"المتعصبون يشلّون حماس الكتّاب"
لقد قامت مجموعة ممن يدعون أنهم حرّاس الأخلاق ويطلقون على أنفسهم "محامون بلا قيود" بتقديم بلاغ ضدكم بتهمة أن كتبكم الجديدة تسيء إلى الإسلام إساءة فظيعة. ما المقصود بالفعل من هذه التهم؟
جمال الغيطاني: إن تصرف هؤلاء المحامين يعكس الصراع العميق داخل المجتمع المصري، والأمر لم يعد يتعلق بي شخصيا أو بمحتوى "ألف ليلة وليلة" ولكنه ذريعة لتضليل الجمهور والوصول إلى مآرب أخرى، فالمجتمع المصري يعاني من انقسام عميق، وفيه دعاة للتجديد وأيضا ليبراليون وفنانون ومفكرون، أي الطبقة المثقفة. وفي المقابل هناك المتدينون المحافظون، وهؤلاء أناس ذو أفق ضيق يؤيدون نظام الحكم الديني، أي أنهم باختصار يؤيدون إسلاما سياسيا أو ما يفهمونه شخصيا تحت هذا المعنى. وهؤلاء يرون أنفسهم في صراع مستمر مع الحكومة، والأمر كله يتعلق بمسألة: ما هو ديني؟
لقد كان المفكرون ولا يزالون هدفا للنقد من جانب المتعصبين دينيا والذين لديهم مشكلة أساسية مع الفكر الحر. والمتعصبون دينيا ينشطون في الشوارع ويجندون أنصارهم من بين طبقات المجتمع البسيطة واللذين لم ينالوا حظا من التعليم، ولذا يستطيعون تضليلهم بمذهبهم الديني.
ويعتبر الكتّاب والفانون منذ زمن بعيد شوكة في عينهم، ولكم أن تتذكروا نجيب محفوظ الذي يُعد واحدا من أكبر المفكرين في العالم العربي. ولما نُشرت له عام 1959 بعض أجزاء كتابه "أولاد حارتنا" في جريدة الأهرام كانت الأوساط المتطرفة وراء تعطيل الطبعة الأولى للكتاب. وظل نجيب محفوظ يواجه تهمة الكفر بالله والإساءة للاسلام. وقد أدى ذلك إلى عدم التمكن من نشر هذا العمل باللغة العربية في مصر حتى قبل سنوات قليلة. وفي عام 1994 قام أحد أنصار جماعة الإخوان المسلمين بالاعتداء بالسكين على نجيب محفوظ أمام الرائح والغادي، ولكنه بقي على قيد الحياة بعد إصابته بجروح بالغة. هكذا ترون عُمر هذا الصراع الطويل في مصر، وما أنا إلا حلقة أخرى في سلسلة هذا العداء.
ما هو تفسيركم لتطرف وتعصب هذه الأوساط الاجتماعية؟
الغيطاني: يوجد في المجتمع المصري هُوّة كبيرة بين الفقر والغنى، فكثير من الناس دخلهم ضئيل، كما أنهم لا يستطيعون القراءة والكتابة، مما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة بينهم. وفي المقابل هناك طبقة ارستقراطية غنية جدا، ولكن يوجد أيضا طبقة متوسطة بنسبة ضئيلة. ولهذا كان من السهل على المتطرفين التصوير لهم بوجود بُعبع مخيف بينهم. أضف إلى ذلك أن كثيرا من المصريين يسافرون إلى السعودية لتعلّم الدين ويعودون بفكر متطرف، ومن ثم يكافحون في وطنهم من أجل نشر فكرهم الديني.
ما هو الدور الذي تلعبه الحكومة المصرية في هذا الصراع المستمر منذ مدة طويلة؟
الغيطاني: لقد ساد مناخ إيجابي جدا في السنوات الأخيرة خاصة فيما يتعلق بالصحافة وحرية الرأي، فهناك عديد من الجرائد تكتب في مختلف الموضوعات بطريقة نقدية ومثيرة للجدل. وعندنا صحافة حرة ممتعة، وعلاوة على ذلك فإن التغطية الاخبارية الناقدة للحكومة موجودة بصفة دائمة على صفحات الجرائد اليومية، ولم يعد للرقابة الصحفية وجود، وعلى العكس فالموضوعات المهتمة بالنقد السياسي والاجتماعي تعتبر جزءا من الثقافة الصحافية في مصر، أضف إلى ذلك أنها أصبحت مرغوبة. ولكنني أحذر دائما من الاقتصار فقط على النقد، لأن ذلك ليست فيه فائدة. وعلى المرء أن يقدم دائما اقتراحات لحلول بنّاءة تؤدي إلى مناقشات بناءة.
إن الانترنت يلعب الآن دورا مهما خاصة لدى جيل الشباب. والحكومة لا تعطلنا نحن الفنانون والمفكرون، فالمشاكل تأتي من المجتمع نفسه. هناك أناس تم تلقينهم ويسعون لتحقيق أهداف خاصة، ويعيقون التقدم. والخطورة تكمن في أن المتعصبين يفتقدون إلى القدرة على مناقشة مختلف الموضوعات من ناحية المضمون كما هو الوضع مع "ألف ليلة وليلة". فتكفي بعض الشعارات لخلق حركة عمياء تؤدي للأسف إلى عواقب وخيمة جدا.
