تحريض رخيص
تحريض رخيص
أهناك من ينكر إنجازات المجلة الأسبوعية "دير شبيغل" Der Spiegel: صحافة ناقدة منذ عشرات السنوات، تكشف المستتر، وتعرض للرأي الآخر. ولكنها تُقدم أحيانا، نعم أحيانا على ما يجعل القارئ لا يكاد يصدق عينيه. التحريض الرخيص، والإثارة الصحفية والإسفاف، واللجوء إلى الافتراء والتقليد الأعمى. هذه تقريباً هي الخصائص التي يذخر بها عدد "دير شبيغل" الصادر في آخر سبتمبر/أيلول. لم يتورع كاتبوا المقال Das Kreuz mit dem Koran عن توجيه الاتهامات، وإظهار سوء الطوية، وترديد الأحكام المتحيزة ضد الإسلام. ويكفي مجرد إلقاء نظرة على الصور التي يضمها المقال لكشف فحواه: مسلمون يصلون إلى جوار خراف مذبوحة تسيل دماؤها.
يصنّف مقال المجلة الحجاب، وبطريقة تكاد تكون مستهترة ماجنة، على قدم المساواة مع الأصولية، ويكيل الاتهام لكل امرأة تريد ارتداء الحجاب بالعمل على تقويض دولة القانون الألمانية وإقامة دولة تطبق حكم الله. وينسب المقال إلى فريشتا لودين (المعلمة الأفغانية الأصل التي لجأت إلى القضاء الألماني لكي تتمكن من التدريس بالحجاب) بشكل بديهي اعتناقها لرأي من أطلق على نفسه خليفة مدينة كولونيا، أو رأي آية الله خميني في حقوق الإنسان والديمقراطية – "حقوق الإنسان ليست سوى مجموعة من المعايير الفاسدة التي وضعها الصهاينة للقضاء على كافة الأديان الحقيقية" (الخميني). ويرى كاتبوا المقال أن لودين لم تعلن استنكارها لهذا القول. هل يجب عليها هذا؟ إن معارفي من المواطنين المسيحيين لم يعلنوا أمامي أبداً استنكارهم للجريمة التي ارتكبت في حق أهل البوسنة. لماذا لم يفعلوا؟ ربما لأن اعتبار هذا الفعل جريمة مروعة أمر بديهي لكل إنسان. أما إذا توجب على كل مسلم أن يبرهن على وعيه الديمقراطي والدنيوي ففي هذا اتهام للمسلم بعدم وجود هذا الوعي لديه – لمجرد كونه مسلماً. وليس في هذا مغالطة تاريخية فحسب – إذا عاش المسلمون في انسجام تام خاصة مع أنفسهم ودينهم، تحت حكم وضعي زمناً أطول كثيراً مما أراد أصولي مثل بن لادن أن نعتقد- بل أنه ينطوي على عنصرية أيضاً. حتى وإن كان لهذا وقع غريب: لا يخضع الأتراك بسهولة للتعذيب، والإيرانيون كذلك يريدون التعبير عن رأيهم بحرية، ويود العرب أيضاً أن يختاروا حكامهم بأنفسهم. وتشهد كافة الانتخابات التي جرت في السنوات الأخيرة أن المسلمين – متى أتيحت لهم حرية الاختيار- قد صوتوا لصالح الديمقراطية ودولة الدستور.
ورغم هذا تود بعضهن ارتداء الحجاب. ولكن إذا ما قذفن على الفور بالأصولية، فإن هذا يحرمهن من كل إمكانية للنشاط من أجل إسلام يساند مذهب عدم الانغلاق والتعدد، ويدفعهن للتعاون مع هؤلاء الذين ينقصهم فعلاً الحس الديمقراطي. إن حياة المسلمين في ألمانيا لم تصبح يسيرة خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول. صحيح أن كثيرا منهم – مثلي أنا أيضاً- لا يبدون كمسلمين من حيث المظهر الخارجي، ويواجهون تبعاً لذلك مشاكل أقل في الحياة اليومية، إلا أننا أيضاً نشعر بامتهان الكرامة بسبب الغطرسة والجهل المتبعان في الحكم على ديننا؛ أو عندما يحقق كتاب أوريانا فالاتشي Oriana Fallaci "السخط والفخر"، وهو كراسة تفوق الوصف، معادية للإسلام، أعلى أرقام المبيعات في هذه البلد، في بلدي؛ أو عندما يصرح أحد المثقفين مثل غونتر كونرت Günter Kunert في التلفزيون، ودون أن يعارضه أحد، بعبارة خاطئة مفادها أن الإسلام لا يعرف وصية ما تحرم القتل".
إن هذا العدد من مجلة شبيغل الذي يحمل العنوان الشامل الجامع "المسلمون في ألمانيا" Muslime in Deutschland، قد ساهم مجدداً في الشعور بالغربة في هذا البلد، حتى لدى هؤلاء الذين لم يشعروا أبداً بالغربة. وليس لدي في هذا الصدد أدنى قدر من الرغبة في تنمية مظاهر انتماء لا تمت لي في الواقع بصلة.
كتايون أميربور، قنطرة 2003
ترجمة حسن الشريف
كتايون أميربور كاتبة وباحثة من أصل إيراني، مقيمة في كولونيا.
بإمكانكم قراءة ملخص المقال الذي صدر في مجلة دير شبيغل باللغة العربية هنا