فتح مكتب اتصال لوزارة الشؤون الدينية في بروكسل
كما تمت مناقشة كيفية تطبيق اللائكية في بلد مسلم وقضية الإرهاب والإسلام
عدم الرضا الذي تشعر به تركيا تجاه تطور "إسلام أوروبي" دون مشاركتها قد عبر عن نفسه سياسيا في مقررات المجلس الديني الثالث بأنقرة. وقد ركزت مقررات المجلس بإلحاح على ضرورة انتداب مدرسين أتراك لمادة الدروس الدينية واعتماد اللغة التركية في هذه الدروس عوضا عن الإطار الأجنبي واللغات الأوروبية.
ووجهت الدعوة إلى بلدان الاتحاد الأوروبي بضرورة إرساء تعاون أمتن مع تركيا في ما يخص المسائل الدينية التي تعني الأتراك أو المواطنين المنحدرين من أصل تركي. وبهذا يكون المجلس قد ضبط القواعد الإسلامية الأساسية للسياسة الأوروبية لتركيا بالنسبة للسنوات القادمة. وإلى جانب هذا قد شكل المجلس فضاء للنقاش حول الرؤى المتقابلة التي تشق قيادة الدولة حول مسألة اللائكية.
250 مشاركا من علماء دين ورجال سياسة ومثقفين جمعهم هذا الملتقى في العاصمة التركية من 20 إلى 25 من شهر سبتمبر/أيلول تحت سقف وزارة الشؤون الدينية (Diyanet). وقد كانت قيادات كل من DITIB (الاتحاد الإسلامي التركي) وATIB (الجمعيات الثقافية الإسلامية التركية بأوروبا) ممثلتين بدورها في المجلس كمنظمتين تابعتين لهيأة الشؤون الدينية((Diyanet في الخارج، وذلك تحت شعار انضواء "خدمة الشؤون الدينية والتدريس الديني في الخارج ضمن سياق التقارب التركي مع الاتحاد الأوروبي".
المطالبة بنقد ذاتي
وفي المداخلات الافتتاحية لاجتماع المجلس الذي دام خمسة أيام احتلت موضوعة "الإسلام والإرهاب" مركز الاهتمام. وقد أجمع كل المتدخلين على أن هاتين العبارتين لا تتلاءمان ولا يمكن بأي حال من الأحوال الربط بينهما آليا في عبارة موحدة. لكنهم كانوا مجمعين أيضا على ضرورة إجراء عملية نقد ذاتي في ما بين المسلمين.
وقد عبر رئيس الدولة أحمد نجدت شيزر بكلمات واضحة ومباشرة أنه وللأسف "هناك من بين الإرهابيين كذلك أشخاص من مواطني الدولة التركية: "وهؤلاء الأشخاص قد تلقوا تعليمهم ضمن برامج التعليم الحكومية لبلادنا. وهكذا يتحتم علينا أن نسائل أنفسنا: أين تكمن أخطاؤنا."
ويتهم شيزر "أوساطا" تعمد إلى شحن رؤوس الأطفال بمحتويات دينية في وقت مبكر وسابق على الأوان، وكذلك بخاصة "بعض التيارات السياسية التي تعمد إلى تحويل العقيدة إلى إديولوجيا"، وهم بالنهاية مسؤولون عن التصاق إسم الإسلام بالإرهاب بصفة آلية. ويطرح الرئيس شيزر مسألة اللائكية،أي الفصل الصارم بين الدولة والدين كما يمارس في تركيا وفقا للمثال الفرنسي، على أنه مبدأ قار لا يتزعزع.
اللائكية في بلد مسلم
أما بولنت أرنيك رئيس البرلمان والدماغ المفكر لحزب العدالة والتنمية الحاكم، فيرى المسألة بشكل مغاير تماما: "عندما تمارس اللائكية في بلاد أغلبية سكانها الساحقة من المسلمين فإنه يتعين عليها أن تتوخى تصرفا دقيق الحساسية"، يقول أرنيك ملمحا للتمسك الصارم لشيزر بمسألة منع الحجاب داخل الجامعات والمؤسسات الإدارية.
وأرنيك لا يرى "أية علاقة بين منظمات إرهابية مثل القاعدة والإسلام" وينتقد "الأحكام العامة التي تساق ضد المسلمين عبر الأوساط العمومية الغربية." هذا الخطاب السلبي في الخارج سيكون من شأنه علاوة على ذلك أن يدخل صعوبات على مسار الحوار بين اللائكية والإسلام في تركيا.
