"أبو دجانة".. من طالب جامعي إلى أبرز وجوه السلفية في ألمانيا

ثقافة ومجتمع "أبو دجانة".. من طالب جامعي إلى أبرز وجوه السلفية في ألمانيا يُعد من أبرز خطباء المشهد السلفي في ألمانيا. ومنذ حظر جمعية "الدين الحق" ابتعد "أبو دجانة"عن الأضواء، إلا أنه ما يزال ناشطاً. DW التقت الواعظ السلفي وتسلط الضوء في التقرير التالي عن خلفيات السلفية في ألمانيا وحاضرها.

للوهلة الأولى لا يثير الرجل الشاب بلحيته السوداء وقميصه ذي القلنسوة وسروال الجينز الانتباه. فهو يشكل جزء من المنظر العام على في وسط مدينة بون الذي اقترحها كمكان لقاء مع DW.

هذا الرجل المهذب واللطيف يدعم الوسط الجهادي داخل المشهد السلفي، وفقاً لتقييم مصدر مخابراتي أفصح بالأمر لـ DW. وهذا التقييم يستند إلى تصريحات هذا الرجل في الماضي واتصالاته داخل المشهد السلفي الذي يشكل تياراً محافظاً ويرفض أتباعه القوانين الغربية.

وعظ المارة في المدن

سعيد يسمي ذلك بأنه "الدين الحق الوحيد"، وهو معروف لدى أنصاره تحت اسم "أبو دجانة". فالحركة السلفية التي ينتمي إليها والتي أصبحت كل حياته توسعت في السنوات الـ 15 الماضية في ألمانيا ثم في بلدان أوروبية أخرى. وتطورت بقوة لاسيما أثناء فترة صعود تنظيم "داعش" بين 2014 و2016.

وقبل سنوات كان ممكناً لقاء "أبو دجانة" في وسط مدينة بون برفقة شبان آخرين ملتحين يلبسون القفطان ويدعون المارة ويدخلون معهم في حوار. وهم يوزعون مجاناً نسخاً من القرآن بالألمانية، وشعارهم هو "اقرأ باسم ربك". وحتى 2016 كانت هذه هي الصورة اليومية السائدة، لاسيما في أيام نهاية الأسبوع المشمسة.

سموا أنفسهم "الدين الحق"

الحركة السلفية تأسست في 2005 من قبل رجل الأعمال الفلسطيني إبراهيم أبو ناجي الذي كان يعيش في كولونيا. وهدفه المعلن هو نشر الإسلام وتوزيع ملايين النسخ من القرآن. والمقر الرئيسي لمنظمته كان عبارة عن مستودع كبير في ضاحية كولونيا. من هناك كان الأعضاء يحملون خطابات ومقاطع فيديو وينشرونها عبر يوتيوب أو عبر قنوات أخرى في مواقع التواصل الاجتماعي.

 

وقال أبو ناجي في مقابلة عام 2014 مع DW بأن حلمه هو أن يتحول كل ألماني إلى الإسلام. وفي يوم من الأيام بشكل طبيعي ستنشأ في ألمانيا دولة دينية، حسب اعتقاده.

وطوال فترة بدت استراتيجيته ناجحة: فالحركة السلفية جلبت إليها أعداداً كبيرة من الشباب، وذلك ليس فقط بفضل حضورها في الإنترنيت واللغة البسيطة المستخدمة الموجهة للشباب، إضافة إلى أنه تم فجأة إلقاء الخطب بالألمانية، وكان ذلك تطوراً جديداً في ألمانيا حيث الخطابات عادة بالعربية والتركية.

"أنا فخور بما فعلناه"

"أبو دجانة" يجلس في المقهى الذي اقترحه لإجراء لقاء مع DW، ويتذكر الأوقات المزدهرة لحركة "الدين الحق". ويقول بافتخار إنه في أوقات حملة "اقرأ" كان شخص أو شخصان في اليوم الواحد يعتنقون الإسلام.

وحتى لو أن هذا مبالغ فيه، فإن الحركة جلبت بدون شك الكثير من الشباب، مسلمين وغير مسلمين، من الذين كانوا يفتقدون مشاعر الانتماء والقبول من الآخرين.

في تلك الأيام، كما يقول "أبو دجانة" كان يسافر في كل نهاية أسبوع عبر ألمانيا وكذلك أوروبا ويلقي خطباً في مساجد. "أنا فخور بما فعلناه"، يحكي ويبتسم متذكراً الرفقة الحميمة التي كانت تربط بين الشباب. فمن جهة كان هناك المختارون أي "المسلمون الحقيقيون" الذين يريدون نشر الإسلام. ومن جهة أخرى الكافرون. وبينهم لا يوجد شيء.

والمسلمون المعتدلون يعتبرون التفسير السلفي راديكالياً في كثير من النقاط. كل شيء عندهم إما "حرام" أو "حلال". والاستماع إلى الموسيقى يُعتبر حراماً ويجب على كل النسوة ارتداء النقاب في الأماكن العامة.

