في صور - عودة بعد 45 عاماً إلى الأهوار العراقية
في عام 1978 سافرت السويسرية سيلفيا فورَر مع السويسري هولغَر هوفمان عبر العراق. وبعد 45 عاماً عادا بسيارتهما الخاصة بحثاً عن المضايف، وهي أماكن اجتماع عرب الأهوار. النصوص بقلم سيلفيا فورر والصور بعدسة هولغر هوفمان.
في عهد صدام حسين بدأت الحروب التي هزَّت العراق من دون توقف تقريباً من عام 1980 إلى 2017. وهو الذي ضغط لتجفيف الأهوار لمعاقبة عرب الأهوار لمشاركتهم في انتفاضة عام 1991 ضد الحكومة. وفي هذه العملية، نزح أكثر من 200 ألف من عرب الأهوار ودُمِّرت 90% من الأهوار الفريدة بيئياً عند التقاء نهري دجلة والفرات بشكل لا يمكن إصلاحه. صورة من: Holger Hoffmann (بعدسة هولغر هوفمان).
ومن أجل منع تدميرها بشكل كامل أُدرِجت أهوار بلاد ما بين النهرين ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو في عام 2016. ومنذ ذلك الحين تتوسع ببطء لتوفِّر من جديد مصدر رزق لمن بقي من عرب الأهوار. بيد أنَّ أكبر مزارع النخيل في العالم سابقاً ضاعت للأبد. صورة من: Holger Hoffmann (بعدسة هولغر هوفمان).
لا يفتقر العراق إلى المعالم السياحية، مثل "زقورات أور" و "أوروك" أو "حفريات النمرود ونينوى وبابل" من العصرين السومري والبابلي. بيد أنَّ الأقل شهرة مضايف عرب الأهوار في جنوب العراق. إذ تُعتبَر بيوت الاجتماع هذه -والتي يجتمع فيها أبناء العشيرة الذكور- بمثابة تحف معمارية، وميَّزت الأهوار لأكثر من 5000 عام. صورة من: Holger Hoffmann (بعدسة هولغر هوفمان).
كان همنا الأكبر قبل التوجه إلى العراق من جديد هو معرفة إن كانت المضايف لا تزال موجودة. ففي الكتب وعلى الإنترنت كانت الصور التاريخية هي كل ما تمَكَّنَّا من العثور عليه. وعبر البحث على خرائط غوغل عن هياكل من الممكن أن تتوافق مع الغرف الأسطوانية الطويلة التي تشكِّل المضيف ظهر حوالي عشرين مضيف: حرصنا على معرفة إحداثياتها. صورة من: Holger Hoffmann (بعدسة هولغر هوفمان).
بالقرب من الحدود مع إيران كانت وجهتنا الأولى الأهوار في شمال القرنة. وما لم نكن نتوقعه وجود نقاط التفتيش المحلية. احتُجِزنا حتى حلول الليل ومن ثم تمت إعادتنا. وفي صباح اليوم التالي جربنا مجدَّداً بالقرب من الجبايش. وهنا التقينا أخيراً بعرب الأهوار الذين ما زالوا يتابعون أسلوب حياتهم التقليدي. صورة من: Holger Hoffmann (بعدسة هولغر هوفمان).
أَخَذَنَا قاربٌ إلى جزر اصطناعية صغيرة مختبئة بين القصب. وهنا وجدنا مساكن وإسطبلات، يحيط بها جاموس الماء. وكل شي مبني بالقصب، فهو النبات الرئيسي المنتشر في الأهوار. انبهرنا بهذه الثقافة العتيقة، التي يمكن العثور على إشارات لها في الأختام الاسطوانية السومرية القديمة. صورة من: Holger Hoffmann (بعدسة هولغر هوفمان)
باستخدام إحداثيات نظام تحديد المواقع العالمي جي بي إس GPSكان من السهل إيجاد المضايف. في كل مرة نخرج فيها من السيارة للتأمل في هذه الأبنية المهيبة يتدفَّق رجال من العشيرة المحلية من المنازل المجاورة ويدعوننا إلى داخل المضيف. وعند جلوسنا على الموائد يُقَدَّم لنا الماء والقهوة. صورة من: Holger Hoffmann (بعدسة: هولغر هوفمان).
جلس وجهاء القرية أمامنا باللباس التقليدي متكئين على الوسادات، يستفسرون -بقدر ما تسمح لهم به مهاراتهم اللغوية وبمساعدة ترجمة غوغل- عن المكان الذي أتينا منه، أو يتناقشون فيما بينهم بأحداث اليوم. وقفوا بمفردهم أو معنا -بفخر- أمام -أو في- القاعة المزوَّدة بأعمدة والمصنوعة من القصب. صورة من: Holger Hoffmann (بعدسة هولغر هوفمان).
في قرية القرمشية الغربية -الواقعة على قناة تصطف على جانبيها أشجار النخيل- اكتشفنا مضيفاً ضخماً، لا يظهر على خريطتنا. كان القصب ما يزال أصفر طازجاً. أوقفنا سيارتنا وعبرنا القناة من خلال جسر ضيق. ووجدنا أنفسنا محاطين على الفور برجال. ولدهشتنا فقد عرفنا أنَّ المضيف لم يُفتتح إلا في اليوم السابق. وكانت الاحتفالات ما تزال قائمة. صورة من: Holger Hoffmann (بعدسة هولغر هوفمان).
رحبوا بنا بشكل كبير وقدموا لنا الماء والشاي والقهوة. كان أحد الشباب يتحدَّث الإنكليزية. والده هو الشيخ الذي أمر ببناء المضيف. وعند قدوم الشيخ دُعينا إلى وجبة فخمة وعُرِض علينا المبيت ليلاً. صورة من: Holger Hoffmann (بعدسة هولغر هوفمان).
بدأ المزيد من الرجال بالتوافد إلى المضيف. اصطفوا في دائرة وبدأ واحد منهم بالغناء والآخرون يصفقون وفجأة بدأوا جميعهم بالرقص بسعادة غامرة. ومن ثم وقف أحد الرجال أمام الشيخ وأنشد ترنيمة مدح لباني المضيف. وحين وقف المُلقِي أمامنا وتلا كلمات جميلة مماثلة وانضم الجميع إليه تأثرنا كثيراً. صورة من: Holger Hoffmann (بعدسة هولغر هوفمان).
زودتنا المحادثات مع رفاقنا بمعلومات إضافية حول ضرورة المضيف بوصفه مكاناً تلتقي فيه العشيرة. وستتواصل حرفة بناء المضيف طالما يمكن للقصب النمو ليُستخدم كمادة خام. ولكن مع استمرار الدول المجاورة في النزاع على منسوب مياه دجلة والفرات مع العراق، ينخفض التدفُّق في النهرين بشكل مستمر. فكم من الوقت سيمضي قبل توقف افتتاح المزيد من المضايف؟ صورة من: Holger Hoffmann (بعدسة هولغر هوفمان). سيلفيا فورَر / هولغَر هوفمان - ترجمة: يسرى مرعي - حقوق النشر: موقع قنطرة 2024