عودة إلى القرون الخالية؟
"أنظروا كم هو حسن وجميل عندما يعيش الأخوة مع بعضهم بعضًا في وئام". بهذه العبارات المقتبسة من المزمور رقم 133 رحَّب البابا بنديكت السادس عشر في شهر تشرين ثاني/نوفمبر 2006 أثناء زيارته في إسطنبول ببطريق القسطنطينية وأكَّد من خلال ذلك على المساعي المشتركة التي تبذلها الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية من أجل التغلّب على الانقسام الذي يمتد إلى قرون من الزمن.
والفاتيكان يسعى من أجل التقارب، إذ زار ممثِّلوه في عام 2006 تركيا وكانوا قبل ذلك في بلغاريا وكذلك في الفترة ما بين لدى الأقباط المصريين ولدى الكنيسة الأرثوذوكسية الروسية. وحتى الآن لا يتحدَّث البابا بنديكت السادس عشر حول هدف هذه المساعي - أي إيجاد كنيسة موحَّدة. ولو أنَّه فعل ذلك، فعندئذ سوف يشعل هذا جدالاً جديدًا. وتعامل هذا البابا مع الكنائس المسيحية الأخرى وكذلك مع أديان أخرى يجعل هذا الاستنتاج منطقيًا.
في ظلِّ النهج المحافظ
وفي كلِّ الحالات يبقى البابا مخلصًا لنهجه المحافظ والذي ينظر إلى الكنيسة الكاثوليكية على أنَّها الكنيسة الحقيقية الوحيدة. وعندما يتحدَّث عن "وحدة الكنيسة" فعندئذ يقصد بذلك على وجه التحديد كنيسته الكاثوليكية. واتَّضح ذلك كثيرًا عندما صدَّق البابا في شهر تمّوز/يوليو 2007 بشكل صريح على وثيقة تم فيها تعريف البروتستانتيين وكذلك أيضا ملل ومذاهب أخرى باعتبارهم "يعانون من عيوب" يتعلَّق فيها الأمر بمجرد "طوائف كنسية" ولكن ليس "بالكنائس بمعناها الحقيقي".
وتم وصف الكنيسة الأورثوذكسية بوضوح باعتبارها "كنيسة ناقصة" وذلك لأنَّها لا تعترف بالبابا ولأنَّها ترفض إقامة مآدب طعام مشتركة مع البروتستانتيين. وهذا التصريح أثار موجة كبيرة من التذمّر والاستياء لدي البروتستانتيين، ولكن في الفاتيكان أشار المرء إلى أنَّه لا يتم في هذا الصدد إلاَّ إعادة آراء ووجهات نظر قديمة ومعروفة - هذه الآراء ووجهات النظر التي لم يكن يتم عرضها بطبيعة الحال من قبل أسلاف هذا البابا ولم يكن يُنظر إليها باعتبارها نهجًا أساسيًا في إجراءاتهم.
إعلان مشكوك فيه عن الحوار
وثمة حكمة شرقية عن السياسيين مفادها أنَّهم لا يستطيعون الاهتمام بجميع أفراد الشعب إذا لم يكونوا يهتمّون بأفراد أسرهم الخاصة. ونظرًا إلى ذلك لا بدّ أيضًا من مواجهة إعلان البابا عن حوار الأديان والذي نسمع عنه مرارًا وتكرارًا بارتياب وشكّ.
وهذا يمسّ المسلمين واليهود وعلى الرغم من أنَّ البابا قد التقى مع ممثِّلين عن الطائفة اليهودية - على سبيل المثال أثناء مؤتمر الشباب العالمي في مدينة كولونيا الألمانية في الكنيس الموجود هناك. وعلى الرغم من أنَّه قد دعا في الفاتيكان ممثِّلين رفيعي المستوى من جميع أرجاء العالم الإسلامي من أجل الحوار. فقد قضى البابا بنفسه على آمال المسلمين في تحسين العلاقة مع الكنيسة الكاثوليكية وذلك في "محاضرة ريغنسبورغ" عندما اقتبس الاقتباس التالي من نصّ لقيصر بيزنطي في المحاضرة التي ألقاها أمام جامعته القديمة: "قال - وأنا أنقل كلامه: أروني ما الجديد الذي أتى به محمد، وستجد فقط السيِّئ وغير الإنساني لأنَّه فرض نشر الدين الذي يدعو إليه بالسيف".
وأثار ذلك موجة من الغضب والاستياء رافقتها مظاهرات في بلدان مختلفة من العالم الإسلامي. وبذل الفاتيكان جهودًا كبيرة من أجل تصحيح التأثير الذي تركته هذه المحاضرة. غير أنَّ البابا لم يكن مستعدًا للتراجع عن تصريحاته. فهذا البابا الذي تقرّ له العقيدة الكنسية بأنَّه معصوم عن الخطأ لا يتراجع عن أي شيء.
