ترجمة نذير حنافي العلي

هذه المقابلة أجراها الصحفي الألماني موريتز باومشتيغر مع الكاتب الأمريكي الأفغاني خالد حسيني، وذلك على ضوء الأحداث الأخيرة في أفغانستان. وقامت صحيفة زوددويتشه الألمانية بنشر هذا الحوار في شهر آب الماضي كجزء من التغطية الصحفية لانسحاب القوات الدولية من أفغانستان وسيطرة طالبان على كابل.

مقابلة مع الروائّي خالد حسيني

الدولة لم تتمكن من تقديم أي شيء للشعب

 

ترجمة نذير حنافي العلي

إن رواية خالد حسيني «عداء الطائرة الورقية» كانت بمثابة استعادة لماضي عهد طالبان الأول في أفغانستان. كيف ينظر الكاتب للاستحواذ الجديد على السلطة؟ حوار حول الصور القادمة من كابول والسؤال عن تبعات الحدث في الوقت الراهن بالنسبة للأفغان هناك.

 

كان على خالد حسيني أن يترك وطن عائلته عندما كان طفلاً، رّغم ذلك فإنّ الطبيب والكاتب يعتبر بالنسبة للكثرين في الغرب واحداً من أهم المفسرّين لأفغانستان: إنّ روايته «عداء الطائرة الورقية» الصادرة عام ٢٠٠٣ قد جسدت في قصة هروب، العنف ضد الأقليات في البلاد، والهيمنة الأولى لطالبان. وقد بيعت الرواية على مستوى العالم بأكثر من ثمانية مليون نسخة. كذلك وإنّ رواية «ألف شمس ساطعة، ٢٠٠٧» ورواية «ورددت الجبال الصدى،٢٠١٣» كانتا في قوائم الكتب الأكثر مبيعاً. اليوم، وبعد السقوط الحديث لكابل في يد طالبان، يتوجب على الحسيني مرة أخرى أن يفسّر أفغانستان: فالوكالات الأمريكية يطلبون إجراء المقابلات من غرفته في شمال كاليفورنيا، حيث تواصلت معه صحيفة زوددويتشه.

 

 

  • السيد حسيني، إن آخر منشوراتك كانت مستوحاة من غرق الطفل السوري آلان كردي في عام ٢٠١٥. هل تراقب بالفعل الأحداث في مطار كابول من منظور الكاتب؟

 

خالد حسيني: لا، فأنا لا أقدر على هضم الصورة القادمة من هناك. أنا مشغول بالكامل بتتبع مجريات الأمور في كابل، وأحاول بأي كيفية أن أستوعب الأمر. إن كل شيء يحدث بسرعة، وهذا يقهرني. إن أفكاري عالقة لدى الزملاء والأصدقاء والأقارب، والكثير منهم لايزال في كابل حيث يبحثون بأي وسيلة ما أنّ يفروا من الوضع الفوضوي. نحن لا نعلم كيف سوف يكون مصيرهم في آخر المطاف. وإلى الآن، لم أضيع أفكاري بشيء آخر أبعد من ذلك.

  • لقد قلت ذات مرة، إنّ الحديث الدائم بخصوص أفغانستان، بمثابة عبء ثقيل.

 

أنا كاتب أمريكي أفغاني، ولست سفيراً أفغانياً. لكن بالطبع أشعر بالقلق في هذه الأيام حول البلاد، وحول ملايين من الأفغان والأقليات العرقية. وحول نساء وفتيات مصيرهن فقط بيد منظمة تعمل منذ خمسة وعشرين عاماً وأكثر على سلب الاستقلال النسائي. أنا أشعر بالقلق على عدة مستويات.

 

  • أنت منذ العام ٢٠١٦ سفيراً لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وفي هذا الدور تابعت العديد من الأزمات، هل كان من الممكن تفادي هذه الأزمة؟

حسيني: هل تسأل، فيما لو أمكن تفادي هذه المشاهد من المطار؟

الصحفي: نعم.

