العراق نموذجا لأفغانستان؟

يرى غيدو شتاينبرغ، الباحث في شؤون الشرق الأوسط، أن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في أفغانستان تحتم على الأوروبيين اتخاذ قرارات مهمة تصب في دعم رؤية أوباما بشأن الصراع في هذا البلد، متسائلا في الوقت ذاته عمّا إذا كانت الاستراتيجية الأمريكية في العراق يصلح تطبيقها في أفغانستان.

بعد مرور فترة قصيرة على تولي باراك أوباما مهام منصبه رئيساً للولايات المتحدة بدأت ترتسم في الأفق الملامح الأولى لسياسته تجاه العراق وأفغانستان. وتتمتع أفغانستان في هذا السياق بالأولوية المطلقة، ولذلك صدر قرار بزيادة عدد القوات الأمريكية هناك ليصل إلى 17 ألف جندي. بالإضافة إلى ذلك أوضح أوباما أنه لا يريد الاعتماد على استراتيجية عسكرية محضة، بل يسعى للاهتمام بالتركيز على إعادة بناء البلاد الواقعة على سفح جبال الهندوكوش. وهناك دلائل عديدة تشير إلى أن الجيش الأمريكي والقيادة السياسية قد بدأوا يطبقون في أفغانستان عناصر مهمة من الاستراتيجية التي طُبقت في العراق من عام 2006 حتى 2009.

لقد كانت التهدئة التدريجية للوضع في العراق منذ عام 2007 نجاحاً كبيراً لإدارة بوش. وفي غضون العامين اللاحقين تمكنت الولايات المتحدة وشركاؤها العراقيون من إنهاء الحرب الأهلية المستعرة في البلاد ومن إعادة الهدوء إلى الوضع الأمني. صحيح أن مستوى العنف ما زال مرتفعاً، غير أن الاعتداءات الوحشية الفظيعة أصبحت في عداد الماضي. ولهذا النجاح أسباب ثلاثة: أولاً: ارتفاع عدد القوات الأمريكية من ثلاثين ألفاً إلى مئة وستين ألفاً وكذلك التغيرات في التكتيك العسكري. ثانياً: المفاوضات مع المتمردين السنة لحثهم على التخلي عن المقاومة المسلحة. ثالثاً: التعامل الحازم مع المليشيات الشيعية، وبصورة خاصة مع جيش المهدي الذي يقوده رجل الدين الشعبوي مقتدى الصدر.

استراتيجية جديدة

لقد استفاد الجيش الأمريكي في العراق من القوات الإضافية لمواجهة المتمردين على نحو أكثر فعالية، وأسس نقاط حراسة صغيرة خارج قواعده الكبيرة لكي يظهر وجوده ويحمي السكان. وهكذا نجح الجيش في إجبار المتمردين على التراجع وانتهاج سياسة دفاعية. وعلى نفس الدرجة من أهمية الهجمات المكثفة كانت المفاوضات التي أجريت مع تلك الجماعات السنية التي كانت في المقام الأول تخوض صراعاً ضد قوات الاحتلال الأمريكية دون أن يكون لها أهداف تتعدى العراق. وفي هذا السياق استفادت القوات الأمريكية من أن تنظيم القاعدة قد عزل نفسه بنفسه في العراق عبر العمليات التي نفذتها القاعدة وتميزت بوحشية لا نظير لها. وابتداءً من نهاية عام 2006 كوّن المتمردون السابقون مليشيات حاربت بالتعاون مع القوات الأمريكية وجهاديي القاعدة.

كن النقطة الأهم هي الهجوم الذي شنته القوات الأمريكية على المليشيات الشيعية في بغداد، وبصورة خاصة على جيش المهدي الذي أدت أعمال العنف التي ارتكبها ضد السنة في بغداد إلى حدوث تصعيد في الحرب الأهلية. الاستراتيجية الجديدة في العراق التي أعلنها الرئيس بوش في نياير (كانون الثاني) عام 2007 كانت في المقام الأول بمثابة إعلان حرب على حركة الصدر. في إثر ذلك قرر جيش المهدي عدم الدخول في مواجهة مفتوحة مع القوات الأمريكية المتفوقة، وهكذا لم تعد الحركة تمثل خطراً على الأمن الداخلي للبلاد ابتداء من مطلع عام 2009.

ورغم كل النجاحات العسكرية يبقى التقدم السياسي في العراق عملة نادرة. وتتبلور الصراعات اليوم بصورة واضحة بين رئيس الوزراء العراقي المالكي الذي تقوت مكانته وبين الأحزاب الكردية، وقد تتفاقم تلك الصراعات وتغدو عسكرية. إلى جانب ذلك فإن قوات الجيش والشرطة العراقية ما زالت ضعيفة، بينما ما زال العدد الأكبر من المليشيات على قيد الحياة، وما زال الضباب يكتنف مستقبله.

