أيديولوجيا لتحصين أوروبا وعزلها ؟
لقد فقد مفهوم "القيم الأوروبية" منذ بداية ما يعرف باسم أزمة الرسومات الكاريكاتورية التي بدأت قبل عامين الكثير من براءته. إنَّ التصريح الصحفي الذي صدر عن المفوضية الأوروبية في الـ15 من شهر شباط/فبراير 2005 بخصوص الاحتجاجات التي وقعت حينها في الكثير من الدول الإسلامية وكان بعضها عنيفًا، هذا التصريح الذي كان يعكس تقريبًا تصريحات كلِّ حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لا يعتبر إلاَّ مجرّد مؤشِّر من بين مؤشِّرات كثيرة تدل على اتجاه عام نحو المزيد من الأيديولوجيا من أجل أوروبا:
"تعدّ حرية الرأي والصحافة من أولويات قيمنا الأوروبية"، هذه هي الرسالة الأساسية الموجَّهة إلى الجماهير في كلٍّ من أوروبا وفي البلدان العربية والبلدان الأخرى ذات الأغلبية المسلمة.
فهل تعتبر القيم التي بنيت عليها حقوق الإنسان خاصية من خواص الحضارة الأوروبية التي تعزل قارتنا الأوروبية عن مناطق العالم الأخرى؟ لقد تمنى الكثيرون أن يكون سوء استغلال حقوق الإنسان وجعلها سلاحًا أيديولوجيًا في الحرب الباردة قد انتهى مع مؤتمر حقوق الإنسان الذي عقدته هيئة الأمم المتحدة في عام 1993 في العاصمة النمساوية والذي احتفل فيه بالإعلان عن أنَّ "جميع حقوق الإنسان عالمية وغير قابلة للتجزئة".
القيم وسيلة للانعزال
إنَّ الجدل الذي يدور في الوقت الراهن حول "القيم الأوروبية" يتمحور حول فكرتين أساسيتين؛ فهناك رأي "أساسي" يؤكِّد وجود اختلافات ثقافية جوهرية بين أوروبا ومناطق العالم الأخرى. وهناك رأي آخر يطالب أوروبا بالمزيد من "العمل" من أجل تطبيق حقوق الإنسان العالمية التي تشكِّل - على الأقل كما يرد على الورق - الأساس الذي تستند إليه القيم الخاصة بكلِّ المجتمع الدولي.
يوجد لدى كلا الرأيين المتجادلين حول القيم الأوروبية تصوّرات لأهداف سياسية مختلفة، تتجلى في الصراع على أمور منها التأثير في الرأي العام وجعله يؤيِّد أو يعارض دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ومختلف نماذج وأشكال دمج مجموعات السكان المسلمين.
وبهذا يتحوّل الجدل الذي يدور حول خواص قيم أوروبا الثقافية أيضًا إلى جانب مهم من جوانب "العام الأوروبي 2008 للحوار بين الثقافات" الذي بدأ منذ فترة غير بعيدة بإقامة الكثير من الفعاليات.
تعتبر المحافظة على أسلوب الحياة الأوروبي ورفض طلب تركيا الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي واحدًا من أهداف الحملة التي ترعاها شبكة "القيم الأوروبية". يحتوي مشروع الدستور الأوروبي المتعثَّر إقراره على تعريف للقيم الأوروبية يطابق إلى حد بعيد "الرأي المطالب بالمزيد من عمل أوروبا".
قيم تستند إلى المركزية الأوروبية
ربما يجدر بنا أن نتتبَّع المراجع التي استندت عليها "القيم الأوروبية" في وثائق تم إعدادها لاحقًا من قبل المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي وكذلك في التصريحات الخاصة برؤساء الاتحاد الأوروبي المعنيين.
أطلق قبل عشرين عامًا رئيس المفوضية الأوروبية في تلك الفترة، جاك ديلور Jacques Delors، حملة "إحياء أوروبا" تذكيرًا بشعار أوروبا الموحَّدة الذي تم وضعه من قبل روبرت شومان.
لقد لاحظ جاك ديلور ضرورة التغلب على صورة المؤسسات الأوروبية التي كانت تبدو كمنشآت ومرافق يغلب عليها الطابع البيروقراطي إلى حدّ بالغ. وبعد ذلك انفتحت المفوضة الأوروبية على حوار مع المجتمع المدني ومع الكنائس والطوائف الدينية الأخرى - حوار تم ترسيخه منذ ذلك الحين.
لكن على الرغم من ذلك لديَّ انطباع بأنَّ هناك مجموعة من الممثِّلين الفعليين في هذا الحقل تقوم عن قصد أو من دون قصد بتنمية ورعاية قيم تستند كثيرًا إلى المركزية الأوروبية. وهذا يضيِّق الأفق الذي اتسع تاريخيًا في أوروبا وخلق وشكَّل تنوّعه وتعدّديته في تبادل مستمر مع مناطق العالم الأخرى.
