جنس ودين وكوكا كولا

الرحمياني فنانة أندونيسية مثيرة للجدل، إذ أن الكثير من أعمالها لا يثير فقط حفيظة الإسلاميين المحافظين فحسب وإنما يحرج أيضا منظمي معارضها، فهي في معظم أعمالها تتعمد الأستفزاز وتتخذ موقفا نقديا من الجميع.

لو توقف الأمر على الرّحمياني، الفنانة الإندونيسية، فسوف تزهو مع بدء أعمال قمة الثمانية الكبار في هَيليغِنْدَمْ في حزيران/يونيو المقبل أحرف عربية ضخمة على الجدار المعدني المُعَد لحماية السياسيين رفيعي المستوى من بقية العالم. حيث تريد أنْ تكتب كلمة "الله" مستخدمةً وسائد ضخمة ذات ألوان فاقعة. وتقول بهذا الصدد: "هذا الجدار يذكرني بالجدار القائم بين إسرائيل وفلسطين. أما كلمة الله فتعني لي الحب، وهذا ما أريد أنْ أُذكِّر الناس به". هذا هو رأي الفنانة المسلمة. أما إذا كانت ستحصل على الترخيص من أجل تنفيذ مشروعها، فهذا أمرٌ مازال قيد الدرس.

فنانة تطاردها الشرطة

يمثل العمل الفني "خياطة الجرح" „Stitching the Wound“ أحد الأعمال الأخيرة للرّحمياني، الرسامة، وفنانة التركيبات Installation والعُروض الحية Performance. فقد عَرََضَتْ وسائد هائلة الحجم في آب/أغسطس المنصرم في جيم تومبسون هاوس في بانكوك، وقُدم في حفل الافتتاح أحرُف كلمة "الله" على شكل كعكة يمكن أنْ تؤكل. وفي الوقت الذي لم يثر معرضها الاهتمام الشديد في تايلندا البوذية، بحثت شرطة الدين في ماليزيا المسلمة عن الرّحمياني بعد بضعة أشهر، لأنها قامت بكسر صحنٍ كُتِبَ عليه كلمة الله أثناء أحد عروضها الحية.

غدت الفنانة معروفة منذ فترة طويلة في وطنها أندونيسيا بوصفها صوتًا ناقدًا يرتفع ضد كل أنواع الاضطهاد السياسي والديني والاجتماعي، لاسيما عندما يتعلق الأمر بحقوق المرأة.

أريد أن أصبح نبية!

ولدت الرّحمياني عام 1961 في مدينة باندونغ غربي جاوا، وكان والدُها فقيهًا مسلمًا، ينتظر من ابنته أنْ تصلي خمس مرات في اليوم، وأنْ تتعلم تلاوة القرآن. أما والدتها فكانت على العكس من ذلك تؤمن بالـ"المعتقدات الجاوية"، وهي مزيجٌ من التقاليد الأرواحية، والهندوسية، والإسلامية، المعروفة في جاوا.

تعرفت الرّحمياني على مسرح الظل وفنون تقليدية أخرى وأحبتها عن طريق عائلة والدتها بدون علم والدها بذلك. وتشير الفنانة إلى ذلك بقولها: "كانت هذه التناقضات تُحيرني بادئ الأمر في صغري. لكنني مع الوقت جمعت في اللاوعي بين الثقافتين الدينيتين، وأعتقد اليوم أنَّ ما خَبِرته في عهد الطفولة قد أثراني إلى حدٍ كبير".

وشكَّل سؤال والدها لها، وهي في الثامنة من العمر، عما تريد أنْ تصبح في المستقبل، حدثًا مفصليًا في حياة الرّحمياني. إذ أجابت: "أريد أنْ أصبح نبيَّةً". وشرح لها والدها أنَّ الرجال فقط يمكن أنْ يصبحوا أنبياء. وتتذكر الفنانة، التي تعيش اليوم بلا عائلة، ما فكرَتْ به في حينه: "عرفت آنذاك أنَّه لا مساواة بين الرجال والنساء في الإسلام. الأمر الذي خيّب آمالي بشدة". وتضيف: "لذلك التزمتُ دائمًا بشعار والدتي القائل بأن على المرأة أن تحافظ دائمًا على استقلاليتها إزاء الرجل".

تهديدات بالقتل

واستشعرت الرّحمياني مذاك عدة مرات خطورة أنْ يكون للمرء رأيٌّ مستقل. حيث خاضت تجربتها مع المخابرات وهي طالبة في كلية الفنون في الثمانينيات من القرن العشرين إبّان حكم سوهارتو. فقد تمَّ اعتقالها لمدة شهر بسبب أحد عروضها الحيَّة التي انتقدت فيها الجيش، ولم تنج من المعتقلات السياسية سيئة الصيت إلا لحسن طالعها.