مهمة "ديانت" في الخارج
وفي الختام جاءت مداخلة رئيس الوزراء طيب أردوغان لتضع النقطة المحورية التي ستركز عليها النقاشات في الأيام الخمسة التالية للملتقى وتتعلق بمسألة خدمات الشؤون الدينية لمؤسسة "ديانات" في الخارج، وفي بلدان الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص. ونوه إردوغان في هذا السياق بمجهودات الاندماج التي يبذلها الأتراك وبـ"الدور الطلائعي الذي تلعبه تركيا داخل العالم الإسلامي". وقد انعكست مواقف إردوغان بصفة مباشرة داخل المقررات التي انفض عنها المجلس والتي شملت 37 نقطة.
تحت عنوان "المجموعة الأوروبية والدين" جاء قرار المجلس بفتح مكتب اتصال ببروكسل تكون مهمته تنسيق كل الأعمال التي تقوم بها مؤسسة "ديانات" في بلدان الاتحاد الأوروبي ويأخذ على عاتقه اتخاذ الإجراءات الضرورية هناك على عين المكان. كما أقر المجلس ضرورة القبول بـDITIB كمنظمة تابعة لمؤسسة "ديانات" في الخارج طرفا وحيدا للتعامل، وأن تجرى وفقا لذلك التحويرات الضرورية على القوانين المحلية ببلدان الاتحاد الأوروبي، لأنه لا يمكن تقديم مساعدة حقيقية لأتراك الهجرة في ما يخص مسائل المعتقد إلا عن طريق الانضواء داخل إطار مؤسسة من هذا النوع.
القرار لعلماء الدين
وبما أنه لا يوجد هيكل كنسي في الإسلام فإنه ينبغي لدى "تعيين مجموعة إسلامية كمسؤول رسمي يشرف على الدروس الدينية الإسلامية" أن يؤخذ بعين الاعتبار بأن لا أحد غير علماء المسلمين يمكنه أن تكون له صلوحية القرار في تحديد محتويات التدريس.
وترمي تركيا بهذا إلى المطالبة بأن يكون لها في المستقبل نصيب كبير، على الأقل، في حق القرار وأن تكون لها كلمتها في تكوين الإطار التدريسي للمادة الدينية في ألمانيا أيضا، كما تعرب في الوقت نفسه عن عدم رضاها عن تكوين مدرسين هناك من ذوي اللسان الألماني الصرف. وكمثال عكسي على هذا يقع ذكر الأقليات المسيحية في تركيا التي تتمتع بالحق في تنظيم دروسها الدينية بلغتها الخاصة وفي تقرير محتويات تلك الدروس بصفة مستقلة.
لا تطالب DITIB بالتفرد بمسؤولية الإشراف على الخدمت الدينية، لكنها تريد أن تظل هي التي تتولى تكوين المدرسين وتعيينهم. كما ينبغي على هؤلاء ابتداء من الآن أن يتعلموا مسبقا لغة البلاد وأن يكونوا على بينة من الثقافة المحلية. وتعطى الأولوية في الانتداب للمترشحين الشبان من بلدان المهجر المعنية الذين يتم تكوينهم داخل كلية العلوم الدينية بتركيا.
وسيخصص لهؤلاء في المستقبل عدد خاص من مقاعد الدراسة في الجامعة. وينبغي تبعا لهذا أن تلقى الدروس الدينية التي تعطى للطائفة داخل المساجد باللغة التركية. وعندما يكون التلامذة المشتركون في الدروس الدينية داخل المدارس كلهم من الأتراك ينبغي أن تعطى الدروس باللغة التركية عند الإمكان. وعندما لا يكون ذلك متيسرا "ينبغي اتخاذ الإجراءات الضررية لتلقين المصطلحات الإسلامية بصفة ملائمة."
وقرر المجلس الإسلامي أيضا الترفيع من عدد الأئمة والمفتيين الأتراك في الخارج. وفي كل منطقة نفوذ للقنصليات التركية ينبغي أن يكون هناك على الأقل شخص واحد ممثل سلطة روحية إسلامية يكون متمكنا من لغة البلاد ويشغل مهمة الوكيل المندوب.
ولأول مرة سيكون هناك فريق نسائي من المكلفات بالشؤون الدينية يخصص عمله تجاه النساء، وسيقع التركيز على تشجيع المشاركة النسائية في صلوات المساجد. كما أوصى المجلس بضرورة أن يتمتع المكلفون بالشؤون الدينية بالخارج بضمان اجتماعي أفضل وأن تسوى وضعيات إقامتهم القانونية عبر المسلك الدبلوماسي. وفي الختام تريد تركيا بعث مبادرة في كل بلدان الاتحاد الأوروبي من أجل حصول المسلمين على حق التمتع بأيام عطل مدرسية ومهنية بمناسبة أعيادهم الدينية مثل عيدي الفطر والأضحى.
بقلم ديلاك زابتجيأوغلو، حقوق الطبع قنطرة 2004
ترجمة علي مصباح