الحدود المغلقة
يواجه اللاجئون الذين يحاولون الوصول الى بلدان الاتحاد الأوروبي أوضاعا كارثية، حيث يتعرض الكثيرون منهم الى مختلف المخاطر في البحر او في البلدان التي يمرون بها. أما الاتحاد الأوروبي فيحاول رمي المشكلة الى خارج حدود أوروبا. تقرير كتبه كارل كوب.
يأخذ المرء انطباعا بأن سياسة اللجوء المشتركة للإتحاد الأوروبي لا تهدف إلى حماية اللاجئين بقدر ما تهدف إلى حماية أوربا من اللاجئين. فالدول الأعضاء تسعى حاليا لنقل المسؤولية إلى البلدان الفقيرة موطن اللاجئين بدلا من أن تخفف العبء عنها.
ضحايا بالآلاف
من هذا نجد أن قانون اللجوء والإنسانية لا يحظى بالقدر الكافي من العناية. هناك أناس يغامرون بحياتهم يوميا وهم يحاولون اجتياز البحر الأبيض المتوسط أو المحيط الأطلسي للوصول إلى أوروبا. ويموت الآلاف لأنهم يقدمون على الرحلة بقوارب مكتظة لا تصلح لعبور البحار. وحسب تقارير السلطات الأسبانية قضى حوالي ستة آلاف لاجئ ومهاجر نحبهم وهم في الطريق من غرب إفريقيا إلى جزر الكناري.
إن ارتفاع عدد حالات الوفيات يرجع إلى أن طرق الهروب أصبحت أكثر طولا وأشد خطورة وأن أوروبا تسعى دائما إلى تحصين حدودها بصورة قوية وفعالة. من أراد بالفعل الحيلولة دون حدوث حالات موت على أبواب أوروبا فعليه أن يفكر في طريقة مأمونة وشرعية لوصول اللاجئين والمهاجرين إلى دول الإتحاد الأوروبي.
إنخفض عدد اللاجئين في ألمانيا وأوروبا الآن ليصل إلى أقل نسبة على مدى التاريخ. ففي ألمانيا كان عدد من تقدموا بطلب لجوء عام 2006 فقط 21029، وهذه أقل نسبة منذ عام 1977. ومقارنة بعام 2005 قلّت نسبة طلبات اللجوء 27%.
وفي دول الإتحاد الأوروبي الخمس والعشرون بلغ طالبو اللجوء 230 ألفا عام 2005 وهي أقل نسبة منذ عام 1988. واستمر هذا الإتجاه عام 2006 حتى قلّت طلبات اللجوء الجديدة على مستوى جميع دول الإتحاد عن 200 ألف حالة.
تقول المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن أغلبية اللاجئين والمشردين تبقى في الدول النامية. بداية عام 2007 بلغ عدد اللاجئين من العراق المقيمين في الأردن نصف مليون شخص، وفي كل من باكستان وإيران يعيش ما يزيد على مليون لاجئ أفغاني. وفي إفريقيا يبحث حوالي 15 مليون لاجئ ونازح داخلي عن مأوى في المناطق المجاورة لهم مباشرة ويعيشون في الغالب في معسكرات فقر وتعاسة دون حماية كافية ودون آفاق مستقبلية.
أمثلة: أقل من 700 ألف شخص فرّوا من السودان إلى تشاد وأوغندة وكينيا وإثيوبيا. وفقط في منطقة دارفور غرب السودان يوجد ما يزيد عن 250 ألف لاجئ في تشاد. وما يزيد عن 250 ألف شخص فرّوا من مناطق الحرب الأهلية في الصومال إلى كينيا المجاورة.
انتهاكات لحقوق الإنسان
المآسي التي تقع على حدود أوروبا تبين أن دول الإتحاد الأوروبي لديها الاستعداد للتخلي عن مبادئ حقوق الإنسان. ففي يوليه/تموز 2006 قُتل ثلاثة أشخاص في مليلة رميا بالرصاص أثناء محاولتهم عبور الحاجز إلى أوروبا. وحتى اليوم لم يتم البتّ في حالات الوفاة على الحدود المغربية الأسبانية.
ولا تزال أصابع الإتهام توجه إلى اليونان برمي لاجئين في البحر في سبتمبر/أيلول 2006. فعلى حد قول من نجا منهم مات على الأقل ستة عندما رمى حرس الشواطئ اليونانية بحوالي أربعين شخصا في البحر بعد أن قبض عليهم أمام جزيرة شيوس.
وعلى الحدود الشرقية للإتحاد الأوروبي – وعلى غفلة من الرأي العام – تم ترحيل لاجئين شيشان من سلوفاكيا عبر المعتقل الأكراني إلى روسيا الفيدرالية التي تضطهدهم. وكشف تقرير المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة الصادر في مارس / آذار 2006 أن عمليات الترحيل لا تنقطع، وأن اللاجئين الشيشان اللذين استطاعوا الوصول إلى الدولة الأوروبية سلوفاكيا حُرموا من مباشرة إجراءات اللجوء، وعوضا عن ذلك أعيدوا إلى أوكرانيا ومن هناك رحلوا إلى روسيا الفيدرالية.
قبل الوصول الى أوروبا
منذ منتصف عام 2006 تلعب الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود الخارجية (فرونتكس) دورا هاما في التقاط اللاجئين قبل أن يصلوا إلى أبواب أوروبا. وأثناء قيام فرونتكس بمهامها يتم التقاط زوارق اللاجئين إلى المياه الدولية ومن ثم ترحيلهم إلى الدول الإفريقية التي عبروها أو إلى أوطانهم.