وسبَّب لها المسلمون المتطرفون في العام 1994 المضايقات للمرة الأولى. إذ تلقت تهديدات بالقتل بعد معرض فني حمل عنوان "جنس، ودين، وكوكاكولا". حيث قدمت عملها الفني "واجهة عرض" „Etalase“ حيث تضع القرآن بجانب واقٍ وقنينة كوكاكولا في واجهة زجاجية. وفي الوقت الذي أثار القرآن بجانب الواقي بالدرجة الأولى حفيظة المتطرفين في جاكرتا، تخوَّف من جهتهم، بعد سنوات، منظمو معرضٍ متنقل في الولايات المتحدة الأمريكية، من أنْ يلقى وجود القرآن بجانب قنينة الكوكاكولا الاستياء.

موقف نقدي تجاه كل الإتجاهات

وتفسر الرّحمياني ذلك بقولها: "انتقدتُ الطرفين على السواء دائمًا، الإسلام كما الرأسمالية" وتضيف: "ولم يتغير شيء بهذا الخصوص بالنسبة لي بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001". وبالفعل لم تتبدل الصعوبات القائمة في وجه أعمالها الفنية، إذ لنْ يُعرَضُ عملها ذائع الصيت "واجهة عرض"، في هذا العام، في إطار معرضٍ جماعيٍّ يتناول موضوع "النسويَّة العولميَّة"، سوى في نيويورك، ولنْ يجول العمل الفني في مقاطعات أخرى في الولايات المتحدة الأمريكية، لذات الأسباب كما حدث قبل تسع سنوات.

​​وتقول الرّحمياني بخصوص تجربتها مع الرهاب (فوبيا) بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 "أما ما تغير بالنسبة لي مذذاك، فهو توقعات الآخرين بأنْ يصطفَّ المرء بصَفِّ أحد الأطراف. ولكنني أريد أنْ أحافظ على موقفي النقدي تجاه كافة الاتجاهات. وهذا هو التحدي الجديد".

وكان قد تمَّ استجواب الرّحمياني على مدى ليلةٍ كاملةٍ، في إحدى دوائر شؤون الأجانب في الولايات المتحدة الأمريكية، في عام 2002، ووضِعَت من ثم تحت حراسة رجال الشرطة الذكور في غرفةٍ في أحد الفنادق. والمفارقة أنَّ التهمة كانت بأنَّها مسلمة. وألهمتها هذه التجربة بتقديم العرض الحي في بينالة البندقية عام 2003، حيث استلقت الفنانة على سريرٍ مغطى بشراشف طُبعت عليها قلوبٌ صغيرة، وكانت تقرأ القرآن، وإلى جانبها ثلاجة كوكاكولا.

عزلة دارسي الإسلام

وتشير الرّحمياني إلى أنَّ: "قليلاً من الفنانين يتناول الإسلام بهذه الطريقة في إندونيسيا. وهذا أمرٌ مؤسف، ولكنَّني أفهمه".

وركزت هذه الفنانة الرحالة عملها في الأشهر الأخيرة على التعاون مع مدرسة لتعليم الإسلام في يوغياكارتا في وسط جاوا، حيث تريد أن تُدرِّس الفنون.

وتقول الفنانة بهذا الخصوص: "حياةُ دارسي الإسلام شديدة العزلة. لا بد لهم من أنْ ينفتحوا على العالم، وإلا سيصابون بصدمة حضارية، والالتباسات التي من شأنها أنْ تترتب عن ذلك قد تكون وخيمة". وتضيف: "أشعر بأن التشدُّد الإسلامي الحاصل حاليًا في إندونيسيا مريب. حيث يزداد عدد النواحي التي تعتمد قوانين تستمدها من الشريعة الإسلامية، وهذا يشكل برأيي خطرًا لاسيما على المرأة، لذا أريد أنْ أواجهه".

كريستينا شوت
ترجمة يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

لا عراة في الفردوس!
يناقش البرلمان الإندونيسي حاليًا مسودة قانونتتناول منع التصوير الإباحي الذي يمتد ليشمل كل شيء في الحياة. في حال المصادقة على المسودة بشكلها الراهن، فسيصبح تبادل القبلات في الأماكن العامة أو حركات الرقص الإيروتيكية آنئذ سببا لعقوبة شديدة بالسجن. تقرير كتبته كريستينا شوت