لماذا خسر الإسلاميون في انتخابات ليبيا؟
شهدت الانتخابات الليبية عدة مفاجآت: أولها كثافة الإقبال على التصويت حيث تجاوزت النسبة 62% من أجمالي المقترعين المسجلين. وثاني المفاجآت تمثل في فوزر المرأة بأكثر من 15% من الأصوات أي حوالي 30 مقعد بعد أن كان مجرد مشاركة المرأة يعتبر نتيجة ايجابية. الا ان المفاجأة الثالثة تعتبر الأكثر اهمية على الإطلاق ألا وهي خسارة التيار الإسلامي بأشكاله المختلفة لما بدأ وكأنه إعادة إنتاج تجربة مصر شرقا وتونس غربا في ليبيا، حيث اكتسح الإسلاميون السلطة المجالس التشريعية في كلا البلدين اللذين أطاحا بحكامهما قبل أن ليبيا. فلماذا يا ترى خسر الإسلاميون ما كان مضمونا لهم في ليبيا؟ وهل خسارتهم نهائية لا تعوض أم ان خروجهم من المشهد السياسي ما زال مبكرا؟
أسباب الخسارة
هنالك أربعة أسباب وراء خسارة الإسلاميين في ليبيا. أولها ممارسات أنصار الشريعة وخاصة في مدينة بنغازي خلال الشهرين الماضيين حيث دأبوا على استعراض قوتهم العسكرية عبر سلسلة مظاهرات مطالبة بتطبيق الشريعة واغلب تلك المظاهرات اكتست طابعا عسكريا تمثل في الحضور الكبير للمسلحين بمختلف أنواع الأسلحة ولم يترددوا عن الرماية في الهواء في وقت كانت الناس قد ملت أصوات الرصاص ومناظر القتل وأخبار الحرب والقتال. هذه الممارسات لاشك أنها أخافت الكثيرين وجعلتهم يعيدون النظر في كيفية تصويتهم. إلى جانبهم طبعا فإن ما فعله أنصار النظام الليبرالي من ممارسات أتمست بالعنف من قبيل سرقة المواد الانتخابية والاعتداء على بعض مراكز الاقتراع جعل الناخب خاصة في شرق ليبيا يتحسس خطر ربما أضحى وشيكا أن تمكن هؤلاء من تحقيق أهدافهم.
أما ثاني الأسباب فيكمن في أن تحالف القوى الوطنية الذي قاده محمود جبريل، رئيس وزراء حرب المتمردين السابق، يمثل تيارات و أراء سياسية مختلفة ومتباينة احيانا الا انها تمكنت من الالتقاء حول أجندة وطنية واسعة وشاملة وغير مقيدة بأي بعد أيدلوجي اعدا عن كونها تمثل الحد الأدنى وطنيا في هذه المرحلة وألتفت حول قيادة متمرسة و تتمتع بالكثير من الخبرة و المصداقية. فالدكتور محمود جبريل أدرك مبكر أن قانون الانتخابات يحابي التنظيمات السياسية الكبرى ولهذا السبب عمل بلا كلل على توحيد ما يزيد عن 60 حزبيا سياسيا صغيرا خاصة في غرب ليبيا ووسطها وعمل بنجاح على تنظيم عشرات الجمعيات الأهلية وغير الحكومية في تنظيم تحت اسم ملتقى جمعيات المجتمع المدني.
ومن المعروف أن الجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومة أكثر فاعلية في الدعاية لأنها تصل مباشرة للجمهور في مناطق نشاطها التي غالبا ما تكون تجمعات سكانية صغيرة خاصة في المدن الكبرى. وفي ظل انعدام التجربة الدعائية المتقدمة بسبب عدم وجود انتخابات سابقا فإن الدعاية الانتخابية التي تعتمد على الاتصال المباشر بين الناس اكثر فعالية من غيرها. كما أن الجمعيات الأهلية تتميز بقدرتها على التواصل مع قاعدة عريضة من الناس وعلى نطاق واسع عبر شبكة العلاقات الاجتماعية. كما أن الحملة الدعائية لتحالف القوى الوطنية أتمست بالحرفية والتنظيم العاليين.