سيبقى العراق لسنوات طويلة قادمة معتمداً على وجود القوات الأمريكية. هذه الضرورة أدركتها إدارة أوباما أيضاً. صحيح أنها أعلنت في نهاية فبراير (شباط) انسحاب القوات الأمريكية حتى شهر أغسطس (أب) 2010، ولكن حتى بعد ذلك التاريخ فسيبقى على الأقل حتى نهاية 2011 نحو خمسين ألف جندي متمركزين في بلاد الرافدين.

أفغانستان....التجربة الأخرى

وعلى عكس ذلك كان التطور الذي شهدته أفغانستان، حيث قويت شوكة المتمردين من قوات طالبان على نحو واضح منذ 2005 / 2006 وهي تمارس ضغطاً كبيراً على القوات الدولية هناك. فمن ناحية انتقلت قوات المتمردين لتمارس عمليات عسكرية معقدة على نحو يتزايد باطراد، وهي عمليات تشارك فيها قوات كبيرة، ما يمثل دليلاً مهماً على قوتها المُكتسبة حديثاً.

من ناحية أخرى فإنها تبنت التكتيك الذي يتبعه المتمردون العراقيون، لاسيما فيما يتعلق بوضع متفجرات على حافة الطرق وتنفيذ عمليات انتحارية. أما أهم أسباب تقوية شوكة طالبان فهو أن إدارة بوش لم تظهر سوى اهتمام ضئيل بما يحدث في أفغانستان وباكستان، وأنها قامت بسحب عناصر من الجيش والمخابرات في عام 2002 من جنوب آسيا لتبعث بهم إلى العراق. صحيح أن إدارة بوش قامت بتصحيحات مبدئية لتلك السياسة في عام 2008، غير أن إدارة أوباما هي التي قامت بتحديد أولويات جديدة تماماً في تلك المنطقة. لكن ذلك لم يصبح ممكناً إلا بعد عودة الهدوء إلى العراق منذ عام 2007.

لن تحاول الحكومة الأمريكية الجديدة أن تنقل بصورة كاملة الاستراتيجية الناجحة من العراق إلى أفغانستان، غير أن الخبرات التي مرت بها في العراق ستقدم لها دروساً ثلاثة مهمة بالنسبة إلى أفغانستان:

أولاً: من الممكن أن تمثل زيادة عدد القوات العسكرية أساساً لمواجهة المتمردين مواجهة ناجحة. في حالة أفغانستان فإن النجاح يتوقف على تغيير الاستراتيجية العسكرية، مثلما حدث في العراق عام 2007. ويجب أن تهتم الاستراتيجية الجديدة في المقام الأول بتواجدها خارج المدن أيضاً، وأن توفر الحماية للسكان المدنيين من المتمردين. غير أن زيادة عدد القوات الأمريكية كما هو مقرر الآن لا يكفي للنهوض بتلك الاستراتيجية.

ثانياً: إن إجراء مفاوضات مع الخصم يمثل قراراً صائباً. وحسب الموقف الراهن فمن الممكن أن يكون الهدف هو إقناع طالبان بقبول اتفاق سياسي مع الحكومة في كابول، أو على الأقل إقناع أجزاء من حركة المقاومة بإنهاء نشاطها، وهو أمر جدير بأن يحدث أيضاً مع طالبان. وتتكون الحركة كلها من ثلاثة أجزاء: النواة الطالبانية تحت قيادة المُلا عمر، وشبكة حقاني تحت قيادة جلال الدين حقاني، والحزب الإسلامي تحت قيادة قلب الدين حكمتيار. ومن المفيد كذلك إجراء مفاوضات مع قادة القبائل والميليشيات المحلية في أفغانستان. بمثل تلك الخطوات حقق الأمريكان نجاحاً في العراق. ولكن يجب حماية الحلفاء الجدد من تأثير طالبان، وهو ما يستدعي استمرار وجود قوات الناتو في الأراضي الأفغانية، ويجعل من الضروري زيادة عددها.

