القيم الأمريكية للإسلام
تقول سكينة وهي تعبث بالقماش الملون الذي تغطي به شعرها كما لو كان عمامة: "لا يوجد في الإسلام عنصرية ولا تفرقة بين الجنسين. وفي الإسلام أشعر بكرامة كامرأة وسوداء اللون". لهذا اعتنقت الإسلام وهي في السادسة عشر من عمرها. وقبل خمس سنوات كانت سكينة تُدعى فيفيان وكانت ملتحقة بالمدرسة الثانوية في بروكلين، ولم يكن لها أصدقاء سوى أفروامريكان من عائلات مسيحية. وكانت جدتها تواظب على الذهاب إلى الكنيسة.
أما أمها فكانت مضطرة للعمل نهاية الأسبوع نادلة لتعول أولادها الثلاثة. ولم تر سكينة والدها قط لأنه اختفى وهي لا تزال رضيعة. وعندما تعرفت فيفيان في الخامسة عشر من عمرها على جمال كانت قد مرّت من ذي قبل ببعض التجارب مع الشباب، وتعلق على ذلك قائلة: "لقد استغلّوني، إنني كنت صبية هوجاء تقع في الحب بسرعة. لكنهم كانوا لا يريدون سوى بنات رشيقات القوام وبيضاوات البشرة أو شقراوات".
الإسلام وقواعد الجماعة
أما جمال فكان يختلف عنهم، ليس فقط لأنه كان يقول لها أنها جميلة على الرغم من أنها ليست رشيقة القوام وشعرها لا يمكن جعله أملسا وبشرتها سمراء. وحكى جمال، البالغ من العمر عشرين عاما، لفيفيان أنه أُجبر على المشاركة في مشروع اجتماعي لصالح الشباب عقابا له على ارتكابه جريمة مخدرات. وروى لها أيضا أنه سمع من الشباب الأفروامريكان المشاركين في المشروع أن حياتهم استقامت مرة أخرى، وأن الإسلام ساعدهم على أن يصبحوا أفرادا ضمن احدى المجموعات، ذلك لأن المسيحية للبيض فقط وأنها ديانة أرباب العبيد الذين يريدون إهلاك الزنوج.
ثم انتهى المطاف بجمال أولا إلى منظمة "أمة الإسلام" ذات النشاط القوي في الدعوة بين الرجال الأفروامريكان في أحياء الغيتو وفي السجون. هذه المنظمة التي أُسست عام 1930 عبارة عن جماعة أفروامريكية تروّج الإسلام بين الزنوج على أنه الديانة الحقة، ويرون أن المسيحية ديانة عنصرية للبيض فقط. كما ساعد الملاكم محمد علي على نشر المنظمة بين الجماهير.
تنامي تأثير الإسلام السّني
يُعتبر القائد الحالي لـ"أمة الإسلام" هو لويس فاراخان، ذات الشخصية الجذابة، وهو مثير للجدل بسبب أقواله العنصرية العديدة، ويعتبره كثير من الأمريكان نمطا للمسلم الأسوَد. لكن مسلمين يرون أن "أمة الإسلام" مثيرة للجدل وينعتونها بالإلحاد. ولكن "أمة الإسلام" حاليا فقد ساءت حالتها منذ سنوات، وتقدمت السن بلويس فاراخان ومرض وضعفت قدرته على الإدارة.
هكذا تحول جمال على مر الزمان، مثله في ذلك مثل كثير من أعضاء "أمة الإسلام" سابقا، إلى الإسلام السني، وأصبح يتردد بانتظام على مسجد التقوى بحيّ Bedford-Stuyvesant في بروكلين. وكان إمام هذا المسجد، الشيخ سِراج وهّاج، أيضا عضوا ناشطا في "أمة الإسلام" لبعض سنوات من شبابه قبل أن يتحول إلى الإسلام السنّي.
