئة، ولكن الطلب المتزايد على المخدرات هو الحافز على عملية الانتاج هذه. اذن فمن أجل مكافحة زراعة المخدرات بشكل ناجع، يجب بالدرجة الأولى كبح جماح الاستهلاك في مجتمعات الدول الصناعية.
وتنطوي عملية مكافحة الأفيون بشكل صارم في أفغانستان على مخاطر عصية على التقدير. فهي ستعرض، على سبيل المثال، السلام الهش القائم حاليا والخطوات المرتبكة باتجاه اعادة الاعمار في أفغانستان، للخطر. وقد يؤدي هذا الأمر لنمو الاحباط لدى قطاعات كبيرة من الشعب، مما سيعود بالتالي على الأجانب بالسلبيات – سواء كان هؤلاء من المساعدين التنمويين أو من قوات حفظ السلام في أفغانستان (اساف)، حيث ينظر لهؤلاء على أنهم عملاء مكافحة المخدرات.
وسيؤدي ما يمكن فهمه من حرب المخدرات اضافة الى ذلك لقيام مناخ للجريمة المنظمة. خاصة وأن هناك الكثير من الفلاحين الصغار الذين يفضلون اللجوء الى زراعة الأفيون من أجل الحصول على لقمة العيش بدلا من الإلتزام بقرار منع زراعته.
إن مكافحة تجارة المخدرات بالعنف يمكن أن تؤدي الى نشوء كارتيل مخدرات يقوم بدوره بإجبار المزارعين على زراعة الأفيون. أما المأزق الاقتصادي فهو: لو أمكن خفض الانتاج فسيؤدي ذلك الى انخفاض كمية العرض مما يؤدي الى ارتفاع اسعار السوق السوداء تجعل في نهاية المطاف من زراعة الأفيون موضوعا اكثر جاذبية مما هو عليه الآن.
لذا فعلى المجتمع الدولي التفكير بطرق عصرية مناسبة فيما يتعلق بأفغانستان. وقد تبدو إمكانية السماح بزراعة الأفيون وتأميم عملية التوزيع والترويج وقيام الدولة بشراء الأفيون من المزارعين خطوات جريئة ومثار جدل، الا انها ستقطع الطريق على الخطر الداهم من جراء امكانية قيام علاقة بين عصابات الجريمة المنظمة من جهة والمزارعين من جهة اخرى.
أما في حالة إصرار الأسرة الدولية على مكافحة المخدرات، فيجب عليها وبالضرورة أن تربح النخبة التقليدية في البلاد. فهي الجهة الوحيدة التي تمتلك القدرة على سحب شرعية اقتصاد الأفيون ورفضها. ولقد حقق حميد قرضاي نجاحا محدودا في هذا الخصوص عندما قام بإقناع شيوخ القبائل في إقليم نانغارهار، وبشهادة المساعدين التنمويين، بتحريم زراعة المخدرات. الا أن أفغانستان بلد متميز بالفروقات المحلية الكبيرة: فما يمكن أن ينجح في منطقة ما، يمكن أن يفشل في منطقة أخرى.
بقلم كونراد شيتر
يعمل في مركز البحث التنموي في بون/ألمانيا
ترجمة مصطفى السليمان
صدر المقال في مجلة "التنمية والتعاون"
تقرير الأمم المتحدة عن زراعة الأفيون في أفغانستان