هل تعتقدون أن الحياة السياسية المنفتحة يمكنها تقويض هؤلاء المتعصبين؟
الغيطاني: إن ذلك من الضرورة بمكان، فمفتاح التغيير يوجد في النقاش السياسي الحي، والحياة السياسية النشطة تسهم اسهاما أساسيا في خلق مجتمع متعدد الثقافات. أنا لا أستطيع إلا القول بأن مصر على الطريق الصحيح. ومنذ الحادي عشر من سبتمبر / أيلول 2001 على وجه الخصوص أصبح الحرب ضد الارهاب والتعصب وأيضا دعم حرية الرأي من الدعائم الأساسية للسياسة المصرية الحالية.
ما هي ردود أفعال الكتاب والمفكرين على الاتهامات الموجهة حديثا ضدكم؟ هل يشعر المبدعون بخوف جراء تصرفات هؤلاء المحافظين؟
الغيطاني: لقد أكد اتحاد الكتاب المصريين تضامنه الكامل معي ومع كتابي. ويوجد في مصر حاليا كثير من الكتاب الشباب الموهوبين، ولا أخفيكم سرا أن هناك أيضا حركة أدبية شابة طموحة في السعودية. ومن الأهمية بمكان دعم هذه المواهب وفتح آفاق مستقبلية جديدة أمامها، ومن حُسن الحظ أن انتعشت القراءة في مصر منذ نحو سنتين، وهذا يعتبر حافزا لجيل الكتاب الناشئ. إن الحركة الثقافية المصرية تنبض، ولن يستطيع بضعة متعصبين إيقاف هذا النجاح، ولكنهم يشلّون حماس الكتاب الناشئين.
لقد قُدمت عدة دعاوى عام 1985 بسبب الطبعة المصورة من "ألف ليلة وليلة"، هل أنتم واثقون بأن هذه الدعاوى سترفض؟ مع الأخذ في الاعتبار أن النسخة الحالية مدعومة من قِبل وزارة الثقافة المصرية.
الغيطاني: لقد كان أصحاب الشكاوي آنذاك من المتعصبين دينيا الذين وصفوا العمل بأنه جنسي مثير. وأصدر قضاة ثلاث محاكم مختلفة الدرجات حكما بأن المرء لا يحق له أخذ كلمة مفردة من السياق لتشويه سمعة كتاب بأكمله. إنني لست خائفا، ربما ينم ذلك حاليا عن جرأة قوية. ولكن الدعوى المقدمة من جديد قد تجعل الإصدار الجديد من "ألف ليلة وليلة" طبعة لا مثيل لها، ففي غضون شهور قليلة قمنا ببيع ما يزيد على عشرة آلاف نسخة. والكتاب أصبح رائجا في الاعلام وبين الناس بدرجة لم يسبق لها مثيل. من هذه الناحية فقد حصل المتطرفون على عكس ما أرادوا، حيث أسهموا في شهرة "ألف ليلة وليلة"، ولفتوا بذلك الأنظار إلى عظمة العمل. وهذا يُعد نتيجة إيجابية للغاية ونصرا للتنوع في الرأي في مصر اليوم.
أجرت الحوار: ماجدة الليثي
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2010
قام جمال الغيطاني بنشر العديد من الروايات والقصص القصيرة، ويعمل أيضا مقدم برامج في عدد من قنوات التلفاز المصرية الخاصة. وقد شغل لسنوات عديدة منصب رئيس تحرير جريدة الأخبار اليومية. ومنذ 1993 يقوم - كناشر ورئيس تحرير صحيفة "أخبار الأدب" المصرية الأسبوعية الوحيدة - بعقد ندوات للمواهب الشابة والنقاد حول كتاباتهم. وقد حصل جمال الغيطاني على جوائز عديدة لأعماله، وفي مارس / آذار 2009 حصل عل جائزة الشيخ زايد للكتاب، وهي جائزة عالمية مشهورة تمنح في أبو ظبي كل سنة للمبدعين من المفكرين والناشرين والعرب.
قنطرة
ألف ليلة وليلة" أمام القضاء المصري:
"ألف ليلة وليلة": عمل إباحي خليع أم تراث إنساني رفيع؟
ما زالت "ألف ليلة وليلة" تثير حفيظة كثيرين، وهكذا طالبت مجموعة من المحامين في مصر بسحبها من الأسواق وتنقيتها من الألفاظ "الخليعة". حول هذه القضية حاورت دويتشه فيله الروائي جمال الغيطاني وأحد المحامين الذين تقدموا بعريضة الدعوى
التطبيع الثقافي بين إسرائيل ومصر:
مثقفو وصحفيو مصر...وعود التطبيع ووعيد النقابات
على الرغم من مرور ثلاثين عاما على العلاقات المصرية الإسرائيلية والتنسيق السياسي المشترك بين البلدين على مستويات عدة، إلا أن التبادل الثقافي ما يزال في حدوده الضيقة، لاسيما من الجانب المصري، حيث المضايقات النقابية والإجراءات العقابية بحق من يقوم بخطوة كهذه:
الكاتب الروائي سليم الأفنيش:
قصص للأطفال من ألف ليلة وليلة
يعيش البدوي الفلسطيني سليم الأفنيش منذ عدّة أعوام في مدينة هايدلبيرغ الألمانية وهو يكتب باللغة الألمانية قصصًا وحكايات للأطفال وللكبار، حيث ترجمت أعماله إلى لغات عدة ما عدا العربية. بيتر فيليب يعرِّفنا بهذا الروائي وبخواص أدب الأطفال العربي.