يُعد الشيخ سراج وهاج اليوم من أشهر وأجذب الأئمة في أمريكا وهو دائم الترحال وخطبه العديدة يمكن قراءتها على صفحات الانترنت. وتلقى خطبه تقديرا كبيرا بين الشباب على وجه الخصوص – وليس فقط بين الأفروامريكان – لأنها تربط بين السياسة والمبادئ الأخلاقية بأسلوب يكاد يكون بروتستانتي.
هيمنة 'المساجد العِرقية'
إن روّاد مسجد الشيخ سراج غالبيتهم من المسلمين الأفروامريكان، ولا عجب في ذلك لأن غالبية المساجد الأمريكية "مساجد عِرقية"، حيث تُسمى حسب السواد الأعظم لروّادها، مثل مسجد الأفروامريكان أو مسجد الباكستانيين أو الشمال إفريقيين.
ولما أخذ جمال فيفيان معه إلى المسجد أول مرة تأثرت بخطبة الجمعة، حيث كان الشيخ سراج يتكلم عن غياب الأخلاق في المجتمع الأمريكي وعن الأسر المفككة وعن الخمور والمخدرات، وتعرّض أيضا لتأثير الفقر والإجرام والتمييز العنصري في خراب الأسر، وخاصة الزنوج.
وتروي سكينة أنها أُعجبت آنذاك بتوجيه الإمام سراج كلامه إلى الرجال الحاضرين في المسجد، وكيف كان "يصرخ فيهم بقوّة" قائلا أن عليهم تحمّل المسئولية والذهاب إلى العمل بدلا من التسكع في الشوارع مع الأصدقاء، وأن السبيل الوحيد لتفادي هذه المساوئ هو 'العيش طبقا لأحكام الإسلام'، التي لا تفرض على النساء واجبات فقط، بل تفرض لهن حقوق، ولا تفرض للرجال حقوق فقط، بل تفرض عليهم واجبات، وعلاوة على ذلك فإن القرآن يحرّم التمييز العنصري.
المساواة بين جميع المؤمنين
ثم روى الإمام سراج قصة مالكوم اكس، ذلك المجرم المنتمي إلى ديترويت الذي اعتنق الإسلام في السجن وأصبح إنسانا سويّا وأقلع عن الخمور والأعمال الإجرامية وممارسة الجنس، ثم قام في البداية بإدارة مسجد "أمة الإسلام" في مانهاتن ثم تعرّف بعد ذلك على الإسلام الحقيقي أثناء رحلة الحج إلى مكة. ذلك الإسلام الذي يساوي بين جميع المؤمنين، بغض النظر عن لون بشرتهم أو جنسهم.
وفي الجمعة التالية نطقت فيفيان بالشهادة في المسجد، وبدءا من تلك اللحظة أطلقت على نفسها اسم سكينة وأصبحت واحدة من مجموعة كبيرة من الأفروامريكان الذين اعتنوا الإسلام جديدا ويتزايدون باستمرار. تعتبر الولايات المتحدة الدولة الوحيدة في العالم الغربي التي يوجد بها أكبر مجموعة من المسلمين الجُدد. والعدد الحقيقي مختلف عليه، لكن حكومة الولايات المتحدة تقول إن هناك حوالي ستة ملايين مسلم في أمريكا، وأن أكثر من ثلثهم أفروامريكان اعتنقوا الإسلام جديدا.
البحث عن العيش الكريم
يرى كثير من الشباب، مثل جمال، جانبا إيجابيا في فترة الشيطنة من حياتهم لأنها ساقتهم إلى اعتناق الاسلام، ومن ثم جعلت لديهم رغبة في العيش عيشة مستقيمة. كما تأمل الفتيات - اللاتي كن يشعرن كَنِسوة سوداوات بامتهان واحتقار كرامتهن، مثل سكينة - في تحسين هويتهن وإلى الشعور بالأمان وإلى بناء أسرة مستقرة.
ويروي كثير من معتنقي الإسلام الجُدد وأيضا المسيحيين الناقدين لأنفسهم أن كنائس الزنوج لا تدرك هذه الواجبات بالقدر الكافي، وبدلا من أن يهتموا بمشاكل مناطق الغيتو نشأت مجموعة موفورة العيش تحس بأحاسيس الطبقة المتوسطة الزنجية.
