كلمات أخيرة لمعتقل في سجون النظام السوري: "توقفوا، أنا أختنق"

(رويترز) - تبدأ في ألمانيا يوم الخميس أول محاكمة لأعضاء من الأجهزة الأمنية التابعة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد يشتبه في ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية منها التعذيب والاعتداء الجنسي. وأشاد أنصار هذه الخطوة بالإجراءات القضائية بوصفها أول خطوة نحو تحقيق العدالة لآلاف السوريين الذين يقولون إنهم تعرضوا للتعذيب في منشآت حكومية، وذلك بعد فشل المحاولات التي استهدفت إقامة محكمة دولية بشأن سوريا. وقال المحامي أنور البني المتخصص بالدفاع عن حقوق الإنسان ”الاعتقالات التعسفية والتعذيب هما السلاح الرئيسي الذي استخدمه نظام الأسد لإشاعة الخوف بين السوريين وإخماد مطالبهم بتحقيق الديمقراطية والعدالة“. ويقول البني إنه احتجز في سجن قرب دمشق على يد المشتبه به الرئيسي الذي سيحاكم في مدينة كوبلنز الألمانية. وأضاف ”هذه المحاكمة ستكسر حصانة المجرمين في سوريا بدءا من رأس النظام وصولا إلى أصغر مسؤول فيه“. ودأبت الحكومة السورية على نفي الأنباء التي أشارت إلى حدوث عمليات تعذيب وإعدام خارج نطاق القضاء في الصراع الدائر بالبلاد والذي راح ضحيته مئات الآلاف من الأشخاص. ونفى الأسد نفسه في السابق اتهامات من هذا النوع ضد الأجهزة الأمنية.

لسنوات عديدة، أنهك القلق والتساؤلات المهندس الفرنسي السوري عبيدة الدباغ. إذ كان ينام كل ليلة في سرير آمن في فرنسا، لكنه يتخيل أقاربه يقبعون في زنزانة صغيرة في أحد سجون النظام في سورية، قبل تبلغه خبر وفاتهم

تبدأ ألمانيا، غداً الخميس، أول محاكمة في العالم تحقق في انتهاكات منسوبة إلى النظام السوري، الذي تستهدفه أساساً دعاوى مماثلة في دول عدة، بينها شكوى تقدم بها الدباغ أمام القضاء الفرنسي. وفي وقت تتركز فيه الأنظار على المحاكمة المرتقبة في ألمانيا، يروي الدباغ لوكالة "فرانس برس" محنته التي تتشابه مع قصص عشرات آلاف عائلات المفقودين في سجون النظام السوري ذائعة الصيت.

وشكّلت الشكوى التي تقدم بها الدباغ متهماً النظام السوري بالإخفاء القسري والتعذيب والاغتيالات مقدّمة لصدور مذكرات توقيف في عام 2018، للمرة الأولى في فرنسا، بحق ثلاثة مسؤولين سوريين، بينهم رئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك.

ولطالما تحدثت منظمات إنسانية عن مآسٍ يتعرض لها المعتقلون في سجون النظام السوري ومراكزه الأمنية. ويقدّر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن ما لا يقل عن مائة ألف شخص قضوا تحت التعذيب أو نتيجة ظروف الاعتقال المروعة في سجون النظام، التي مرّ عليها نصف مليون شخص منذ بدء النزاع عام 2011. طوال خمس سنوات، بحث الدباغ عن معلومات توصله إلى معرفة مصير شقيقه مازن وابن شقيقه باتريك اللذين اعتقلتهما المخابرات الجوية السورية في نوفمبر 2013.

في 20 يوليو/ تموز 2018، تسلّمت زوجة أخيه من موظف في السجل المدني شهادتي وفاة مختصرتين أثارتا لديه آلاف التساؤلات: "أين ماتا؟ وكيف؟ أين دُفنا؟ هل نحن متأكدون من أنهما توفيا؟". ويقول عبيدة: "وفق الشهادتين، توفي باتريك بعد شهرين من اعتقاله، وشقيقي بعد أربع سنوات"، مضيفاً: "كان باتريك في التاسعة عشرة من عمره وتوفي جراء التعذيب. أما مازن، فكان يبلغ 59 عاماً، وعانى من ارتفاع في ضغط الدم. ربما لم يتحمل ظروف الاعتقال".