انتهاء حملة "اقرأ"

فقط أقلية داخل الحركة السلفية تؤيد استخدام العنف، وعدد قليل فقط مستعد بالفعل لاستخدام العنف لفرض توجهاته الدينية. وبعدما تم إعلان إقامة "الدولة الإسلامية" في 2014 وتوجه مئات الشباب الألمان إلى سوريا والعراق للقتال من أجل بناء دولة الخلافة، وضعت الأجهزة الألمانية الحركة تحت مجهر المراقبة.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 حظرت وزارة الداخلية حركة "الدين الحق" وحملة "اقرأ" التابعة لها. وفي تعليل هذا الإجراء ذُكر أن الجمعية تدعم الجهاد المسلح وتعادي الدستور الألماني وتقدم أرضية خصبة لإسلامويين عنيفين.

الحظر كنقطة تحول

وشكل قرار الحظر بالنسبة للمشهد السلفية نقطة فاصلة، إذ أنها اختفت وابتعدت عن المجال العلني. والخطيب السلفي أبو ناجي، مؤسس "الدين الحق" الذي حكمت عليه محكمة كولونيا بسبب قبض أموال مساعدات اجتماعية من غير وجه حق بالسجن 13 شهراً مع وقف التنفيذ، اختفى بعد قرار الحظر. وتفيد إشاعات بأنه يعيش الآن في ماليزيا.

والكثير من الشخصيات البارزة في المشهد السلفي ابتعدت عن الأضواء، وآخرون قُتلوا في سوريا والعراق. فالحركة تناثرت ولم تعد تعمل داخل المساجد، بل فقط في بيوت خاصة. وكل هذه الأمور لا تزعج "أبو دجانة" الذي يصر على أن الجمعية المحظورة "الدين الحق"  ليس لديها ما تخفيه، وأوضح أن أجهزة الدولة تحركت ضد الحركة لأنها "تعلم أنها الحق" وأن عدداً أكبر من الناس سيعتنق الإسلام.

الشعور بـ"التهميش"

أبو دجانة يحسن الخطابة ويقدر على التعبير بشكل جيد، ويلاحظ المرء أنه معتاد على الكلام أمام الجمهور وتوجيه الانتقاد لمجتمع يشعر فيه أشخاص بالتهميش. الرجل البالغ من العمر 36 عاماً ترعرع في ألمانيا في بيت عائلة مغربية، وشرع في دراسة المعلوماتية، غير أنه قطع مشواره الدراسي للتركيز فقط على "الدين الحق"، كما يقول.

واليوم يعمل في شراء وبيع السيارات المستعملة، لاسيما بيعها إلى المغرب، ويقدم المواعظ في بيوت خاصة، لأن غالبية المساجد ترفضه خوفاً من الأجهزة الأمنية. "أنا في قائمة سوداء"، يقول أبو دجانة مبتسماً ويعود باستمرار لموضوعات معاداة الإسلام والتهميش اللذين عايشهما في شبابه. "عندما نعيش في مجتمع يرفض المسلمين، يتساءل المرء لماذا يفقد بعض الناس الصواب ويقومون بأفعال غبية"، يدعي "أبو دجانة". لكنه يصر على أنه لا يحق تحميل جمعية "الدين الحق" مسؤولية أفعال آخرين. لكنه لا ينفي حقيقة أن أعضاء في المشهد السلفي غادروا ألمانيا للقتال في صفوف "داعش" في سوريا والعراق. كما أنه يعترف بأنه كان يعرف شخصياً العديد منهم، لكنهم كانت "لهم نوايا حسنة". وقال بأنهم أرادوا فقط مساعدة الشعب السوري المقموع.

لكنه يضيف بسرعة بأن هؤلاء الناس تم التغرير بهم من طرف تنظيم "داعش"، ووصف "الخلافة" المعلنة من قبل التنظيم بأنها مثيرة للسخرية. وأكد بأن ذلك لم يكن هو الطريق الصحيح.

ويفيد أبو دجانة بأنه منع العديد من الشباب من مغادرة ألمانيا والالتحاق بتنظيم "داعش". وهو يختار كلماته ولا يتجاوز الحدود المرسومة في ألمانيا، ويقول بأنه لا يحب مثليي الجنس، لكن هذا الموقف لدى الكثير من المسيحيين، حسب إدعائه. كما أنه لا يعتبر الشيعة مسلمين، لكنه لا يرغب في الدخول في أي شجار مع أحد.

وفيما يخص آفاق اندماج المسلمين في المجتمع الألماني يشدد أبو دجانة على أنه لا مجال للتأويلات فيما يرتبط بأسس الدين. ويتلقى "أبو دجانة" دعوات من "إخوة وأخوات" لتقديم نصائح دينية. وهذه الندوات الدينية الخاصة تحصل بعيداً عن أنظار أجهزة الأمن الألمانية.

ناومي كونراد/ ماتياس فون هاين/ إيستر فيلدن/ م.أ.م