احترام الآخر شرط أساسي للتفاهم

مُنحت "جائزة موسى مندلسون لتشجيع التسامح مع ذوي الآراء المختلفة وما بين الشعوب والأديان" لتيم غولديمان تقديرا لعمله كدبلوماسي وباحث ومؤلّف يؤدّي دور الوساطة ما بين العالمين الإسلامي والغربي. تقرير لكورت شارف عن وقائع الحفل.

​​مُنحت "جائزة موسى مندلسون لتشجيع التسامح مع ذوي الآراء المختلفة وما بين الشعوب والأديان" لتيم غولديمان تقديرا لعمله كدبلوماسي وباحث ومؤلّف يؤدّي دور الوساطة ما بين العالمين الإسلامي والغربي، وبصورة خاصة كمدير لمجموعة الإعانة في الأزمة الشيشانية التابعة لمنظّمة الأمن والتعاون في أوروبا OSZE وبصفته سفيرًا سابقا لسويسرا في طهران مهتما بالخلاف حول البرنامج النووي الإيراني. تقرير لكورت شارف عن وقائع الحفل.

ألقى البروفيسور د. كلاوس بريغبل أثناء الحفل الذي تمّ إحياؤه في المبنى الجديد لأكاديمية الفنون في برلين، الواقع بالقرب من بوابة براندنبورغ - التي اعتبرت لفترة طويلة رمزًا لانقسام أوروبا إلى معسكرين متعاديين - كلمة أثنى فيها على تيم غولديمان، وهو سفير مجاز منذ عام 2004 ويعمل حاليًا في فرانكفورت وأماكن أخرى في تدريس شؤون النزاعات الدولية والإرهاب والسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية؛ كما نوّه د. كلاوس بريغبل إلى أنّ غولديمان أشار إلى العلاقة ما بين الاوضاع الداخلية لدى الأمم والعلاقات القائمة ما بينها:

"يتمّ في داخل المجتمعات وبشكل مُسبق تحديد ما يمكن أن يتطوّر في الظروف السيئة والحسنة". وبهذا فهو يؤكّد على الفرضية الديبلوماسية القائلة بضرورة وجود حيز عام ما بين الأطراف والجبهات وعلى ثقته بقوّة عامل الحوار الذي يجرى ضمن قنوات دبلوماسية.

وبذلك يمكن - على حدّ قوله - تتبّع سبب النزاع بصورة أعمق مما يحدث في المحادثات (السرية)، التي لا تزال حتّى الآن من دون نتيجة. إذا وصلت الأمور إلى طريق مسدود ف "يكون من المجدي أن تجرى "محادثات حول محادثات" من أجل إعادة كسب الوقت والثقة".

حوار مع الأعداء

أما د. تيم غولديمان الحائز على الجائزة فقد ذكر في كلمة الشكر التي ألقاها ثلاثة شروط، يجب تحقيقها حتّى يمكن - على حدّ تعبيره - التوصّل إلى تفاهم:

١- يجب أن يخوض الطرفان حوارًا مع بعضهما، تتكافأ فيه فرص الطرفين لتمكّنهما من المشاركة في النقاش.
١- يجب عليهما أن يتبادلا الاحترام.
٣- وبذلك يجب استبعاد التعسّف والعنف أو التهديد.

كما تحدّث عن أزمة الشرق الأدنى والبرنامج النووي الإيراني والحرب ضدّ الإرهاب قائلاً:

"لقد قالت غولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة، لا يمكن عقد سلام إلاّ مع أعداء. وهؤلاء الأعداء همّ في هذه الحال - كما يُقال - حركة "حماس" وحزب الله وكذلك الدول الداعمة لهما أي سورية وإيران. فإن أجريت معهم محادثات، فعندئذ سوف يُخاض حديث مع أطراف تعتبر مسؤولة عن اعتداءات إرهابية وتنفي حقّ إسرائيل في الوجود".