استجواب صغير

في صالون منزله بإحدى النواحي الباريسية، يتحدث المهندس بلا كلل، محاولاً ضبط مشاعره، قبل أن يضع على الطاولة ملفاً يتضمّن نسخاً من رسائل وجّهها إلى الرئيسين الفرنسيين فرنسوا هولاند ثم إيمانويل ماكرون، والإجراءات التي اتبعها لدى وزارة الخارجية والنواب من "أصدقاء" النظام السوري، والأجوبة ذاتها التي لطالما تلقاها ومفادها "اطمئن إلى أنّ...". لا تغيب صورتا شقيقه وابنه عن ذهنه. حين اقتيادهما إلى سجن المزة سيّئ السمعة في دمشق، كان مازن يعمل مستشاراً تربوياً في الليسيه الفرنسية، وباتريك في سنته الجامعية الثانية في كلية الآداب. اعتقدت العائلة حينها أن "المسألة لن تتعدى ساعات عدّة ومجرد استجواب صغير".

لاحقاً، علمت العائلة ما جرى خلال الساعات الأربع والعشرين الأولى من الاعتقال، من شاهد اعتُقل في الوقت ذاته ثمّ أُطلق سراحه. وينقل عبادة عن الشاهد قوله: "طلبوا منهما الانتظار واقفين ووجهاهما إلى الحائط من دون كلام. بقيا كذلك لـ12 أو 13 ساعة. حاول باتريك طمأنة والده، ثمّ فُصلا. دخل مازن إلى حجرة (..) في السجون السورية، حيث يوضع ستون شخصاً في بضعة أمتار مربّعة". وكانت الكلمات الأخيرة التي ردّدها مازن وفق الشاهد "توقفوا، توقفوا، أنا أختنق".

سجون النظام السوري ذائعة الصيت( نظير الخطيب/فرانس برس)

الأكثر مشاهدة

1

حكومة نتنياهو المقبلة معلّقة بقرار المحكمة العليا

2

البرلمان البريطاني يسعى لتحويل جلساته إلى العالم الافتراضي

3

كورونا يهدد السلم الاجتماعي ويفاقم الانقسامات الدولية

4

عنف الشرطة يفجّر الغضب في ضواحٍ باريسية

5

كورونا أمام مجلس الأمن: الغذاء والمساعدات كسلاح خلال الحروب

6

رهانات روسية على التطبيع مع الغرب بعد أزمة كورونا

كلمات أخيرة لمعتقل في سجون النظام السوري: "توقفوا، أنا أختنق"

22 أبريل 2020

لسنوات عديدة، أنهك القلق والتساؤلات المهندس الفرنسي السوري عبيدة الدباغ. إذ كان ينام كل ليلة في سرير آمن في فرنسا، لكنه يتخيل أقاربه يقبعون في زنزانة صغيرة في أحد سجون النظام في سورية، قبل تبلغه خبر وفاتهم.

تبدأ ألمانيا، غداً الخميس، أول محاكمة في العالم تحقق في انتهاكات منسوبة إلى النظام السوري، الذي تستهدفه أساساً دعاوى مماثلة في دول عدة، بينها شكوى تقدم بها الدباغ أمام القضاء الفرنسي. وفي وقت تتركز فيه الأنظار على المحاكمة المرتقبة في ألمانيا، يروي الدباغ لوكالة "فرانس برس" محنته التي تتشابه مع قصص عشرات آلاف عائلات المفقودين في سجون النظام السوري ذائعة الصيت.

وشكّلت الشكوى التي تقدم بها الدباغ متهماً النظام السوري بالإخفاء القسري والتعذيب والاغتيالات مقدّمة لصدور مذكرات توقيف في عام 2018، للمرة الأولى في فرنسا، بحق ثلاثة مسؤولين سوريين، بينهم رئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك.

ولطالما تحدثت منظمات إنسانية عن مآسٍ يتعرض لها المعتقلون في سجون النظام السوري ومراكزه الأمنية. ويقدّر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن ما لا يقل عن مائة ألف شخص قضوا تحت التعذيب أو نتيجة ظروف الاعتقال المروعة في سجون النظام، التي مرّ عليها نصف مليون شخص منذ بدء النزاع عام 2011. طوال خمس سنوات، بحث الدباغ عن معلومات توصله إلى معرفة مصير شقيقه مازن وابن شقيقه باتريك اللذين اعتقلتهما المخابرات الجوية السورية في نوفمبر 2013.

