أما آن لكم أن تعترفوا أيها المسلمون؟
صحيح أن المسلمين ليسوا كلهم إرهابيين، يكتب محرر صحيفة مصرية أخيرا. لكنه صحيح أيضا أن عدد المسلمين الإرهابيين ما فتئ يتزايد و يتكاثر، يواصل المحرر تعليقه. أمر مزعج، لكنه حقيقة. حتى أن المرء قد غدا يستحي تقريبا من كونه مسلما، لأن هناك أناسا يقتلون غيرهم باسم هذه الديانة.
بإمكان المرء أن يردد للمرة الألف بأن الأمر يتعلق هنا باستعمال مغرض للدين، لكن هذا لم يعد كافيا ليجعلنا نشعر بشيء من المواساة. وإنه لا يسع الواحد إلا أن يتوجه إلى أبناء عقيدته الذين يكن لهم الاعتبار بهذا النداء: أيها الناس لقد آن الأوان كي تستوعبوا القيم الكونية التي لا تسمى كذلك عبثا، غير أن الكثيرين، وبالذات الكثير من المسلمين للأسف لا يعتبرونها هكذا.
لا يحق بطبيعة الحال أن يوضع كل المسلمين موضع الاتهام، الأمر الذي تتخوف منه العديد من الجمعيات الإسلامية هنا. لكنه لا ينبغي أن نتناسى أيضا أن الأفكار الإسلاموية ما فتئت تنتشر وتوسع من مجال تأثيرها، داخل الجامعات على وجه الخصوص.
ولئن كان هناك عدد قليل فقط ممن يدعو إلى العنف، فإن الكثير من رؤاهم مع ذلك لا تتلاءم والمبادئ الأساسية لنظام الحرية والديموقراطية لهذه البلاد. وهذه الرؤى تمثل الأرضية التي ينتعش في تربتها التعصب والتطرف. صحيح أن التفكير بآراء تناقض الدستور لا يعد جنحة يعاقب عليها القانون، لكنني كمسلمة أرى أنه من حقي أن أدعو أبناء عقيدتي إلى ضرورة إعلان انحيازهم بوضوح إلى نظام حكم هذه البلاد وإلى تشريعاته ومبادئه الأساسية.
حرية الرأي في هولندا
إلى جانب أولئك الذين يصرحون عاليا عبر العالم كله بأفكارهم المناهضة للديموقراطية هناك أيضا أولئك المسلمين الذين يبررون خفية هذه الجريمة. ولئن كانوا يفعلون ذلك بشيء من عدم الارتياح، فهم يدافعون مع ذلك عن موقف أن تيو فان غوغ ما كان يحق له أن ينعت النبي باللواط، وأن تعمّده نعت المسلمين بناكحي الماعز أمر يتجاوز هو أيضا حدود المسموح به. إلا أنه لا ينبغي على المرء أن يفكر بمثل هذا التفكير.
فمسألة ما إذا كان يحق له أو لا يحق له ليست مهمة بالنهاية، فهولندا بلاد تسود فيها حرية الرأي، ومن لا يستطيع أن يقبل بذلك فما عليه إلاّ أن يرتحل عنها. وكل من ليست له قابلية للتأقلم مع نظام القيم السائدة في هذه البلاد ليس له من مكان فيها.
أما من يشعر بأنه قد أهين من طرف فان غوخ فيظل بإمكانه أن يرفع ضده قضية أمام العدالة كما فعل ذلك آخرون كثيرون، ذلك أن فان غوغ لم يخص المسلمين دون غيرهم بدفق مشاكساته الشرسة. فقد قال مرة عن ليون دي فنتر الذي يعيب عليه المتاجرة بأصله اليهودي إنه يحلو له عند ممارسة الجنس أن يربط أسلاكا شائكة حول عضوه الذكري ويصرخ: "أوشفيتز، أوشفيتز". وقد رفع دي فنتر قضية ضده إلى المحكمة. هكذا يفعل المرء في دولة القانون، أو يكتب ضده.
سجق كولوني من حين لآخر، لمِ لا ؟
الكثيرون من بني ديانتي لم يفهموا بعد هذا الأمر. العديد منهم يطالبون بتسامح هم غير مستعدين للتصرف بموجبه تجاه الآخرين. يريدون أن يُسمح لهم بأن يكونوا متدينين وأن تقلب أسس الحياة العامة في ألمانيا رأسا على عقب من أجل ذلك، لكنهم في الوقت نفسه لا يبدون استعدادا للقبول بأن يكون لغيرهم نمط عيش مغاير.
وأنا من جهتي لا أرى مانعا من أن يشيد المسلمون جوامع في ألمانيا، ولتكن بالعلو الذي يحلو لهم، كما أن صوت المؤذن لا يزعجني، لكن لا يحق لهم بالمقابل أن ينظروا إلي شزرا لكوني لم أدخل جامعا قط في موطن إقامتي كولونيا. يحق للمسلمين أن يقتنوا اللحوم المذبوحة على الطريقة الإسلامية، لكن لا يحق لهم أن يعتبروا مذنبا كل من يعن له بين الحين والحين أن يأكل قطعة سجق كولوني مشوية.