هذه الثغرة، أي عدم الاهتمام بطبقة الزنوج، لا تلقى اهتمام جماعات مثل "أمة الإسلام" فقط بل أيضا أئمة الإسلام السّني أمثال الشيخ سراج وهاج. إنها أيدلوجية تربط بين القيم الكنسية المحافظة ونقد البنية السياسية العنصرية التي غالبا ما تقننها الكنيسة. هذه الأيدلوجية تعتبر جذابة لاسيّما إذا تمت بأسلوب إسلامي بليغ.
"الأخ أوباما" والقيم الأمريكية وتعدد الزوجات
من الممكن للمرء كأفروامريكاني أن يظهر تحفظاته العاطفية الكبيرة تجاه مجتمع الأغلبية المسيحي الأبيض باعتناقه الإسلام، وهذا الظاهرة لم تبدأ بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر / أيلول 2001، أما التطلع إلى القيم الأمريكية فيكون فقط باسم الإسلام. لقد تزوج جمال سكينة بعد اعتناقها الإسلام بقليل. والآن يعمل أخصائيا اجتماعيا يشرف على أناس كانوا سابقا أعضاء في مجموعات إجرامية. أما سكينة فتدرس الآن في كلية الخدمة الاجتماعية وتريد أن تصبح مدرّسة. وقد أنجبا بنتين، وتتمنى سكينة أن تصبحا يوما ما إما طبيبات أو محاميات. وأثناء حملة أوباما الانتخابية كان الاثنان مشاركين "على الرغم من أنه لا يعارض الزواج المثلي أو الإجهاض، ولكنه أحد الأخوة، وهذا هو الأهم".
إن الشيء الوحيد الذي يؤرق سكينة الآن هو أن جمال خطرت على باله فكرة الزواج من امرأة ثانية، وعلى الرغم من أن تعدد الزواج في الولايات المتحدة محظور رسميا إلا أنه بين المسلمين الأفروامريكان ليس من الأشياء غير المألوفة. وتقول سكينة "أعلم أن هذا من حقه إسلاميا، ولكن المسلمون المهاجرون لا يفعلون ذلك". وهي ترى أنه بتكاليف هذا الزواج يمكن الذهاب إلى مكة.
كاترين سيمون
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع: قنطرة 2009
تم تغيير الأسماء من قِبل الكاتبة
قنطرة
محمد شحرور:
لا أمل في إصلاح سياسي دون إصلاح ديني!
فرض المفكر الإسلامي السوري الدكتور محمد شحرور نفسه على الساحة الثقافية الإسلامية بقوة منذ صدور كتابه الموسوعي "الكتاب والقرآن ـ قراءة عصرية" الذي طرح فيه نظرة جديدة للإسلام من خلال المنهج اللغوي كما دعا فيه إلى فقه جديد في قضية المرأة المسلمة. وقد تعرض شحرور في الآونة الأخيرة إلى حملة إعلامية شديدة وصلت إلى حد المطالبة بمحاكمته بسبب ما اعتبر انتقاص من شأن الرسول ومن أحكام إسلامية وردت في القرآن والسنة. في الحوار التالي يطالب شحرور بإصلاح ديني جذري في العالم العربي.
موقف المنظمات الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية من الإرهاب:
"الأعمال الإرهابية مناقضة للقرآن والسنة"
بعد الإعتداءات الأخيرة في لندن عبرت المنظمات والقيادات الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية من جديد عن استنكارها للإرهاب، ونصحت المسلمين صراحة بعدم الإنحراف عن الدين. وقد صدرت هذه النصيحة الآن من قِبل "مجلس فقه شمال أمريكا" في صورة فتوى. تقرير مارتين واجنر.
الإسلام وأمريكا:
المسلمون في الولايات المتحدة الأمريكية
عانى المسلمون في أمريكا بشكل خاص من التفرقة وسوء المعاملة بعد اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول. لاله كونوك زارت مدينة ديربون، أكبر تجمع للعرب في الولايات المتحدة.