نبوءات الإنجيليين.....من المسيح الدجال إلى المهدي المنتظر
ينصب اهتمام المؤرخين منذ فترة طويلة على علاقة الأميركيين بالإسلام. بيد أنَّ إدراك الإسلام في وعي الدوائر والأوساط الإنجيلية لم يتحوّل تدريجيًا إلى موضوع للأبحاث إلا مؤخرًا. المؤرخ توماس س. كيد Thomas S. Kidd الذي يعمل في مدينة واكو Waco في ولاية تكساس في جامعة بايلور الخاصة Baylor والتابعة للكنيسة المعمدانية الإنجيلية، يعرض في دراسته الأخيرة "المسيحيون الأمريكيون والإسلام" "American Christians and Islam" مواقف الإنجيليين تجاه الإسلام منذ أواخر القرن السابع عشر.
لم يكُن للمهاجرين الأوروبيين في أمريكا الشمالية في الفترة الاستعمارية أيُّ احتكاكٍ أو اتصالٍ بالمسلمين تقريبًا، ولم تلعب أقلية العبيد المسلمين دورًا في هذا السياق. وكانت النظرة إلى الإسلام متأثرةً بالكتيِّبات الهجومية المسيحية على الإسلام القادمة من أوروبا. هكذا لاقى كُتَيِّب الإنجيلي الانكليزي همفري بريدو Humphrey Prideaux الذي تناول فيه حياة النبي محمد، والذي نُشِرَ في عام 1697، قبولاً واسعًا.
ولفترة طويلة رسخّ هذا الكُتَيِّب لدى الإنجيليين الأمريكيين التصوّر بأن النبي محمد كان محتالاً. وكان همفري بريدو يرى أنَّ الإسلام والبابوية على حدٍّ سواء من صنيعة المسيح الدجّال، بهذا رأى المستعمرون الإنجيليون ضمن أفكارهم بخصوص علامات قيام الساعة المسيحَ الدجّال مجسدًا في الإسلام والكاثوليكية بشكلٍ مباشر. وازدادت حدة هذه النظرة السلبية من جرّاء التقارير الفعلية أو الوهمية التي أتى بها مسيحيون كانوا قد وقعوا في أسر قراصنةٍ من شمال أفريقيا.
التبشير وأجواء قيام الساعة
إن محاربة القرصنة الإسلامية التي كانت تهدد المصالح الأمريكية في البحر الأبيض المتوسط وفي المحيط الأطلسي كانت على رأس الأولويات بالنسبة للولايات المتحدة، مما دفع بموضوع الإسلام باطراد إلى مركز الاهتمام. وكانت شيطنة الإسلام أمرًا مألوفًا وبخاصةٍ في حقبة "الصحوة الدينية الكبرى" في أمريكا الشمالية.
يرافق هذا العامل الديني عاملٌ سياسي. فالإمبراطورية العثمانية كانت تُعتبر تجسيدًا للاستبداد وبالتالي نقيضًا للنظام الليبرالي الحر في الولايات المتحدة. غير أن النظرة إلى تركيا سرعان ما لاقت تقديسًا جديدًا من خلال أجواء قيام الساعة التي أُطلِقَ عنانها بين مسيحيي أمريكا المحافظين بسبب طابع العداء لرجال الدين الذي تشكَل في فرنسا ما بعد الثورة، وذلك في تفسير نبوءة "سِفر رؤيا يوحنا" القائلة بأن نهر الفرات سيجف قبل نشوب المعركة النهائية، على أنها إشارة إلى السقوط الوشيك للإمبراطورية التركية. مع أن المؤشرات الفعلية لانحلال الإمبراطورية التركية التدريجي قد عززت في القرن التاسع عشر من موقف المناصرين للتبشير بين المسلمين، إلا أن المحاولات التبشيرية الأولى لم تحقق أيَّ نجاحٍ يذكر، لا بل أنَّ هذه اللقاءات القليلة أكدّت الأحكام المسبقة ضد الإسلام.
رواج قصص المعتنقين الجدد للمسيحية
إنَّ فشل المبشرين الذي تم تبريره بالزعم بأنَّ الأسباب تعود إلى تخلّف المسلمين ووحشيتهم ومعاداتهم للنساء، أدى في أمريكا إلى رواجٍ أكبر لقصص حياة المعتنقين القلائل للمسيحية، أما حقيقة أنَّ هذه الأعمال التي يتم إعادة نشرها المرة تلو الأخرى كانت مُختلقةً جزئيًا فلم يضر بالإقبال على هذا النوع من الأدبيات المنتشر على نطاق واسع حتى يومنا هذا.
وبالرغم من أنَّ المُبَشِّر صموئيل زويمير Samuel Zwemer (1867 حتى 1952) استطاع بفضل نتاجه باعتباره كاتبًا عن الشرق أنْ يفرض رؤيته القائلة بأنَّ الإلمام والمعرفة بالبلدان وبأديانها هي شروط ضرورية للتبشير بالمسيحية في أوساط المسلمين، إلا أن هذا لم يثمر إلا لمامًا. لكنَّ الحجة القائلة بأنَّ النبوءات المبالغة لقيام الساعة والمعادية للإسلام من شأنها أن تضر بالرسالة الخاصة، ظلت تشكل رغم ذلك أحد الثوابت في الجدل الداخلي للإنجيليين منذ فترة ما بين الحربين العالميتين وحتى اليوم.