إهانة للمسلمين واليهود
وبعد ذلك بعامين أثار البابا من جديد اضطرابات بين المسلمين، وذلك عندما قام شخصيًا في روما بتعميد صحفي مسلم مشهور ارتدّ عن الإسلام وانتقل إلى المسيحية. وشكَّل هذا بالنسبة للكثيرين من المسلمين استفزازًا يبرز من خلاله نشاط الكنيسة الكاثوليكية التبشيري.
وكذلك شعر اليهود بهذا الموقف وذلك عندما أعاد البابا في عام 2007 إدخال طقوس الجمعة الحزينة اللاتينية والتي يرد فيها: "دعونا نصلِّي من أجل اليهود لكي ينير ربُّنا قلوبَهم حتى يقرّون بأنَّ يسوع المسيح هو مخلِّص ومنقذ جميع البشر". وتم على إثر احتجاجات عالمية ليس فقط من قبل اليهود تخفيف لهجة هذه الصلاة، بيد أنَّه لم يتم استبعادها من الطقوس الدينية.
ولم تكن هذه هي المرَّة الوحيدة التي استخدم فيها البابا بنديكت السادس عشر لهجة شديدة إزاء اليهود؛ إذ إنَّه لم يتحدَّث أثناء زيارته إلى أوسشفيتس في عام 2006 عن ذنب الألمان، بل عن "شعب مُغرَّر به". وقد أثقل الخلاف الأخير حول إعادة تأهيل أتباع أخوية بيوس ومنكر حقيقة المحرقة، ريتشارد ويليامزون على كاهل العلاقات الثنائية.
وفي البدء حاول الفاتيكان مثلما حاول في حالات أخرى الانتقال بأسرع ما يمكن إلى جدول الأعمال، ثم جاء الطلب المفاجئ الذي وجَّهه إلى أخوية بيوس لحملهم على الابتعاد عن إنكار حقيقة المحرقة. ولكن الفاتيكان لم يقرّ بأي خطأ من أخطائه.
وقد بدأت حالات خروج الكاثوليكيين الغاضبين من الكنيسة الكاثوليكية تتزايد، كما أنَّ معتنقي الأديان العالمية الأخرى بدأوا يشكِّكون في استعداد البابا للخوض في حوار الأديان. وهم يستطيعون في ذلك الاستشهاد بكلام البابا بنديكت السادس عشر الذي كتب في مقدِّمة كتاب أنَّ حوار الأديان مستحيل على المستوى اللاهوتي من دون أن يضع المرء حدّا لمعتقده الخاص.
وكتب البابا أنَّ المرء يحتاج إلى حوار بين الثقافات. ولكنَّه أدلى كذلك في موضع أخر برأي معارض للتعدّدية الثقافية. ولهذا السبب اتَّهم النقَّاد البابا بأنَّه قد أرجع الكنيسة أثناء فترة توليه منصبه التي لا تتجاوز حتى الآن أربعة أعوام عقودًا وحتى قرونًا من الزمن إلى الوراء.
بيتر فيليب
ترجمة: رائد الباش
دويتشه فيله 2009
قنطرة
حوار مع الراهب اليسوعي كريستيان ترول:
"الحوار الكاثوليكي الإسلامي "الحوار الكاثوليكي الإسلامي خطوة نحو شراكة قيمية"
بمبادرة من الجانب الإسلامي عُقد في مطلع شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري في الفاتيكان أول منتدى للحوار الكاثوليكي الإسلامي. الراهب اليسوعي وأستاذ العلوم الإسلامية كريستيان ترول شارك في المنتدى ويتحدث في حوار مع لويس غروب عن حرية الاعتقاد الديني في أوروبا والعالم الإسلامي والتحديات التي يطرحها التنوير بالنسبة إلى الدين.
الحوار بين الكنيسة الكاثوليكية وشيعة إيران:
"تقارب يقوم على المصالح المشتركة"
في لقاء فريد بين رجال دين شيعة إيرانيين والبابا بينيديكت السادس عشر وأعضاء من المجلس البابوي للحوار بين لأديان تم الاتفاق على صيغة بيان مشترك حول "الإيمان والعقل في المسيحية والإسلام"، وذلك في إشارة مهمة إلى تخفيف حدة التوترات السياسية الدينية. راينهارد كليبر يجمل مظاهر هذا التقارب.
بناء المساجد في ألمانيا:
"النقد مسموح والتحريض ممنوع"
أعلن الأساقفة الكاثوليك عن مبادرة خاصة تتعلق ببناء المساجد في ألمانيا، يسعون من خلالها إلى المساهمة في جعل الجدال الدائر حول المساجد موضوعيًا. وهم يقدِّمون بهذا جوابًا بالرفض لجميع الذين يعيِّنون أنفسهم منقذين للغرب المسيحي وكذلك لأولئك الذين يحذرون من "أسلمة أوروبا". كلاوديا مينده تعرفنا بهذه المبادرة ودلالاتها.