يحق للمسلمات أن يتحجبن في المدارس بما في ذلك من تعمل مدرّسة، لكن إذا ما خطر لها أن تسأل ابنتي لماذا لا أضع أنا أيضا حجابا فعندها سأعمل كل ما بوسعي كي تطرد تلك المدرّسة من العمل.
لعل قاتل فان غوخ قد أحس فعلا بأنه قد أهين من خلال الاستفزازات التي يتضمنها فيلم "Submission" (خضوع). وقد صور فان غوخ آيات قرآنية مخطوطة على ظهر امرأة مدمى بآثار الجلد ومغطى بقميص شفاف. لكن وحتى إذا ما بدا ذلك في نظر القاتل كتجديف فإنه لا يحق له أن يأخذ على عاتقه مهمة الانتقام لتلك الجريمة (لأن مثل هذا العمل يعد كذلك في عين الشرع الإسلامي).
ذلك من صلوحيات الله وحده، وله يُترك الأمر كما سرى به العمل غالبا خلال التاريخ الإسلامي. وقد كان آية الله الخميني يعلم ذلك بدوره عندما أعلن رِدّة سلمان رشدي؛ لقد تصرف آنذاك مدفوعا بدوافع سياسية لا دينية. والخميني يعرف أن الكفر والردة خطايا لا قصاص فيها إلا لله وحده، لكن شخصا متعصبا أعمى لا يعرف ذلك، ولذلك كان على الناشر النرويجي لسلمان رشدي أن يدفع الثمن بحياته.
جهل بالدين الإسلامي
وهناك عدد كبير من مسلمي هولندا لا يعرفون هذا الأمر هم أيضا وإلا لما سمحوا لأنفسهم بأن يتهموا بالردة إيان هيرسي علي مساعدة فان غوغ في كتابة شريط "خضوع" وأن يتوعدوها بالقتل. ومن المضحك المؤسف أن الكثير من المسلمين بالفعل لا يعرفون الكثير عن دينهم، وذلك هو ما يجعل الأمور أكثر خطورة.
ولنفترض أن فان غوخ قد تجاوز لا أدري أي نوع من الحدود الذوقية، فمع ذلك يظل ما شهّر به في شريطه من اضطهاد للمرأة في البلدان الإسلامية حقيقة لا يمكن أن ينكرها أحد. قد تكون الطريقة التي أشار بها إلى الأمر استفزازية؛ لكن أليس من الأجدر بالمسلمين –هنا في أوروبا بالذات- أن يولوا اهتمامهم بالأحرى لمواجهة موضوع اضطهاد المرأة بدلا من العناية بالمستفزّ.
ذلك أن هذا الاضطهاد الذي تعانيه المرأة موجود فعلا وبشكل واسع الانتشار، وحتى وإن كانت أسبابه تكمن في بنية النظام البترياركي فإن الحجة التي تعتمد غالبا لتبرير ذلك هي القرآن.
ومن يعرف في مصر على سبيل المثال أن ختان المرأة لا ينص عليه القرآن بالمرة؟ لا بد إذًا من الدخول في مواجهة مع التقاليد. وعندما تتعارض بعض المواضعات الإسلامية مع حقوق الإنسان فإنه يتعين الانفصال عنها. أما أن يتم الدفاع عن النسبيات الثقافية وإبداء التفهم تجاه الاعتداءات على حقوق الإنسان فذلك بكل بساطة خطأ ولا علاقة له البتة بالتسامح.
حقوق الإنسان في المقام الأول
وبالمناسبة فإن التذرّع بحجة "هكذا ورد في القرآن" لا مسوّغ له أساسا، إذ أن كل آية قرآنية قابلة لعدد كبير من التأويلات. وليس من باب الصدف أن أفرز الاجتهاد الاسلامي عبر القرون شروحا قرآنية متنوعة: صوفية وفلسفية، يمينية ويسارية. وتبعا لذلك يكون علينا اليوم في القرن الواحد والعشرين أن نعتمد تأويلا للقرآن يجعله لا يحتل موقع النقيض لحرية الرأي وحقوق الإنسان ودولة القانون.
لذلك فإنه بإمكان المرء أن يطالب كل مسلم يريد العيش هنا أن يلتزم بالاعتراف بنظام القيم السائدة هنا وأن لا يطلب لنفسه تسامحا لا يبدي استعدادا لممارسته تجاه النماذج الحياتية المغايرة لنمطه الخاص. هي ذي الديموقراطية الحقيقية، وهي التي نحتاج إليها.
بقلم كتايون أميربور، صدر التعليق في صحيفة زوددويتشه تسايتونغ بتاريخ 11.11.2004
ترجمة علي مصباح
كتايون أميربور كاتية وباحثة، مقيمة في كولونيا