بالطبع. يستطيع المرء أن يبني وجهة نظر كما يريد بخصوص انسحاب القوات الدولية. إلا أنّ الحالة التي جرى بها الانسحاب ليست مقبولة، ولا يمكن تبريرها بأي طريقة. إنّ الوقت المحدد للانسحاب من المفترض أن ينتهي في ٣١ آب، وضمن ظروف طبيعية كان الوقت بالكاد سوف يسمح لعشرات الآلاف من أولئك الذين عملوا مع القوات الدولية، والذين وعدناهم بالحماية، بالمغادرة جواً. والآن تتوهج الصور القادمة من المطار بمصائب أخرى.

الصحفي: مثال على ذلك؟

 

مئات آلاف الأفغان عالقون بشكل مستمر في أزمة إنسانية متصاعدة. أكثر من نصف مليون يهربون من بعض أنحاء أفغانستان. وبسبب الوضع الأمني السيء فإنّ تدخل العاملين في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لأجلهم يبدو صعباً. من قرأ الصحف أو شاهد الأخبار سوف يكون شاهداً، كيف يحاول آلاف الأفغان من كابل الخروج من البلاد. ونحن بالكاد نرى الآخرين: ثمّة ملايين من الناس في المناطق الريفية البعيدة بحاجة للمساعدة. وأنا أطلب من كل أحد هنا: أن يقدم المساعدة!

 

  • إن هذا الانهيار السريع للدولة جعل الكثيرين في حالة ذهول. أنت أيضاً؟

 

لا أعتقد بأنّ الانخراط الغربي منذ البداية كان محكوماً عليه بالفشل. إلا أنّ الأخطاء قد ارتكبت بشكل دائم. ولم يتم تأسيس حكومة فعالة بشكل ناجح. وما رأيناه عوضاً عن ذلك: عدم كفاءة سلسلة من الحكومات التي وبنظر الأفغان قد فقدت شرعيتها بشكل كامل بسبب الفساد. الدولة لم تتمكن من تقديم أي شيء للشعب، ولا حتى الحماية ضد طالبان.

 

 

  • بعد سقوط كابل بدأت في واشنطن لعبة «اللوم المتبادل». الجمهوريون رأوا أنّه ذنب الرئيس الحالي، والديمقراطيون يرجعون ذلك لاتفاق ترامب مع طالبان.

 

وبايدن لا يخطر في باله شيء أفضل من توجيه إصبع الاتهام لجيش الأفغاني. لقد كافح الجيش لعشرين عاماً بشجاعة وبعتاد سيء وخسارات عالية، ومرتبات لا تصل لشهور في بعض الأحيان. وفي الوقت الحالي تريد حكومة غير موثوقة ارساله في معركة أخرى غير رابحة.  إن المعنويّات المنخفضة للمقاتلين أمر مفهوم، وانهيار الجيش لم يكن مفاجئاً.

  • الغرب يجري نقاشاً برثاء ذاتي معين. هل العشرين سنة الماضية كانت بلا جدوى؟

 

أنا أرى في هذا سؤالاً مشروعاً. بالطبع يوجد في أفغانستان العديد من الإشكالات المسجلة بشكل جيد، سواء تلك التي تخص الحكومة أو تجارة الأفيون، وما إلى ذلك. وإذا أردنا أن نسجل هذه الأزمات في لائحة، يحتاج الأمر لعدة صفحات. لكن أيضا كان هناك إصلاحات إلى حد كبير. هذا قد لا يترك انطباعاً مؤثراً لدى المواطن العادي في الغرب، إلا أنّ الحرّية بالنسبة للأفغان والمقدرة على التنقل في البلاد، والتعبير عمّا يفكر به المرء، قد أحدث فارقاً كبيراً. ملايين الأطفال يذهبون إلى المدرسة، والنساء امتلكن حق التعليم والرعاية الصحية وفرص العمل.

  • لطالما أشار السياسيون الغربيون إلى وضع النساء عندما كان ذلك يناسب تمديد مهمة الانتداب. والنقاد يقولون: قبل أي شيء آخر، لم يكن ذلك من باب القلق الحقيقي على مصير الأفغان، إنما لأجل الحصول على موافقة الشعب وأعضاء البرلمان.