وعلى سبيل المثال تم إلقاء القبض على 3500 لاجئ ومهاجر في المحيط الأطلسي أو أمام شواطئ غرب إفريقيا في الفترة بين أغسطس/آب وديسمبر/كانون الأول عام 2006 أثناء القيام بالرقابة "خارج الحدود الإقليمية"، وأعيدوا إلى السنغال وموريتانيا (تقرير صحفي لـ"فرونتكس" في 19 ديسمبر /كانون الأول 2006).
أما عن طريقة تعامل أفراد وكالة مراقبة الحدود الخارجية "فرونتكس" في أعالي البحار مع المستضعفين فيوضح رئيس الوكالة السيد اليكا ليتينين باقتضاب: "إنهم ليسوا لاجئين ولكنهم مهاجرون غير شرعيين" (21 ديسمبر / كانون الأول 2006).
ضمن التقسيم الساخر للمهام تم تكليف الدول التي يمر بها اللاجئون مثل ليبيا والمغرب وموريتانيا وأكرانيا وتركيا بالقيام بحراسة أبواب "أوروبا الحصينة".
المغرب كمثال: في فترة ما بين عيد الميلاد 2006 ورأس السنة أُلقي القبض في المغرب على ما يزيد عن 400 لاجئ ومهاجر من شبه الصحراء وتم تركهم عند الحدود الجزائرية، كما لقوا معاملة سيئة على أيدي قوات الأمن الجزائرية والمغربية.
وضمن هذه العملية تعرضت كثير من النساء للاغتصاب، وأجهضت إحدى النساء. مثل هذه الإنتهاكات لحقوق الإنسان ليست الوحيدة من نوعها في سلسلة أعمال العنف ضد الباحثين عن مأوى في المغرب، بينما تصمت أوروبا وتغض الطرف.
فقدان مصداقية الإتحاد الأوروبي
الإتحاد الأوروبي يخسر مصداقيته في المناقشات الدولية حول حقوق الإنسان واللاجئين. وهذا يعني انه ينبغي على المجموعة المكونة من 27 دولة ديمقراطية أن تبحث عن حل بديل للإجراءات العسكرية أو لطرد الباحثين عن مأوى والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان.
فمن وجهة نظر منظمة "برو أزيل" المدافعة عن حقوق اللاجئين فإن على الإتحاد الأوروبي أن يمنح الأولوية القصوى للحفاظ على حقوق الإنسان، وهذا ينطبق على كل من هو في حالة فرار أو هجرة. وعلى الإتحاد أيضا أن يضمن للاجئين سلامة الوصول إلى أراضي الإتحاد وأن يكفل لهم إجراءات شريفة للجوء.
وعليه أيضا إيقاف كل أنواع التعاون مع دول المرور التي تنتهك فيها حقوق الإنسان والحريات العامة. إن أوروبا بحاجة إلى وسائل للهجرة الشرعية حتى لا يضطر المهاجرون إلى السير في طرق تعرض حياتهم للخطر. وإلا فسوف يموت الآلاف على الحدود الخارجية للإتحاد الأوروبي.
إن من يريد بالفعل مكافحة أسباب الهجرة والفرار القسرية فعليه القضاء على الأنظمة التي تخلق الفقر والتعاسة. أمثلة:
المعونات الزراعية: إن أوروبا تقضي بمعوناتها الزراعية على الأسواق في القارة الإفريقية وتتسبب بذلك في ازدياد الفقر والجوع وتخلق أسبابا جديدة للفرار. لذلك فإنه من الضروري إلغاء هذه المعونات والهيمنة على المنتجات الإفريقية.
سياسة صيد الأسماك الخاطئة: لا يستطيع صيادو الأسماك في السنغال العيش بعدُ من الصيد، لأن أساطيل صيد دول الإتحاد الأوروبي المدعومة للغاية قامت بصيد معظم أسماك مياه السنغاليين. ولم يبق أمام صيادي السنغال في الغالب إلا تأجير قواربهم أو بيعها ليبدأوا رحلاتهم الخطرة إلى جزر الكناري.
إن من يريد إنهاء اللامساواة المأساوية في التوزيع بين فرص الحياة والنمو فعليه أن يناضل من أجل سياسة أخرى عادلة للإتحاد الأوروبي في مجال التجارة والزراعة والصيد.
بقلم كارل كوب
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2007
نشر المقال على صفحات موقع غوته
كارل كوب: المندوب الأوروبي لمنظمة برو أزيل للمدافعة عن حقوق اللاجئين وعضو مجلس إدارة المجلس الأوروبي للاجئين.
قنطرة
الهجرة في العلاقات بين أوربا والمغرب
بينما كان المغرب في النصف الأول للقرن العشرين بلدا يستقبل المهاجرين واستوعب إلى حد ما تيارات بشرية كبيرة من بعض البلدان الأوروبية أصبح حاليا بلدا يهاجر منه الآلاف صوب دول الإتحاد الأوروبي. بقلم محمد خاشاني
جدار فاصل حول أوروبا
بدلا من أن يرى الاتحاد الأوروبي في الهجرة إلى دوله فرصة سانحة له فإنه يجعل المضمون الأمني جوهر سياسته. نتيجة ذلك: تعزيز الآليات العسكرية على حدوده ونقل مراكز حماية اللاجئين من دول الاتحاد إلى الخارج مع ما يرافق ذلك من تزايد تيارات العداء للأجانب