في 20 يوليو/ تموز 2018، تسلّمت زوجة أخيه من موظف في السجل المدني شهادتي وفاة مختصرتين أثارتا لديه آلاف التساؤلات: "أين ماتا؟ وكيف؟ أين دُفنا؟ هل نحن متأكدون من أنهما توفيا؟". ويقول عبيدة: "وفق الشهادتين، توفي باتريك بعد شهرين من اعتقاله، وشقيقي بعد أربع سنوات"، مضيفاً: "كان باتريك في التاسعة عشرة من عمره وتوفي جراء التعذيب. أما مازن، فكان يبلغ 59 عاماً، وعانى من ارتفاع في ضغط الدم. ربما لم يتحمل ظروف الاعتقال".



استجواب صغير

في صالون منزله بإحدى النواحي الباريسية، يتحدث المهندس بلا كلل، محاولاً ضبط مشاعره، قبل أن يضع على الطاولة ملفاً يتضمّن نسخاً من رسائل وجّهها إلى الرئيسين الفرنسيين فرنسوا هولاند ثم إيمانويل ماكرون، والإجراءات التي اتبعها لدى وزارة الخارجية والنواب من "أصدقاء" النظام السوري، والأجوبة ذاتها التي لطالما تلقاها ومفادها "اطمئن إلى أنّ...". لا تغيب صورتا شقيقه وابنه عن ذهنه. حين اقتيادهما إلى سجن المزة سيّئ السمعة في دمشق، كان مازن يعمل مستشاراً تربوياً في الليسيه الفرنسية، وباتريك في سنته الجامعية الثانية في كلية الآداب. اعتقدت العائلة حينها أن "المسألة لن تتعدى ساعات عدّة ومجرد استجواب صغير".

لاحقاً، علمت العائلة ما جرى خلال الساعات الأربع والعشرين الأولى من الاعتقال، من شاهد اعتُقل في الوقت ذاته ثمّ أُطلق سراحه. وينقل عبادة عن الشاهد قوله: "طلبوا منهما الانتظار واقفين ووجهاهما إلى الحائط من دون كلام. بقيا كذلك لـ12 أو 13 ساعة. حاول باتريك طمأنة والده، ثمّ فُصلا. دخل مازن إلى حجرة (..) في السجون السورية، حيث يوضع ستون شخصاً في بضعة أمتار مربّعة". وكانت الكلمات الأخيرة التي ردّدها مازن وفق الشاهد "توقفوا، توقفوا، أنا أختنق".

توقيت العدالة

شكلت السجون والمعتقلات السورية محور تقارير أعدّتها منظمات دوليّة عدّة، موثّقة فصولاً من حلقات الرعب داخلها. وروى معتقلون ناجون شهادات مروّعة لما اختبروه خلف القضبان. ووُثِّقَت الانتهاكات في السجون السورية منذ أربعين عاماً.

في عام 2014، كشف مصور سابق في الشرطة العسكرية صوراً تظهر جثثاً تحمل آثار تعذيب في سجون النظام بين عامي 2011 و 2013. وتمكن العنصر السابق المعروف باسم مستعار هو "قيصر" من الهرب من سورية صيف عام 2013، حاملاً معه 55 ألف صورة مروّعة. لم يكن لمازن وباتريك أثر في تلك الصور، لكونهما اعتقلا بعد انشقاق قيصر. ولكن بعد علمه بتشكيل المكتب المركزي لمكافحة الجرائم ضد الإنسانية في فرنسا، قرّر عبادة تقديم شكوى.

وقال: "قلت في قرارة نفسي، إنّ عليّ أن أفعل كل شيء، ولو كان ذلك عديم الفائدة". تسلّم الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان ملفّه عام 2015، وحرّكه إعلامياً، وأدت الإجراءات إلى إصدار مذكرات توقيف عام 2018.

ويرى عبادة أن "توقيت العدالة ليس توقيتاً إنسانياً، لكن شيئاً فشيئاً، تُحدَّد المعالم. ويظهر ذلك للنظام أنه سيُلاحَق في يوم ماً". ويعتبر أن مضي ألمانيا في محاكمة عنصري مخابرات سورية متهمين بممارسة التعذيب في السجون، "سيسمح بأن يطّلع العالم على ما جرى ويجري في سورية". ويقول عبادة: "آمل أن يُصار في يوم من الأيام إلى محاكمات أيضاً في فرنسا" مضيفاً: "سيُعاقَب المجرمون ويسقطون. لكن ستتاح لهم فرصة لمحاكمة ومعاملة حسنة في السجن".

(فرانس برس)