الغاز الروسي أهم من حرية الرأي!
كيف تصفين المشهد الصحفي والإعلامي اليوم في الشيشان؟
ماينات عبدولايفا: تصدر في الشيشان أكثر من خمسين صحيفة إضافة إلى وجود عدة محطات تلفزة كلها تنشر وتبث كل جديد في العالم، عن الأمير شالرز وأبنائه وعن جنيفر لوبيز وغيرهم، عن كل شيئ باستثناء شيئ واحد: عما يحدث فعلاً في الشيشان. إنها صحافة خاضعة لرقابة شديدة وواقعة تحت سيطرة الدولة. مهمتها تتلخص فقط في التهليل للحكومة الشيشانية ولإعادة الإعمار وللأبنية الجديدة الجميلة. أما الصحافة الحرة الناقدة فغير مرغوب بها.
تتعرض الصحافة منذ سنوات عدة لضغط شديد مما أدى إلى بث الذعر في قلوب الصحافيين المستقلين الذين باتوا يخافون على حياتهم لا سيما بعد إغتيال الصحافية أنّا بوليتكوفسكايا. لقد كان قتلاً رمزيا من شأنه إيصال رسالة إلى جميع الصحافيين مفادها: هذا مصير كل من يتجرأ على قول الحقيقة.
إذن تخضع الصحافة لقيود ليس فقط في الشيشان بل في روسيا أيضاً؟
عبدولايفا: الشيشان هي مرآة الوضع في روسيا، الصحافة الحرة في روسيا موجودة فقط في مواقع الإنترنت. اضطر نخبة الصحافيين المستقلين إلى العدول عن هذه المهنة ومُنع أصحاب المبادئ والذين يرفضون أن يتحولوا إلى جزء من آلة الكذب الرسمية من نشر نتاجهم.
كيف ترين التطورات التي حصلت في السنوات الأخيرة؟
عبدولايفا: لقد ازداد بالفعل الضغط على الزملاء في روسيا، فعند اتصالي بهم يخبرونني عن تدهور الأحوال، ويضيفون ألا أمل لي في مواصلة عملي كصحفية عند عودتي، فقد ازداد الوضع سوءاً منذ قدومي إلى ألمانيا – كما يقولون، لا سيما في هذه الأيام حيث اقتربت الإنتخابات البرلمانية وكل موقف يختلف عن موقف الحكومة محرم.
ما رأيك عن موقف الإتحاد الأوروبي؟
عبدولايفا: في الحقيقة يهتم رؤساء حكومات الاتحاد الأوروبي بالصفقات التجارية مع روسيا أكثر من اهتمامهم بوضع حقوق الإنسان هناك. لم أعد أحلم منذ فترة أصلاً أن يتوسط الإتحاد الأوروبي مع بوتين. الغاز الروسي أهم من حرية الرأي في روسيا وأهم أيضاً من الدماء التي ما برحت تُسفك في الشيشان.
قُتل في السنوات الأخيرة ما يقرب مائتي ألف إنسان بينهم حوالي أربعين ألف طفل من شعب لا يزيد عدده عن مليون نسمة وأوروبا تلتزم الصمت تجاه ذلك، على الأقل ممثلي حكوماتها. يتكلمون بكل حذر عن الشيشان عندما يكون هناك مأزق في التفاوض مع بوتين وينسونها مباشرة بعد دقائق.
ما الدور الذي يلعبه برأيك اعتناق معظم سكان الشيشان الإسلام؟
عبدولايفا: أنا على ثقة أن هذه الحقيقة تلعب إلى جانب المصالح الإقتصادية دوراً كبيراً في تغاضي أوروبا عن موضوع الشيشان. من الصعب في يومنا هذا مواجهة الجنون الدائر حول الإرهاب الإسلاموي مع العلم أن هذا الخطر افتراضي أكثر منه واقعي حسب رأيي. ولكن بسيناريو الخطر هذا تتمكن الحكومات في توجيه الرأي العام وبحجة مكافحة الإرهاب يمكنهم بتر حرية الرأي والحرية عامة. هم بحاجة لصورة العدو هذه.
ويمكننا حتى القول – إن صح التعبير- أنه من سوء حظ الشيشانيين أنهم مسلمون. نجح بوتين بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول في تصنيفهم في خانة الإرهاب الإسلاموي والعالم وقف مكتوف الأيدي مع العلم أن أسباب الصراع مختلفة تماماً. اعتنق الشيشانيون الدين الإسلامي قبل مائتي عام فقط، أما كفاحهم من أجل استقلالهم فعمره أكثر من أربعمائة عام.
برأيك ما الذي يجب أن يحصل؟
عبدولايفا: طالما أن بوتين أو أحد دُماه يعتلي سدة الحكم فلن يحدث أي تقدم ملحوظ، لقد أُنهك الشعب الشيشاني من التعب، فقد أي بريق أمل، يريد فقط البقاء على قيد الحياة وتجنب القصف والتفجيرات، يعني سلام أي كلام، المهم الخلاص.
