غطاء التطبيع وقصور الرؤية
لا يستطيع أحد أن يدعي أن المايسترو الذي يتمتع بتقدير دولي يتهافت على تقديم حفلة موسيقية في دار الأوبرا بالقاهرة بأي ثمن، فالموسيقى الكلاسيكية لا تتمتع بمكانة مرموقة على ضفاف النيل. غير أن دانيل بارنبويم يريد أن يقدم حفلاً موسيقياً هناك. الموسيقار اليهودي المولود في الأرجنتين هو أحد أشهر القادة الموسيقيين وعازفي البيانو على مستوى العالم، ولذلك تتسابق الدور الموسيقية على استضافته. غير أن المصريين لا يسألون قبل حضور المايسترو إلى القاهرة عن تاريخه الموسيقي، بل ينظرون في كتب التاريخ. إن الحفلة التي يقدمها بارنبويم - الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية – هي "تطبيع من الأبواب الخلفية" للعلاقات بين مصر وإسرائيل، حسبما ذكرت الصحف. أي أن حضور المايسترو غير مرغوب فيه.
النقد لا يصيب الهدف
ورغم ذلك قدم المايسترو حفلاته في القاهرة. حول ذلك قال وزير الثقافة المصري إن نقد إسرائيل الذي يتكرر بشكل تلقائي يخطئ هدفه عندما يتعلق الأمر بالموسيقار بارنبويم الذي يعتبر من منتقدي السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين. بارنبويم كان قد طالب أمام الكنيست الإسرائيلي بمنح الفلسطينيين حقوقهم أخيراً، وبسبب هذا القول أراد أحد الوزراء الإسرائيليين سحب الجنسية الإسرائيلية منه فوراً. أما الفلسطينيون فقد أدركوا سريعاً قيمة هذا المدافع الفنان عن قضيتهم ومنحوه "الجنسية الفلسطينية".
عمر الشريف: "بارنبويم صديق العرب"
الجدال القاهري الذي تفجر حديثاً كان عبثياً إذن. النجم السينمائي المصري عمر الشريف وصف الأمر بالكلمات التالية: "بارنبويم صديق العرب. إن هذا الجدال أحمق." هذه الجلبة التي أُثيرت حول الحفل الموسيقي الذي يقدمه موسيقار إسرائيلي هي من السمات المميزة للانفصام السياسي الذي يعاني منه المصريون. إن عديدين، أيضاً داخل الحكومة والمؤسسة السياسية، يريدون أن يتخذوا مواقف أكثر فلسطينية من الفلسطينيين أنفسهم. هم يعرفون بالطبع أن بلادهم وقعت في عام 1979 معاهدة سلام مع الجار الإسرائيلي، غير أنهم يعتقدون أن باستطاعتهم تجاهل ذلك الصلح حتى بعد مرور ثلاثين عاماً عليه.
إنهم يمتنعون عن تطبيع العلاقات، أي عن شيء بدهي بين الدول المتجاورة: لذلك تُمنع الكتب الإسرائيلية في معرض الكتاب، وتُمنع الأفلام الإسرائيلية من العرض على شاشات السينما، أما العلاقات الاقتصادية والتجارية بين مصر وإسرائيل فتواجه بالنقد الدائم أو بصمت القبور، كما يسود نوع من اللاحوار بين غير السياسيين.
هذا في حين يتعاون الرئيس المصري حسني مبارك مع الحكومة الإسرائيلية، كما تتبادل أجهزة المخابرات المعلومات بشكل منتظم، ومن تل أبيب وحيفا يجيء السياح ليستمتعوا بالشمس في سيناء. باختصار: هناك تطبيع منذ وقت طويل في كل تلك المجالات.
غياب النظرة الموضوعية في النقد
إن ما ينقص المصريين وكثيرين من العرب هو إدراك أن التطبيع مع إسرائيل لا يعني عدم انتقاد إسرائيل. إن المصير الذي يعانيه الفلسطينيون يبقى، على الأقل من وجهة النظر العربية، ظلماً تاريخياً. لكن التصريحات لن تزيل الظلم. إن الحقيقة هي أن دولة إسرائيل موجودة ومُعترف بها دولياً، وأنها سوف تخلي المناطق الفلسطينية المحتلة وإنْ بعد ضغط شديد، وأن القوة العسكرية لم يعد بإمكانها أن تصل إلى شيء. هذا ما بينته الحروب التي خسرها العرب.
المصالحة هي إذن شرط الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهي الفرصة الوحيدة لحصول الفلسطينيين على حقوقهم. ليس بإمكان الساسة أن يصلوا إلى ذلك. هذا الدور يقوم به بشكل أفضل الفنانون والكتاب والناشطون في مجال حقوق الإنسان والسياح. ومن بين أولئك عديد من الإسرائيليين الذين يصيب نقدهم دولتهم بشكل أقوى من تلك العبارات العربية المستهلكة والمكررة التي صيغت في سنوات الستينيات والسبعينيات. أحد هؤلاء المنتقدين هو بارنبويم الذي قال: "إن مصير الفلسطينيين والإسرائيليين مرتبط بشكل وثيق للغاية مع بعضهم بعضا، وتعايشهم معاً قد يكون نقمة، ومن الممكن أن يغدو نعمة."
توماس أفيناريوس
ترجمة: صفية مسعود
حقوق الطبع: صحيفة زود دويتشه/قنطرة 2009
قنطرة
رسالة سلام موسيقية
بارينبويم يعزف للسلام في رام الله
تقديرا لجهوده الكبيرة في تطوير الحياة الموسيقية في فلسطين وتوظيفه الموسيقى في خدمة السلام منح عازف البيانو الشهير دانييل بارينبويم جواز السفر الفلسطيني وذلك على هامش حفل موسيقي خيري أحياه بارينبويم في مدينة رام الله، خصص ريعه للرعاية الطبية لأطفال قطاع غزة.
دانييل بارنبويم:
دبلوماسية موسيقية
يتخطى قائد الأُوركسترا دانيل بارنبويم بموسيقاه كل الحواجز السياسية والدينية. عصا قائد الأُوركسترا على ما يبدو وسيلة لدعم الحوار الثقافي في منطقة الشرق الأدنى. تقرير بترا تابيلينغ