هل هناك مخرج من دوامة العنف؟

تريد إسرائيل متابعة هجماتها على لبنان إلى أن تقوم مليشيات حزب الله الإسلامية المتطرفة بسحب مقاتليها من المنطقة الحدودية المحاذية لإسرائيل. المشكوك بأمره هو أن تكون مثل هذه الإجراءات العسكرية كفيلة بكبح جماح دورة العنف في منطقة الشرق الأوسط. تعليق بيتر فيليب.

سكان جنوب لبنان تعاودهم ذكرى الأزمنة العصيبة القاتمة عندما كانت العمليات العسكرية والضربات الإسرائيلية المضادة تدور على امتداد الحدود مع إسرائيل مما جعلهم مرغمين مرارا وتكرارا على النزوح نحو الشمال فيما كان الوهم يساورهم بأن وجودهم بالقرب من بيروت سيضفي الأمن على حياتهم. استخدام عبارة "الوهم" هنا دلالة على أن العاصمة اللبنانية نفسها لم تسلم من أخطار العمليات العسكرية الإسرائيلية. هذا ما نشهده اليوم أيضا حيث قامت إسرائيل بقصف مطار بيروت الدولي.

لا ثمة أحدا في إسرائيل يحدوه الظن بأن تدمير مطار بيروت أو، وهو ما هددت به إسرائيل، تدمير محطات توليد الكهرباء اللبنانية سيؤديان إلى تحرير الجنود المختطفين. تريد إسرائيل اليوم في لبنان على نحو مماثل لما تقوم به في قطاع غزة منذ أسبوعين التشديد من خلال العمليات العسكرية على كون الحكومة اللبنانية هي المسؤولة عن معاناة السكان لأنها لم تتخذ أية إجراءات ضد قيام حزب الله بشن هجمات على الجانب الآخر من الحدود المشتركة بين البلدين.

لو نظرنا نظرة أولية سريعة لتبينت لنا منطقية النهج الإسرائيلي، فالحكومة تكون مسؤولة (وإن لم نقل مذنبة) عن الهجمات الموجهة من فوق أراضيها ضد دول مجاورة لها. كما أن الأوساط التابعة للحكومة اللبنانية تستخدم حجة ضعيفة عندما تزعم بأن لا علاقة لها بالهجمات التي يوجهها حزب الله. فلم تمض إلا أقل من شهور ثلاثة على المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس الوزراء اللبناني فؤاد سنيورة في مقر هيئة الأمم المتحدة وصرح فيه بأن حزب الله "ممثل في كلا البرلمان والحكومة وبأن لبنان يحترم هذه المشاركة".

ليس بوسع الحكومة اللبنانية أن تتصرف في هذا السياق تصرفا آخر. فقد حقق حزب الله في الانتخابات البرلمانية التي جرت في العام الماضي نجاحا كبيرا مما أهله لأن يصبح ممثلا شرعيا للمناطق الشيعية في البلاد. في نفس الوقت يشكل حزب الله مركز قوة في الدولة لا تملك الحكومة وسيلة لاحتوائه.

فقد حاولت الحكومة عبثا وطيلة شهور عديدة تجريد حزب الله من الأسلحة، الأمر الذي طالب به مجلس الأمن الدولي أيضا. لكن المحادثات التي أجرتها الحكومة بهذا الشأن باءت بالفشل، وذلك لأن المليشيات التي يترأسها الشيخ نصر الله ما زالت تحظى بالدعم من قبل سوريا وإيران. بالتالي فإذا كان بوسع طرف ما إملاء ثمة شيء ما على حزب الله فلن تكون بيروت هي ذلك الطرف القادر بل دمشق أو طهران.

هذا في حقيقة الأمر هو موضع الدوامة الكبرى إزاء البحث عن حل للمشكلة. لقد قدمت الحكومة اللبنانية شكوى إلى الأمم المتحدة بسبب الاعتداءات الإسرائيلية، لكنه لن يكون في وسع المنظمة الدولية أن تكون الوسيط الكفيل بتسوية هذا النزاع الجديد. البعض يطالب اليوم الولايات المتحدة بتقوية التزاماتها في هذا الصدد نظرا لكونها القوة العظمى الوحيدة في العالم. لكن واشنطن تفتقد إلى خيوط الاتصال سواء مع حزب الله أو مع حماس في غزة. إن دمشق وطهران يملكان وحدهما القدرات التأثيرية هناك، لكن الرغبة لا تحدوهما في الوقت الحاضر على الأقل في احتواء التوتر القائم.

هذا رغم أن مثل هذا التحول سيكون في حالة الرئيس السوري بشار الأسد على وجه خاص فرصة مواتية لتحسين مركزه فيما لو عمد إلى إقناع ممثلي حركة "حماس" المتطرفين في دمشق وقيادة حزب الله في بيروت بالانصياع أي بتغيير الخط المتبع من كلاهما.

لكن عبارة "الانصياع" تعني كذلك بأن على إسرائيل أن تكون على استعداد لاتخاذ قرارات صعبة بالنسبة لها أي أن تفرج عن المعتقلين كثمن للإفراج عن الجنود المختطفين ووقف توجيه نيران الصواريخ. لقد أبدت إسرائيل في السابق استعدادها للإفراج عن معتقلين مقابل حصولها على جثث جنود كانوا قد اختطفوا. ربما كان من الضروري التعاطي بهذه الروح طالما ما زال المختطفون على قيد الحياة بعد.

بقلم بيتر فيليب
ترجمة عارف حجاج
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2006