الحق في تحديد الهوية الثقافية
قامت هيئة الأمم المتحدة مع بداية الحرب الباردة بتكليف المجلس الأوروبي - الذي كان أغلب أعضائه في تلك الفترة من دول أوروبا الغربية - بالإضافة إلى تركيا باعتبارها عضوًا مؤسسًا، بمهمة تعريف القيم والأهداف الخاصة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر عام 1948 تعريفًا مفصلاً. كانت المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان التي تم إبرامها في عام 1950 أهم أداة لتكوين فهم أوروبي للحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية.
تعتبر الآن هذه المعاهدة - بالإضافة إلى مجموعة من البروتوكولات الإضافية التي وضعت من أجل تطبيق المعاهدة - الأساس الذي تستند إليه القيم الخاصة بالقارة الأوروبية. إنَّ حقّ تحديد الهوية الثقافية الذي تضمنه هذه المعاهدة يعكس مفهوم الثقافة الذي لا يقتصر على الإرث الثقافي، بل يعتبر مفتوحًا على الابتكار والتغيير.
لكن يبدو أنَّ الكثير من الممثِّلين الفعليين في هذا الجدل الذي يدور في الوقت الراهن حول "القيم الأوروبية لم يطلّعوا في حقيقة الأمر على التطوّرات الواسعة التي حصلت في هيئة الأمم المتحدة: ففي عام 1966، أي قبل أكثر من أربعين عامًا، تم إقرار كلِّ مواد المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان من قبل هيئة الأمم المتحدة في صيغة الميثاق الاقتصادي والاجتماعي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ومنذ ذلك الحين لم تعد خاصية أوروبا تكمن في قيم مشتركة يمكن أن تكون مختلفة عن القيم الموجودة في باقي بقاع العالم. فخاصية أوروبا تكمن في الوسائل والآليات التي من شأنها تطبيق المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان؛ تعدّ على وجه الخصوص المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان واحدة من ضمن هذه الوسائل والآليات .
الدفاع عن حرية الرأي
إذا اعتبرنا أنَّ عمل المواطنين مقياسًا تقاس عليه الأمور، فسيكون من المغامرة أن نزعم أنَّ أوروبا كانت دائمًا في طليعة الدفاع عن حقوق الإنسان والقيم التي تستند إليها هذه الحقوق.
كنت، بعد فترة قصيرة من إصدار المفوضية الأوروبية للتصريح الصحفي الخاص بالاحتجاجات التي قامت على نشر الرسومات الكاريكاتورية المسيئة للنبي، ضيفًا في مؤتمر عقدته "المنظمة العربية لحرية الصحافة" في القاهرة - وهي منظمة تضم اتحادات الصحفيين في كلِّ البلاد العربية. إنَّ البيان الختامي لهذا المؤتمر واضح وصريح:
"نحن ندافع عن حرية الرأي في كلِّ يوم. وعلى عكس معظم زملائنا في أوروبا فإنَّ الكثيرين منا يذهبون إلى السجن لأنَّهم يدافعون عن هذه الحرية وكثيرًا ما يسقطون ضحايا لأشدّ العقوبات. نحن معرَّضون دائمًا لخطر التورّط في قضايا من قبل ذوي النفوذ الاقتصادية والسياسية بسبب »القذف والتشنيع«. وقيمنا لا تختلف عن قيم زملائنا الأوروبيين. لذلك نأمل أن تلقى دعوتنا لاحترام المشاعر الدينية للمسلمين أذنًا صاغية أيضًا لدى وسائل الإعلام الأوروبية".
يبدو وكأنَّما ما يزال حتى يومنا هذا خوض النقاش حول حقوق الإنسان والجدل حول الثقافة على مستويين منفصلين لا تكاد تربطهما ببعضهما بعضا قيم مشتركة ولغة مشتركة.
تراوغوت شوفتهالر
ترجمة: رائد الباش
قنطرة 2008
قنطرة
الرئيس الفرنسي ساركوزي وانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي:
أين تقع حدود القارة الأوروبية؟
من ضمن المشاريع الواقعة على أجندة الرئيس الفرنسي الجديد ساركوزي تغيير السياسة الأوروبية حيال تركيا رأسا عن عقب. الكاتب ظافر شينوجاك ينتقد في مقاله العقلية الكامنة وراء تحفظات فرنسا.
الاتحاد الأوروبي ودول حوض البحر الأبيض المتوسط:
الانعزالية بديلا عن مبدأ التجارة الحرة
وضعت "الشراكة الأورو-المتوسطية" التي أسست في العام 1995 بالإضافة إلى تكريس السلام والاستقرار في المنطقة تأسيس منطقة إقليمية للتجارة الحرة حتى العام 2010 هدفا لها. لكن الأطراف المعنية ما زالت بعيدة عن تحقيق هذه الأهداف. برنار شميد يتطرق في هذه المقالة إلى الخلفيات.
مصر والإتحاد الأوروبي:
ضمان الاستقرار أم تكريس حقوق الإنسان؟
في نفس الوقت الذي اعتمدت فيه مصر والإتحاد الأوروبي خطة عمل مشتركة لسياسة الجوار واصلت السلطات المصرية نهجها في إسكات الأصوات المطالبة بحرية الصحافة والتعبير. إزابيل شيفر من جامعة برلين الحرة تلقي الضوء على هذا التطور