هل تصبح ليبيا عراقا ثانيا؟
هناك تحذيرات غربية من وجود متطرفين في صفوف الثوار، ما مدى مشروعية هذه التحذيرات برأيك؟
ماتيو غيدار: في الحقيقة لفهم وجود هؤلاء المتطرفين لا بد أن نعود إلى السياق الذي وجدوا فيه في البداية ثم إلى وضعهم الحالي، فمن نسميهم الآن بالمتطرفين كانوا كذلك قبل انهيار نظام القذافي. وكانوا متطرفين لأنهم كانوا معارضين ومضادين لنظام العقيد الليبي، فتطرفهم في الحقيقة نجم عن وجود هذا النظام الذي خلقهم ثم صارعهم بعد ذلك. لذا فبعد إطاحتهم بالنظام السابق لم يبق لهؤلاء ما يجعلهم يستمرون في تطرفهم. بعبارة أخرى بعد سقوط القذافي لم يعد هناك ما يدعو أي ليبي إلى التطرف بعد تجدد الأمل بنظام ديمقراطي حر يحترم كل مكونات وخصائص ليبيا.
وبخصوص التحذيرات الغربية في هذا الإطار اعتقد أنها مبالغ فيها بعض الشيء، لأن الكثيرين يعتقدون أن ليبيا لم تتغير وأن الثورة لن تغير الليبيين، بينما في الواقع فإن مواجهة القذافي والصراع معه غير ليبيا، وغيرحتى المتطرفين الليبيين. لذا اعتقد أنه لا يجب أن نبالغ من الخوف حيال تواجد هؤلاء المتطرفين وأعدادهم ولا عقلياتهم وبرامجهم.
أنت كخبير في قضايا الإرهاب، كيف تقدر حجم وجود جماعات إسلامية متطرفة، ما مدى قدرتها على التأثير في ليبيا ما بعد القذافي؟
غيدار: ليبيا في الحقيقة لديها جماعة واحدة مهمة في نطاق التطرف تاريخيا. ظهرت في التسعينات من القرن الماضي وهي الجماعة الإسلامية المقاتلة، ولكن المبرر الوحيد لوجودها كان الصراع مع القذافي أما بقية الليبيين فليست لديهم أفكار متطرفة أو توجهات إسلامية متشددة، وانما ضمنهم فئات متدينة فقط كما قد نجد في دول الخليج مثلا. لذا يمكن القول أن ليبيا لا تتوفر على هذه الجماعات المتطرفة عموما. واعتقد أن المرحلة السياسية الحالية والمناخ العام الجديد لا يسمح بوجود مثل هذه الجماعات المتطرفة.
تحدثتم للتو عن الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا، مامدى الخطر الذي يمكن أن تشكله على مستقبل ليبيا؟
غيدار: الجماعة الليبية المقاتلة كما قلت ظهرت في التسعينات، ثم تم القضاء عليها بشكل كامل تقريبا من طرف نظام القذافي حتى أن أهم رموزها و قادتها سجنوا جميعا في عام 2004. ثم دخلت بعد ذلك هذه القيادات في حوار مع نظام القذافي وأعلنت براءتها من التيار الجهادي. ومنذ سنة 2004 إلى العام 2010 قام كل الإسلاميين في ليبيا بتقديم دلائل على عدم نيتهم استخدام العنف وهكذا تم الإفراج عنهم . لذا أظن أن لا أحد منهم اليوم يحتفظ بتلك الأفكار الجهادية.
تعني أنهم لا يشكلون خطرا حقيقيا على ليبيا حاليا؟
غيدار: حاليا لا أعتقد أنهم يشكلون خطرا لأنهم لوحدهم لا يستطيعون تغيير البلاد، ولا يمكنهم الإنفراد بالحكم في هذه المرحلة التاريخية بالتحديد.
و ماهي باعتقادك الخطوة الغربية المتوقعة -على الخصوص من طرف فرنسا- إزاء المخاوف من المتطرفين؟
غيدار: التعامل مع هذا الأمر سيكون مبني على ميثاق مرحلة الانتقال الذي صادق عليه حتى قادة هاته الجماعات قبل معركة طرابلس، فكل ما يدعو إلى تطبيق هذا الميثاق الانتقالي لن يطرح أية إشكالية في الوضع الراهن إنما يمكن أن تطرح إشكاليات لاحقا. وأعتقد أن ما ستحرص فرنسا على القيام به في المرحلة الحالية هو العمل على احترام جميع الأطراف احتراما للبرنامج الانتقالي الذي تم الاتفاق عليه قبل انهيار النظام السابق.
ألا تعتقد إذن بإمكانية حدوث أي تدخل سياسي فرنسي في حالة تواجد متطرفين في السلطة المقبلة؟
غيدار: في المستقبل القريب لا أظن ذلك أبدا، لأن هناك أطرافا أخرى غير العناصرالمتطرفة في لبيبا ليس من مصلحتها أن ينقسم البلد أو ينطوي على نفسه. لذا لا أعتقد أنه ستكون هناك حاجة إلى أي تدخل فرنسي أو خارجي لتؤول الأمور إلى ما يريده الجميع.
