بلد بين الحرب والسلام
بلد بين الحرب والسلام
إصدار حديث يقدم معلومات وتحليلات عن عراق ما بعد الحرب ودور الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة. رشيد بوطيب قرأ الكتاب ويقدمه لنا
تتطرق مساهمات الكتاب للعديد من القضايا التي تهم العراق خصوصا والشرق الأوسط عموما. كما أنها تتعرض بالتحليل والنقد لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، هذه السياسة التي تم الاجماع على نعتها بالامبريالية، دون أن تنسى الاشارة الى غياب سياسة شرق أوسطية واضحة ومتكاملة لأوروبا.
واذا كان المرء لا يشك بالسياسات الاستعمارية للولايات المتحدة الأمريكية ودور النفط في رسم هذه السياسات، فإن الحرب الأخيرة وإن كانت حربا امبريالية تختفي خلف مبررات "واهية"، إلا أنها وضعت أيضا نهاية لنظام قهري دام أكثر من ثلاثة عقود، ولإيديولوجية دوغمائية وعنصرية تلتقي بالفاشية الأوروبية في العديد من النقاط: تمجيد العرق العربي والثقافة العربية على حساب الأعراق والثقافات واللغات الأخرى، بل والعمل على تطهير العراق من الأعراق الأخرى، ولا أدل على ذلك من القصف الكيماوي لحلبجة أو المقابر الجماعية التي تم العثور عليها مؤخرا في أطراف بغداد أو عملية تجفيف الأهوار في الجنوب واغتيال العالم الشيعي الكبير أحمد باقر الصدر.
إن كاي حافظ يعتقد بأن الولايات المتحدة غير جادة في مشروع دمقرطتها للعراق، لأن من شأن الديمقراطية أن تلجم أطماعها في نفط العراق وأن تصل بالشيعة الى سدة الحكم، ويستشهد بإطاحتها بحكومة مصدق الديمقراطية في ايران التي عمدت الى تأميم النفط أو بالرئيس المنتخب ديمقراطيا في الشيلي سلفادور أليندي، إلا أنه لا يكلف نفسه في مداخلته عناء الحديث عن طبيعة النظام العراقي ولا عن سياساته الدموية بحق المواطنين وحروبه التي جرت الدمار على الاقتصاد والمجتمع العراقيين، والتي أشرعت بذلك الباب للتدخل الأمريكي بالمنطقة. إن قراءة الأحداث بعقلية "المؤامرة" دون تفكيك مسبباتها تظل في مجموعها قراءة أحادية البعد، سطحية وإيديولوجية، وهو لا يختلف في ذلك عن عزيز القزاز وأطروحاته الشعبوية فيما يخص العراق التي تلصق كل التهم بأمريكا ولا تتوانى أن تدافع عن نظام ديكتاتوري، بل أن تبرئه في لغة وقحة من كل الجرائم التي اقترفها بحق الشعب العراقي وشعوب المنطقة (انظر مجلة دير شبيغل، العدد 8/ 2003).
طبيعة النظام العراقي
وفي نظرنا تظل مساهمة آخيم رودو "عن ثياب الامبراطور" الأكثر أهمية: إذ أنها تتعرض بالتحليل والنقد لطبيعة النظام العراقي من الداخل. إنها تصف ذلك التطور الدرامي من الأمة الى الدولة الإقليمية ثم الى القبيلة، ـ هذا التطور الذي كان قد أشار إليه رياض نجيب الريس في كتابه "رياح السموم"ـ ذلك الانتقال من مبادئ القومية العربية وتطلعاتها نحو تأسيس وحدة سياسية عربية، الى دولة صدام حسين التي همشت تلك المبادئ أو عمدت الى استغلالها من أجل تبرير سلطتها، ونهاية بعراق ما بعد حرب الخليج الثانية، عراق القبيلة، ومحاولة صدام حسين عبر تحالفه مع القبائل العراقية تحصين حكمه. وهو نفس التطور الذي تعرض له فالح جبار في مساهمته "القبيلة في الدولة".
وتتعرض آخر مساهمة في الكتاب "أجهزة المراقبة داخل جمهورية الخوف" لمشروع البحث والتوثيق حول العراق بواشنطن IRDP، الذي يهتم بالكشف عن أجهزة القمع البيروقراطية للنظام العراقي، وكما تشير الوثائق التي تم الحصول عليها، فإن عنف النظام العراقي لم يأت ردا على القوى المعارضة فقط، بل كان منهجا متكاملا في الحكم، وأساسا للعلاقة بين الحاكم والمحكوم. وقد لعب حزب البعث دورا كبيرا في هذه السياسة، إذ عمد الى التغلغل بكل القطاعات الاجتماعية من مدراس وجامعات وجمعيات نسوية الخ.. ولذلك فإن كل محاولة لتحرير العراق من الإرث البعثي التوتاليتاري لا بد أن تبدأ بالكشف عن هذه الميكانيزمات والتأريخ لتمظهرات هذه العلاقة القهرية، وللنهج الفاشي للنظام.
بقلم رشيد بوطيب
العراق: بلد بين الحرب والسلام، كاي حافظ وبيرغيت شبيلر، دار نشر بالميرا 2003
بإمكانكم الاطلاع على موقع الدار في الإنترنت هنا