وهل هناك في المنفى قوى تريد أن تفعل شيئاً من الخارج؟
عبدولايفا: هناك عدة مواقع الكترونية تعبر فيها مجموعات مختلفة عن رأيها. تناشد بعض تلك المواقع بالإستقلال وبعضها الآخر عبارة عن مجرد منتدى للأشخاص المعارضة للحكومة الحالية. ولكن كل هذه المواقع ينقصها التنظيم والهيكلة.
ماذا تقولين بعد أن سمعت أن ألمانيا رفضت طلب اللجوء المقدم من قبل الشاعر أبتي بيسولتانوف الذي عاش هنا لسنوات طويلة؟
عبدولايفا: لم أستغرب أبداً في الحقيقة، فأنا أعرف العديد من الأشخاص الذي تم ترحيلهم من ألمانيا ويعانون من شبح المطاردة والتعذيب في الشيشان وروسيا، فألمانيا تُعيدهم إلى هناك رغم الخطر الذي يحدق بهم. من جهة أخرى توقعت بالفعل أن أبتي بيسولتانوف سوف تشفع له شهرته العالمية حتى ولو قليلاً. فهو مشهور في الأروقة الأدبية. رغم كل ذلك تم رفض طلبه مدعماً بحجج واهية.
وتجدر الإشارة أنه ليس له أدنى علاقة مع إرهابيين. كان بصفته وزيراً اجتماعياً مسؤولاً عن المستشفيات وما شابهها من مرافق. ليس هناك أي دليل ضده. تم الإستناد في رفض طلبه اللجوء على تخمينات غير مدعمة. ومن خلال هذا الحكم تُصنف الحكومة السابقة التي اختارها الشعب الشيشاني بمحض ارادته في خانة المجرمين دون أي أساس لهذا التخمين.
ما رأيك في موقف الإعلام الألماني من أحداث الشيشان؟
عبدولايفا: لقد قلت مراراً وتكراراً إنها حرب منسية، فالصحافة لا تكتب عن الشيشان إلا في حال حدوث حدث مروع مثل عملية انتحارية أو خطف، أو مثلاً في الآونة الأخيرة في قضية قتل أنّا بوليتكوفسكايا. من المؤسف كيف أن الموضوع يصبح مهماً فقط حين مقتل شخص مثل أنّا بوليتكوفسكايا، حتى مثل هذا الحدث يُكتب عنه أسبوع ومن ثم يذهب طي النسيان.
كم يمكنك البقاء في ألمانيا في إطار منحة "كتاب في المنفى"؟
عبدولايفا: تم تمديد المنحة ثلاث مرات وهذا هو الحد الأقصى وتنتهي آخر عام 2007.
هل ستقدمين طلب لجوء من بعدها؟
عبدولايفا: ولا بأي حال من الأحوال. صحيح أني أشعر بالراحة والطمأنينة في ألمانيا ولكني لا أريد أن أكون بلا حراك، بل أريد العمل في الصحافة وأنوي العودة إلى الشيشان أو روسيا حالما تسنح الفرصة.
هل أنت متأكدة أنك تستطيعين السفر إلى الشيشان الآن؟
عبدولايفا: لست متأكدة بالطبع إن كان باستطاعتي الذهاب إلى هناك أو إن كان مسموحاً لي أصلاً بذلك لأن الشيشان فعلياً ما زالت في حالة حرب، مع العلم أن الحرب اتخذت شكلاً آخر ولم تعد واضحة كما كانت. ولكنها ما زالت بلداً يسوده العنف وتُخنق حرية فيه الرأي فيه ويُخطف يومياً العديد من الأشخاص ويقتل العديد أيضاً.
أجرت الحوار أريانا ميرزا
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده
حقوق الطبع قنطرة 2007
عملت ماينات عبدولايفا كمراسلة صحافية لصحيفة "نوفايا غازيتا" الروسية وكصحفية حرة في شمال القوقاس منذ بدء الحرب الشيشانية الثانية. ونُشرت مقالاتها أيضاً في بعض الصحف الألمانية. اضطرت لمغادرة روسيا في نوفمبر/تشرين الثاني 2004 بعد تلقيها تهديدات بالقتل وتعيش منذ ذلك الحين في ألمانيا بعد حصولها على منحة دراسية من مركز القلم الألماني.
قنطرة
عيدي أمين القوقاز؟
انتخب برلمان الشيشان الذي لا يعد كونه دمية في أصابع موسكو رمضان قاديروف رئيسا للبلاد. ماركوس بينسمان يعرفنا بالمصارع السابق الذي اشتهر بسياسته القمعية ودمويته
الشعر والدين مترابطان
يقيم الشاعر الشيشاني آبتي بيسولتانوف منذ سنتين في ألمانيا. في أشعاره يلتقي القارئ بعناصر لطرائق تجريبية تشتغل على أنماط تقليدية من الأدب الشيشاني إلى جانب مقاطع من الشعر الحر. زيغلنده غايزل تعرفنا بالشاعر