 

أنا أعي هذه الصياغة. لكن أضيف أيضا: إذا نظرت إلى الدستور الأفغاني، فهو يخصّص في الوقت الحالي ربع المقاعد البرلمانية للنساء. ونتيجة أخرى لتواجد القوات الدولية كانت بأنّنا قد امتلكنا مجموعة متحضرة ومميزة من الشباب الأفغان الذين امتلكوا تدريباً مهنياً ممتازاً، ولديهم تواصل مع العالم من خلال مواقع السوشيال ميديا. وهم يتجادلون في قضايا القرن الواحد العشرين، وقضايا حقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية. إنّ كل هذا لم يسقط من السماء، بل إنّ الظفر به كان مؤلماً، وتخلله الدم والعرق والدموع. فهل كل هذا سوف يتقهقر إلى الوراء؟ أعتقد أن هذا سؤالاً مُلحاً للغاية.

 

  • تسعى طالبان في الوقت الحالي بأنّ تظهر بصورة متسامحة ومعتدلة. هل يمكن أن يثق المرء بهذا؟

 

إذا كانت الكاميرات موجهة نحوهم، والعالم بأكمله يراقب طالبان، فإن مسؤوليها اليوم يعرفون ماذا يجب أن يقولوا، وبأنّ طالبان قد تغيرت، وأصبحت أكثر حداثة، وتقبل حقوق الإنسان. لكنني أبقى متشككاً جداً. فالقسم الأكبر من القيادة القديمة لازال نشيطاً. وبالإضافة إلى ذلك فإن طالبان دائما ما امتلكت أزمات في السيطرة على مقاتليها في الإقليم. وحتى إذا ما توجب على القيادة أن تكون أكثر خبرة وحكمة: فإن المقاتلين العادين هم شباباً لا يعرفون أفغانستان إلا بعد ١١ سبتمبر. لقد ترعرعوا بذهنية القتال ضد القوات الدولية، ولم يتعلموا شيئاً أو بالكاد عرفوا شيئاً آخر ليس له علاقة بطرق القتال. لذلك: ما تقوله طالبان شيء. وما سوف تفعله في الأسابيع والأشهر والسنوات القادمة، شيء آخر.

  • كيف سوف يؤثر الانسحاب السريع والمفاجئ على النفسية الأمريكية؟ أغلب المعلقون أشاروا بشكل فوري إلى مقارنات مع فيتنام وتحدثوا عن فترة سقوط سايغون.

 

في ذلك الوقت ظهرت عدة صورة أيقونية قليلة، وهي تصل للتّو في الثانية الأخيرة. هل شاهدت الصور التي ظهرن فيها أفغانيات وهن يسلمن أطفالاً صغاراً للجنود الأمريكان حول سياج المطار، كي يتمكنوا على الأقل من إخراجهم؟ إنّها تفطّر القلب.

  • إنّ السياسة الخارجية في الولايات المتحدة الأمريكية في حالة تقهقر منذ وقت طويل. وبعد هذه الصور من الصعب على السكان تحمل مهام جديدة لمعالجة القضايا السياسية والاجتماعية. أليس كذلك؟

 

من الأفضل لو أنك تسأل أحد في واشنطن عن هذا الشأن. كيف يؤثر ذلك على سياساتنا الخارجية: هذا ليس من اختصاصي. أنا آمل في هذه اللحظة، وقبل كل شيء، أن يتم التدخل بمستوى مماثل لعام ١٩٧٥: فبعد سقوط سايغون أقرت الولايات المتحدة الأمريكية قانون «مساعدة المهاجرين واللاجئين في الهند الصينية». وأكثر من ١٣٠٠٠٠إنسان من فيتنام، ولاوس وكمبوديا استطاعوا الوصول إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأضافوا لمجتمعنا الكثير من ذلك الوقت. أنا آمل بحال مشابه يتم فرضه لأجل الأفغان.

  • هل هذا مثال على التفكير الإيجابي الذي اكتسبته في الولايات المتحدة؟ لقد قلت ذات مرة، بأنّك لن تفقد تفاؤلك، لأنّه وفيما عدا ذلك لن يتبقى إلا السخريّة.

 

إنّه سؤال مؤلم جداً. ولكي أكون صريحاً: في هذه اللحظة أفتقد بصعوبة شديدة رؤية أي ضوء، وفي هذه اللحظة يبدو الأمر بالنسبة لي جداً حالكاً. وآمل بأنّ أكتشف في الأيام القادمة شيئاً يعيد لي قليلاً من التفاؤل.