فوارق مهمة

إن الفارق الأهم بين العراق وأفغانستان هو أن المتمردين العراقيين قد خرجوا خاسرين من الحرب الأهلية التي خاضوها في عام 2006 مع المليشيات الشيعية. ولهذا السبب وحده انضم عدد كبير منهم إلى الأمريكان. أما حركة طالبان فلا تواجه عدواً أفغانياً قوياً، فحكومة الرئيس حميد كارزاي تترك الصراع المسلح لقوات حلف الأطلسي. بالإضافة إلى ذلك فإن أمام قوات طالبان منطقة انسحاب ممتازة، إذ إن الجيش الباكستاني يغض النظر عن نشاطها، بهدف استعادة نفوذه المفقود في أفغانستان. وهذا يعني ضرورة إشراك باكستان في الاستراتيجية الأفغانية الجديدة. وسيكون ثمن التعاون الباكستاني هو مشاركة المجموعات الموالية لباكستان في السلطة. وسيكون ذلك صعباً لأسباب عديدة، منها أن حكومة كارزاي تعارض ذلك أشد المعارضة.

إن التصريحات والخطوات الأولى لإدارة أوباما تشير إلى أنها ستتبع استراتيجية شبيهة بذلك. سوف ترسل الإدارة الأمريكية قوات إضافية إلى أفغانستان، وستحاول أن تستفيد من التحسن المستقبلي في الوضع الأمني لصالح إعادة إعمار البلاد على نحو أكثر فعالية، ولصالح التدريب المكثف لقوات الشرطة والجيش. وسوف تحاول في الوقت نفسه أن تخوض مفاوضات من موقع القوة: من ناحية مع جزء من طالبان، ومن ناحية أخرى مع باكستان والدول المجاورة الأخرى مثل إيران وروسيا والهند أيضاً. وكان ريتشادر هولبروك، المبعوث الجديد الخاص بباكستان وأفغانستان، قد دعا مراراً إلى إشراك دول المنطقة في حل الصراع. وربما تمثل حكومة كارزاي أكبر حجر عثرة في طريق تطبيق هذه الاستراتيجية، إذ إن الحكومة أثبتت حتى الآن عجزها عن المساهمة في التوصل إلى حل لمشكلات أفغانستان.

مطالب من الأوروبيين

إن الاستراتيجية الجديدة للأمريكان في أفغانستان تجبر ألمانيا وأوروبا على اتخاذ قرارات. إذا كان الأوروبيون يريدون التأثير في الأحداث، فعليهم أن ينهضوا بالواجبات الملقاة على عاتقهم بالفعل، ولكن على نحو أكثر فعالية مما يحدث الآن. عما قريب ستدعو الولايات المتحدة وتلح إلحاحاً أكثر وضوحاً من أجل زيادة عدد القوات الأوروبية في أفغانستان. وفي نهاية مارس (آذار) عام 2009 يريد باراك أوباما أن يعرض على الحلفاء استراتيجيته الجديدة بخصوص أفغانستان. عقب ذلك سيتحتم على الأوروبيين أيضاً أن يقرروا ما إذا كانوا يريدون إرسال قوات إضافية إلى هناك. وإذا سارت إدارة الولايات المتحدة على هذه الخطوط العريضة، فعلى الأوروبيين أن يلبوا مطالب الأمريكيين بقدر الإمكان.

غيدو شتاينبرغ
ترجمة: صفية مسعود
حقوق الطبع: قنطرة 2009

غيدو شتاينبرغ، باحث في شؤون الشرق الأوسط منذ خريف 2005 في معهد الدراسات الدولية والأمنية في برلين. قبل ذلك كان شتاينبرغ يعمل في المستشارية الألمانية.

قنطرة

العراق على مفترق طرق:
فترة انتقالية في الحرب الأهلية
على الرغم من نجاح الاستراتيجية الأمريكية الملموس في خفض حدة العنف الطائفي في العراق، إلا أن خطورة انزلاق البلاد نحو حرب أهلية مازالت قائمة ما لم تتم مصالحة سياسية حقيقية في هذا العام بين مختلف الأحزاب السياسية. غيدو شتاينبيرج في قراءة تحليلية للتطورات الأخيرة في بلاد الرافدين.

الحرب في أفغانستان:
حدود القدرات الاستراتيجية للحلف الأطلسي
تشكل الحرب الدائرة في أفغانستان تحديا كبيرا بالنسبة لحلف شمال الأطلسي. فرصيد النجاح الذي حققته قوات كل من الناتو والائتلاف في كفاحها القائم ضد حركتي طالبان والقاعدة يتسم بالضآلة. مقال بقلم تيمو نوتسيل وسيبيللي شايبرز

باكستان والحرب على الإرهاب:
بلد على شفير الهاوية
لم تؤدِ "الحرب على الإرهاب" التي يتم خوضها بطريقة سيّئة إلى تأجيج نار التطرّف في باكستان وحسب، بل صارت تهدّد الآن أيضًا بتمزيق هذا البلد الذي يعاني أصلا من اضطرابات سياسية ومشكلات أمنية، حسب رأي أحمد رشيد في التعليق التالي.