الدين ليس عائقا أمام القروض الصغيرة
تجلس حوالي عشرين امرأة بملابس زاهية الألوان ويرتدين الحجاب حول مدربتهن البدينة التي تسألهن: "ما الذي ينبغي مراعاته في التجارة؟" ترد إحدى السيدات من الخلف قائلة: "الإستيقاظ مبكرا وفتح المحل دائما في نفس التوقيت". وتهمهم سيدة أخرى قائلة: "الثقة المتبادلة بيني وبين زوجي".
تجلس المجتمعات في الشرفة الخشبية على حصير من لحاء الأشجار، ثمة لوحة مكتوب عليها باللغة الإندونيسية "النظام" و"دقة المواعيد" و"الثقة" وبعض الشعارات الأخرى. منذ أربعة أعوام تجتمع كل أسبوع نساء مجموعة القروض الصغيرة المسماة "ساري أيو" بالتناوب في بيت واحدة من أفراد المجموعة في قرية كيارابايونغ الواقعة في دائرة تانغارنغ التي تبعد ساعة ونصف الساعة الى الغرب من العاصمة الإندونيسية جاكارتا.
تأهيل ورعاية
لكن ليس ثمة تدريب كل أسبوع، فهذه الدورة التكميلية هي جزء من برنامج مؤسسة "ديان مانديري" الخيرية التي تمنح قروضا صغيرة منذ العام 1998 لنوادي الإدخار في الأحياء السكنية الفقيرة بجاكارتا وما حولها ومن بينها قرية كيارابايونغ. الهدف من ذلك هو مساعدة الفقراء وخاصة النساء لتأسيس مشروع خاص، وهم لا يتلقون القروض الصغيرة فقط وإنما أيضا التأهيل والرعاية المناسبة.
لا يحصل الأعضاء الجدد على القرض الأول والذي يعادل 40 يورو إلا بعد ثمانية لقاءات تعليمية على الأقل، ويسدد المبلغ مع فائدة قدرها 3,5% على أقساط أسبوعية. تقول السيدة صليحة المشاركة في برنامج "ساري أيو" منذ تأسيسه: "هذه الفائدة حقا أكثر مما يأخذه البنك العادي، ولكن البنوك العادية لا تعطينا قروضا. في مقابل هذه الفائدة نحصل على دورات تعليمية".
منظمة ليست تبشيرية
على الرغم من أن "ديان مانديري" مؤسسة مسيحية إلا أن 95% من عملائها مسلمون وغالبيتهم من النساء. يقول السيد دينو ف. حجراتي مدير مكتب المؤسسة: "إننا منظمة محترفة وليست تبشيرية، ولا علاقة لديننا بنشاطنا. فعندما نُسأل عن أهدافنا نشير إلى لائحة المؤسسة. نحن نلتزم بها وأحرزنا تقدما حتى الآن. ولكي نرضي عملاءنا نقوم بتأهيل أنفسنا في المجال المصرفي حسب الشريعة".
حتى نساء مجموعة "ساري أيو" لا ترى أن الديانة تشكل عائقا، وتعلق على ذلك السيدة صليحة عن اقتناع: "لقد تعاملنا منذ البداية مع هؤلاء الناس وكانوا دائما صادقين في وعودهم. لقد بلغنا حد أننا رفضا عروضا من منظمات أخرى تعطي قروضا صغيرة لأننا نثق بـ"ديان مانديري" تمام الثقة، سواء أكانت مسيحية أم لا".
حانوت صغير أمام البيت
ضمن سبعة قروض استطاعت صليحة البالغة من العمر ثلاثة وثلاثين عاما أن تحسن الكشك الصغير المصنوع من الخيزران أمام بيتها في كيارابايونغ وتجعل منه حانوتا صغيرا مبنيا بالطوب. بهذا الدخل الإضافي تسدد المصاريف المدرسية لأولادها الثلاثة حيث لا يكفي دخل زوجها صياد السمك حتى لتسديد مصاريف المدرسة. وتعلق صليحة على ذلك قائلة: "بدون مجموعة القروض الصغيرة وساعات التدريب لم يكن في مقدوري إنجاز ذلك".
لنوادي التوفير تقاليد عريقة في إندونيسيا. فكل فرد، سواء أكان إمرأة أم رجلا أم شابا، يعرف "أريسان" أي الإجتماعات الدورية، حيث يصلّون ويأكلون سويا قبل أن يضع كل فرد شيئا من النقود في صندوق التوفير الجماعي.
علاوة على ذلك يساهم السكان بكل قرية في المشتريات الجماعية بمبالغ بسيطة يجمعها الحارس الليلي من علب الصفيح القديمة أو برطمانات المخلل الموضوعة أمام باب البيت. بهذه الطريقة يستطيع سكان القرية أيضا المساعدة في حال وفاة أحد أفرادها.
المساعدة بين الجيران
تطبق مؤسسة "ديان مانديري" أيضا مبدأ المساعدة بين الجيران. فإذا لم يستطع أحد الأعضاء دفع قسط القرض بسبب المرض يتحتم على المجموعة دفع هذا القسط. وفي حالة السيدة روحياتي وهي حالة طرأت حديثا سارت الأمور جيدا.
فالسيدة البالغة من العمر أربعين عاما ظلت ترعى زوجها المريض الذي لا شفاء له ولهذا لم تستطع العمل بما يكفي لتسديد المبلغ المطلوب. فقامت النساء الأخريات من مجموعة "ساري أيو" مشتركات بدفع المبلغ كسلفة.
وحتى لا تصبح الديون عبئا على الورثة في حال وفاة أحد المقترضين قامت مؤسسة "ديان مانديري" العام الماضي بتطبيق نظام التأمين الإجباري، حيث تقدم الموسسة بالتعاون مع شركة التأمين الإندونيسة "أليانس" والهيئة الألمانية للتنمية والتعاون الإقتصادي تأمينا على الحياة يضاف الى القرض مقابل 12 سنت إضافية.
فإذا توفي أحد العملاء يسدد القرض وعلاوة على ذلك يحصل الوريث على ضعف قيمة القرض الأصلي كمكافأة. تعلق السيدة صليحة على ذلك: "لم يكن عندي تأمين على الحياة من قبل. ولكني أشعر حقا بالراحة منذ أن علمت أن أسرتي لن تضطر إلى دفع الديون إذا ما ألمّت بي مصيبة ما". في نهاية الجلسة يصلي الجميع سويا، النساء المحجبات مع المدربين المسيحيين.
بقلم كريستينا شوت
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع قنطرة 2007
قنطرة
قروض صغيرة بدون ضمانات للفقراء
بررت لجنة نوبل للسلام منح جائزتها لهذا العام بالقول "لا يمكن نشر سلام دائم طالما ظلت هناك شعوب لا تجد مخرجاً من براثن الفقر". وبهذا المعنى اعتبرت القروض الصغيرة بالشكل الذي يمنحها يونس وبنكه والعديد من المنظمات التنموية والمصارف الأخرى منفذاً للخروج من الفقر. تقرير من الفيريا يوانديس
المنظمة النسائية الأندونيسية "رحيمة"
يقع مكتب منظمة "رحيمة" في حي سكني جنوب العاصمة الأندونيسية، ونرى إعلانات ملصقة على الجدران ضد العنف واضطهاد الأطفال والنساء، وبين الإعلان والآخر آيات من القرآن الكريم تذكر بحقوق النساء. تقرير كريستينا شوت من جاكرتا.