وأضاف قائلاً: "لكن رفض هذه المواقف غير المقبولة بالنسبة لنا رفضًا قاطعًا لا يُبرّر الامتناع عن إجراء محادثات. وإلاّ يتمّ تحويل حلّ المشكلة إلى شرط لعملية التفاهم". استمدّ د. غولديمان الأمل من الحديث الذي أجراه مع ممثّل "لحماس" في طهران، إذ صرّح ممثّل حماس هذا - على حد قوله - بأنّ منظّمته ترفض الاعتراف بإسرائيل لاعتبارات مبدئية، لكن إذا جاء الإسرائيليون في يوم ما وأبدوا أسفهم على ما اقترفوه بحقّ الشعب الفلسطيني، فعندها - حسب قوله: "سوف تضطرّنا ثقافتنا إلى الجلوس معهم على طاولة الحوار".

على الرغم من أنّ ممثّل "حماس" وضع من خلال ذلك شرطًا مسبقًا - حسب تعبير غولديمان، إلاّ أنّ ممثّل "حماس" هذا يبين في نفس الوقت، أنّ التفاهم غير مستبعد.

العودة الى التشدد

قال غولديمان إنّ إسقاط رئيس الوزراء الإيراني مصدّق على يدّ جهاز المخابرات الأمريكي في عام 1953 من جهة وكذلك احتلال السفارة الأمريكية في طهران من قبل طلاّب موالين للنظام الإسلامي في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1979 من جهة أخرى أوصلا الحكومتين الإيرانية والأمريكية إلى اتّباع سياسة الامتناع عن توطيد العلاقات.

"من الممكن في الوقت الحاضر ملاحظة العودة إلى التشدّد في المواقف، بعد أن كانت حكومتا الرئيسين كلينتون وخاتمي قد بدأتا بالاقتراب بحذر من اتّباع سياسة الحوار "مع احترام كلّ منهما للآخر". مما يضعف الاحترام الذي كانت ألمانيا وانكلترا وفرنسا تتبادله مع إيران".

وأقرّ غولديمان قائلاً إنّه ينبغي علينا أن نعترف بأنّ الحكومة الإيرانية الحالية لن تتراجع تقريبًا في مسألة البرنامج النووي من دون ضغط خارجي؛ بيد أنّ السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد، هو كيف يمكن استخدام هذا الضغط بحيث لا يتمّ بذلك تقويض الاحترام كأساس لتسوية مستقبلية.

غوانتانامو والحجاب

يقول غولديمان إنّ نار النزاعات لا تُضرم فقط من خلال الأسباب الأساسية، بل يتمّ تأجيجها علاوةً على ذلك من خلال فرض العزلة والامتناع عن خوض الحوار وفقدان الإحترام. وعلى عكس ذلك من الممكن أن يصبح إظهار الاحترام للطرف الآخر أهمّ شرط لتنازل جوهري ضمن إطار عملية تفاهم.

ووجّه غولديمان كلامه بتصميم وبإرادة قوية ضدّ الفرضية القائلة بأنّ سبب العلاقة المتوتّرة القائمة ما بين الغرب والعالم الإسلامي يكمن في تناقض مبادئنا المستمدّة من عصر التنوير ومبادئ الإسلام - وهي فرضية يعتبرها غير تاريخية وخاطئة وخطيرة.

وفي الختام حذّر غولديمان من تفكير أمني متفاقم، لا يترك أيّ مجال للتفكير بسلامة القوانين والالتزام بها. وأضاف قائلاً، إنّنا نقوّض بذلك قيمنا بدلاً من أن ندافع عنها. فعندما نتناقش في النزاع مع الإرهاب حول فائدة التعذيب، ونمنع حجاب موظّفة حكومية لأنه يشكل "رمزا لعدوان سياسي واجتماعي" ولا نحترم حقوق الانسان، مثلما يحدث في غوانتنامو، فإنّنا عندئذ نعرّض أنفسنا لخطر "افتراقنا عن مطلبنا في نشر قيمنا الكونية".

بقلم كورت شارف
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2006