ويبدو هنا أنَّ المعسكر الأكثر تأثيرًا في دعم إسرائيل قد أفلح في جعل صوته مسموعًا بفضل رواجِ أعداد كبيرة من الكتب التي تتناول ردود فعل هذا المعسكر التنبؤية في تقديراتها للصراع العسكري المتكرر في الشرق الأوسط. ومن مواضيعها المحببة تدمير المساجد في الحرم الشريف وإعادة بناء الهيكل اليهودي.
المعركة النهائية وإعادة تشييد بابل
كما تجري رؤية التحالف الإسلامي-الروسي بوصفه تحالفًا يقاتل إلى جانب المسيح الدجال. وبينما كان يُنظر إلى الاتحاد السوفيتي أثناء الحرب الباردة على أنَّه حليف العرب أثرياء النفط، أضيف إليه الإيرانيين بعد الثورة الإسلامية، وتم استبدال السوفييت بالروس.
بيد أن التركيز على الإيرانيين تراجع مؤقتًا بإلهامٍ من المعركة النهائية للتقديس البابلي الجديد لصدام حسين ولحرب الخليج الأولى، وذلك في سبيل إفساح المجال لإعادة تشييد بابل، التي تم إعلانها يوم ذاك مقرًا للمسيح الدجّال، وتم التركيز على شخصية رجل من رومانيا يحمل الاسم الأسطوري نيكولاي كارباتيا وتمثل في ملايين الكتب المبيعة من سلسلة كتب علامات الساعة "الاختطاف أو المتروكين" "Left Behind" .
ازدادت المشاعر المعادية للإسلام بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر، وعاد استغلال التقارير عن مسلمين يعتنقون المسيحية إلى الظهور، حتى ولو تضمن بعضها تعليماتٍ عن كيفية كسب "الجيران المسلمين" وجعلهم يعتنقون المسيحية.
يكتب توماس س. كيد أنَّ إدارة بوش قد حاولت في أجواء الحرب المحمومة على الإرهاب أنْ تؤثر على الإنجيليين ليكونوا أكثر اعتدالاً في موضوع الإسلام. بيد أن كتّاب قيام الساعة الإنجيليين تكيّفوا مع الأحداث، حيث يتم تفسير حرب العراق اليوم على أنَّه مؤشرٌ إلى الضربة القادمة القاضية للإسلام. أما "المسيح الدجّال" فهو الآن مسلمٌ مائة في المائة. ويتجلى في صورة المهدي الإسلامي، المدجج بتقنيات الأسلحة الذرية الروسية-الإيرانية.
جوزيف كرواتورو
ترجمة: يوسف حجازي
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2010
Thomas S. Kidd: "American Christians and Islam. Evangelical Culture and Muslims from the Colonial Period to the Age of Terrorism". Princeton University Press, Princeton 2009. . توماس س. كيد : "المسيحيون الأميركيون والإسلام. الثقافة الإنجيلية والمسلمين من فترة الاستعمار حتى عصر الإرهاب". منشورات جامعة برينستون ، برينستون 2009.
قنطرة
حركات تنشر الكراهية باسم الدفاع عن "رب المحبة":
المسيحيون الأصوليون يعادون الإسلام
ثمة موجة في ألمانيا الآن لمعارضة الإسلام واعتباره خطرا على المجتمعات المسيحية، باسم الدفاع عن المسيحية. كلاوديا منده تكشف أبعاد هذه الظاهرة.
الكاتب الصحفي روبرت ميسيك والنقد الديني:
اللهم نجّنا من عودة الأديان!
على الرغم من أن روبرت ميسيك يمارس توجيه النقد الديني الكلاسيكي إلا أنه يُعتبر في الوقت نفسه من المعارضين الجادّين لمزاعم التخويف من الدين الإسلامي. كما يؤكد أن "المرء لا يستطيع إقناع الآخر بتفوقه الأخلاقي ما دام مستمرا في احتقار هذا الآخر". لويس جروب يعرفنا بملاحظات الكاتب ميسيك النقدية
لعنف ضد معتنقي الديانات الأخرى
حول حركة التطرف في الإسلام
تتواجد في تاريخ كل الأديان العالمية فترات، مورس فيها العنف بحجج دينية في حق معتنقي الديانات الأخرى ليس من السهل أن نجد جوابًا على سؤال مفاده، هل يمكن إرجاع اعتداءات إرهابية إسلامية متطرفة - كذلك - إلى الدين الإسلامي وعلاقته بالعنف. يرد في القرآن والسنة تأييد للعنف ضد معتنقي الديانات الأخرى. بيد أن هذا وحده لا يكفي من أجل استيعاب هذه المعضلة التي نحن بصددها. بقلم تلمان ناغل.