هناك أيضا مخاوف من حجم السلاح الموجود في ليبيا في ظل غياب سلطة مستقرة، وبالخصوص مع استمرارعمليات التهريب نحو الدول المجاورة، مارأيك في ذلك؟
غيدار: فيما يخص السلاح، أعتقد أن مثل هذه المخاوف تكون في الدول التي لم تكن لدى شعوبها ثقافة أو تعوَد على حمل السلاح في حالة السلم، وما إن تحصل على أسلحة تعم الفوضى والعنف. أما ليبيا فأنا أشبه الوضع فيها بالوضع في الولايات المتحدة الأمريكية من منطلق أن الليبيين كانوا متوفرين ومتعودين على حمل السلاح حتى قبل اندلاع الثورة والمعارك مع القذافي. فالتسليح اليوم تغير فقط على مستوى حجم السلاح الذي أصبح في البلاد لكنه لم يغير مقاييس القوة. والليبيون واعون بأن كل الأفراد يتوفرون على السلاح لذا فلن يكون في مصلحتهم الإعتداء على بعضهم أو على الممتلكات العامة.
لكنه لوحظ في الشهور الأخيرة ارتفاع ملحوظ لعمليات تهريب السلاح باتجاه دول مجاورة وبالخصوص مصر وتونس؟
غيدار: نعم المخاوف منبعثة من أن الشعوب المجاورة لليبيا ليست لديها ثقافة حمل السلاح، لذا فما ان تسمح الفرصة سيستغل البعض الوضع لتهريب السلاح نحوها. لكن هذه الحالات تبقى نادرة ولاتصل إلى الحد الذي يمكن أن تهدد فيه المرحلة الانتقالية في ليبيا، أو أنظمة الحكم في الدول المجاورة. ثم ما يحصل هو أمر طبيعي فلا يمكن لهذه المرحلة الانتقالية أن تمر دون انفلات أمني و دون عمليات تهريب للأسلحة. لكن مع الوقت ومع قيام حكومات منتخبة وأنظمة تتحكم في الدول، سيعود الوضع إلى سابق عهده تدريجيا.
أي دور سيكون لحلف الناتو وخصوصا فرنسا، في ليبيا ما بعد القذافي، برأيك؟
غيدار: طبعا الدول التي ساعدت الثوار على التخلص من نظام القذافي ستواصل دعمها لليبيا الجديدة وستعمل على دعمها اقتصاديا وسياسيا وماليا، والأهم طبعا هو الجانب الاقتصادي، حيث أعربت مجموعة من الدول عن نيتها المساهمة في إعادة بناء البلاد، وكذا مشاريع الصناعة والخدمات و خاصة ميدان البترول و الغاز، وهذا طبعا مهم جدا بالنسبة لليبيا التي تشكل ثرواتها الباطنية أهم مصادروارداتها المالية.
بعد سقوط العدو المشترك للثوار، كيف سيقوم هؤلاء بتجاوز الاختلافات والتناقضات بينهم؟
غيدار: الهدف المشترك للثوارهو أن تقوم ليبيا جديدة بناء على مرحلة انتقالية تم التخطيط لمراحلها بدقة. وينص الميثاق الانتقالي على أن تتم الانتخابات المقبلة في غضون الستة أشهر المقبلة، لذا لا اعتقد أنه ستحصل مشاكل كبيرة خلال هذه الفترة بما أن الجميع يريد أن تعود السلطة إلى الشعب. وهذا النوع من المشاكل يمكن أن يطرح بعد تأسيس حكومة جديدة منتخبة، حيث يمكن أن يعبر الخاسرون عن عدم رضاهم عن توجه سياسي أو استراتيجي ما، لكن هذا كله يدخل في إطار السياسة ولا يمكن توقعه منذ الآن أو تقديره بطريقة دقيقة.
تقصد أن الانقسامات بين الثوار يمكن أن تظهر على المدى البعيد؟
غيدار: نعم على المدى المتوسط والبعيد وهذا أمر طبيعي ويمكن أن يحصل في أي نظام ديمقراطي فيه انتخابات وتعارض واختلافات في الآراء...
ألن يكون في هذا الاختلاف بين "إخوة السلاح" خطرا على استقرار ليبيا في المسقبل؟
غيدار: استقرار ليبيا سيكون مرتبطا أساسا بما سيؤول إليه اقتصادها ونمط عيش الليبيين. أما الاختلافات بين الثوار فكانت ستحدث بطريقة أو بأخرى. والخطر سيكون إذا ما أدت هذه الانقسامات إلى العنف أو اعتداء فئة على فئة أخرى، وهذا لا أتوقع حدوثه لأن الجميع حاربوا من أجل أن يصبحوا ممثلين سياسيا، ومن أجل أن لا يتم استخدام العنف ضد الليبيين، وإلا فحدوث العكس سيعني خسارة كل ثمار الثورة.
هناك مخاوف وتوقعات بأن تتحول ليبيا إلى عراق ثان، هل تشاطر هذه المخاوف؟
غيدار: لا، لا يمكن أن تتحول ليبيا إلى عراق ثان لسبب بسيط وهو أنه لاوجود لاحتلال أجنبي وقوات أجنبية في ليبيا، الليبيون سيحكمون أنفسهم بأنفسهم وسيتحكمون في مستقبلهم. لذا لا أرى أي داع للمقارنة بين هذين البلدين لأن الأساس والأهداف والظروف ليست نفسها.
أجرت المقابلة: سهام أشطو
مراجعة: منصف السليمي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011