إدوارد سعيد: رحلة فكر سعيد على لسان صديقه تزفيتان تودوروف
تكريما لروح الصداقة التي جمعت إدوارد سعيد وتزفيتان تودوروف يعود الأخير في هذا المقال إلى نقاط تشابه حياتيهما معا وكذلك إلى اختلاف مشارب تفكيرهما المنهجي على الرغم من تشابه المواضيع التي اهتمَّا بها في مسارهما الفكري. فمن تجربة المنفى وهروبهما من سلطة القهر والسلب يقول تودوروف اشترك الاثنان في القدر وفي المصير. وبينما لم يستطع الاثنان تجاوز القدر إلا أنهما اختارا عن طواعية واقتناع المصير الفكري، وجعلا من قهر المنفى مبدأً فكريا نبيلا غيَّر فهمنا للمثقف ولدوره تغييرا جذريا.
ليس المثقف خادما لجماعة ولا شاعر بلاط، إن المثقف خاصة بالنسبة لسعيد هو من يتبنى «الهامش وقضاياه الخاسرة». وبينما اقتنع تودرورف بصواب فهم سعيد في شأن المثقف ودوره إلا أن القيمة الأساس في أعماله كما يوضح في المقال، لم تكن بجذرية سعيد القريبة في رفضها ومساءلتها لأي سلطة من الطرح الأناركي، بل كانت «تحرر الفرد في بحثه عن الإجماع». بينما رأينا سعيدًا وعلى الرغم من انشغال حياته المهنية والسياسية والشخصية بالقضية الفلسطينية إلا أنه أعاد النظر في انتمائه لبرلمان الشتات الفلسطيني وهاجم في مقالات صحفية عديدة جُمعت في كتاب دعاه “نهاية عملية السلام: أوسلو وما بعدها” فساد محيط السلطة الفلسطينية تحت قيادة الراحل ياسر عرفات، وطابع سلوكها المتسلط والبعيد عن الاحتراف السياسي الذي احتاجته القضية آنذاك، كما لا زالت في حاجة إليه اليوم.
تودوروف إذن لا ينعى سعيدًا هنا، بل يقدم صورة صديق قريب منه ومن انشغاله المهني والفكري. نرى في المقال كيف تحدد تجارب المثقف الشخصية حياته المهنية وميوله السياسي، ونتعلم منه كيف يمكن لكل منا أن يُجمِّل آلامه المضنية ويجعل من العالم كما يقول تودوروف مكانا أقرب إلى القلب.
تزفيتان تودوروف هو فيلسوف وناقد أدبي فرنسي من أصل بلغاري، ولد سنة 1939، وتوفي سنة 2017. من أهم مؤلفاته: فتح أمريكا وسؤال الآخر (1984)، نظريات الرمز (1982)، والخوف من البرابرة: ما وراء صراع الحضارات.