دور المفتي
والسبب الرابع وراء خسارة الإسلاميين فيكمن في حقيقة ان كمية كبيرة من العنف خاصة في المدن الكبرى وتحديدا طرابلس بعد
نهاية الحرب ارتكبتها مليشيات مصنفة على انها أسلامية او قريبة من التيارات السياسية الإسلامية. والملفت للنظر أيضا أن الناخب الليبي بداء واعيا بدور القوى الأجنبية و تدخلاتها في الشأن الداخلي الليبي. وهذا أحد أسباب فشل حزب الوطن الذي يقوده عبدالحكيم بلحاج المعتقل السابق في غوانتناموا والمعروف في ليبيا بأنه رجل قطر. أما في حالة حزب جماعة الاخوان أي حزب العدالة والبناء يمكننا أن نضيف سبب أخر وهو أن الجماعة دخلت في نوع من المصالحة مع النظام السابق خاصة من عام 2008 الي 2011 وربما لايزال عدد كبير من الليبيين يتذكر الأمر بشئ من عدم الرضاء.
الفوز لا يعني سهولة الحكم
ولكن علينا أن نتذكر أن الفوز بأغلبية المقاعد لا يعني أبدا الحكم خاصة في بلد كليبيا لا يزال الحراك السياسي فيه يحبو وان لم تخل الساحة من لاعبين كبار لهم جذورهم وتاريخهم. وفي هدا الصدد فان خسارة الإسلاميين لاتعني شطبهم من اللعبة السياسية على الأقل ليس بعد. ونظرة فاحصة على النتائج تقول أن الإسلاميين يمكن لهم أن يكونوا على رأس المؤتمر الوطني (المجلس التأسيسي) أن هم تمكنوا من عقد تحالف مع بعض المستقلين أو أن بعض من هؤلاء أعلن أن ولائه الحقيقي هو للإسلاميين حتى وان نجح في الانتخابات كمستقل وهو تكتيك معروف لدى الإسلاميين وقد أستخدموه في أنتخابات المجلس المحلي في بنغازي شهرين قبل الانتخابات العامة. كما ان تحالف محمود جبريل يمكن ان ينقسم على نفسه! وعليه فإن فوز تحالف القوى الوطنية لا يعني أنه سيهيمن على المؤتمر الوطني العام ولا يعني أن المهمة التي تنتظر الحكومة المقبلة ستكون سهلة او بسيطة خاصة بعد فشل المجلس الوطني الإنتقالي و الحكومة الإنتقالية في أرساء دعائم مصالحة وطنية حقيقية بين الليبيين أفرادا وقبائل.
ومع أن حسن تنظيم الانتخابات وإعلان نتائجها وخسارة القوى الإسىلامية لا يعني حل مشاكل ليبيا المزمنة وعلى رأسها مشكلة المصالحة الوطنية التي أرها أكثر أهمية من الانتخابات ولا مشكلة التنافر القبلي بعد الحرب الدامية في العام الماضي وبعض الممارسات الإقصائية و سياسية التهميش التي أتبعتها الحكومة الانتقالية ضد مناطق بعينها على رأسها سرت وبني وليد. بالرغم من هذا كله فإن الانتخابات والطريقة التي سارت بها أظهرت حرص كبير جدا من قبل الليبيين على مستقبل بلدهم وابتعادهم عن التزمت والتطرف مهما كان نوعه إلا أنهم تعوزهم القيادة القوية المتمرسة التي تحظي بإجماع وطني بعد ان فشل المجلس الانتقالي وحكومته المؤقتة في تقديم أي قيادة وطنية حقيقية.
مصطفى الفيتوري
مؤاجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012
مصطفى الفيتوري أكاديمي وصحفي ليبي مستقل حائز على جائزة سمير قصير لحرية الصحافة عام 2010