''لا يمكن تجاهل دور المرأة في ثورة الياسمين''
بعد دراسة علم اللغات الأجنبية في تونس انتقلت رفقة بن علي إلى باريس والتحقت بمعهد الفنون المسرحية قسم "الإخراج"، لكن شيطان الإعلام والصحافة سرقها إلى عالمه، حيث انضمت في بداية 2010 إلى فريق إذاعة مونت كارلو الدولية، وها هي تقدم الآن برنامج منوعات يومي وتعمل مع راديو "الشمس" للمهاجرين العرب في باريس وتقدم برنامجها باللغتين العربية والفرنسية. عام 2009 كان لها في برلين مشاركة وحضور في مهرجان "برلين السينمائي"، حيث عُرض لها فيلم تجريبي قصير. ومن ضمن فعاليات مهرجان "أفلام من شمال أفريقيا" في "نادي الفيلم" بمدينة كولونيا الألمانية لعام 2011 عُرض جزء من فيلمها الوثائقي الذي يدور حول الأحداث في تونس. وعلى هامش مشاركتها في المهرجان أجرت معها دويتشه فيله الحوار التالي:
ما هو دور الفيلم برأيك في عملية التحرر والتجديد المنهجي في البلدان العربية، والمقصود هنا التحرر الديني والسياسي وما يتبعهما؟
رفقة بن علي: طبعاً الأفلام وكل الفنون الأخرى هي بحد ذاتها نافذة نطل من خلالها على المجتمع، ومن خلالها أيضاً نستطيع أن نسلط الضوء على متطلباتنا وإعطاء الحلول لمشاكلنا العالقة.
كيف ترين التغيير الحالي في تونس؟
رفقة بن علي: ها نحن قد تمكّنا الآن من التحرر ولكن يجب علينا أن نتعلم المشي بشكل صحيح، بعدما قمنا بالخطوة الأولى، فنحن الآن كما الأطفال الصغار يسيرون خطوة خطوة عندما يبدؤون المشي. سيكون لدينا حرية التعبير ولكن الحرية مرتبطة أيضاً باحترام الآخر. هذا الشيء يجب ألا ننساه في مجتمعاتنا العربية.
كيف كانت حرية التعبير قبل الحركة الشعبية في تونس؟
رفقة بن علي: أبلغ اليوم التاسعة والعشرين من العمر، وخلال هذه السنين عشت وأنا أحاول، كأي مخرج لا يتعامل مع السلطة، أن أجد طريقة للتحايل على السلطة للتعبير عن آرائي بحرية، أي دون أن أؤلب عليَّ القائمين والمعنيين على الثقافة والسياسة في البلد. وهذا شأن كل شاب في مجتمعنا، سواء كان مخرجاً أم فناناً، يريد أن يعبر عن رأيه دون النزوح إلى الصراع المباشر.
ما هو دور المرأة في تونس بعد الحركة الشعبية التي حصلت؟
رفقة بن علي: شعب تونس لا يمكن له نسيان دور المرأة التونسية، التي كانت منذ البداية مع الشباب التونسي ونزلت إلى الشارع تساعد وتنادي بالحرية التي تخصنا جميعاً، نساءً ورجالاً. ولا يمكن فصل المرأة عما حصل في تونس وبلدان أخرى في العالم العربي. وعلى الرجل ألا يشعر أن وجود المرأة إلى جانبه استفزاز له، لأن المجتمع الذي لا يعترف بالمرأة كشريك للرجل لا يستطيع أن يتطور، لا سياسياً ولا ثقافياً. وبالتالي يستحيل القيام بتطور اقتصادي، فالمرأة هي الأم والأخت والزوجة والصديقة ولها دورها المهم في بناء المجتمع إلى جانب الرجل.
قضيت واحداً وعشرين عاماً في تونس مع ناسها وعاداتها وتقاليدها. كامرأة شرقية، هل كان عندك إحساس بالفوارق بين المجتمعين التونسي والأوروبي؟
رفقة بن علي: أنحدر من بلد منفتح نحو الغرب وللمرأة التونسية حضور في المجتمع التونسي من أيام الرئيس بورقيبة، ولها كيانها ومشاركاتها في بناء المجتمع. نحن بلد سياحي وعندنا تواصل مع الغرب بشكل يومي. هذا يعني أنني لم أجد فروقاً ملموسةً في التعامل مع المجتمع الفرنسي خلال إقامتي في باريس.
كمثقفة عربية تعيش داخل المجتمع الأوروبي والفرنسي بالتحديد كيف كان رد فعلك على ما يدور داخل أوروبا من نقاش حول القيم الأوروبية والقيم التي جلبها ويجلبها معه العربي من بلاده، فهناك في أوروبا أصوات تقول إن العرب المسلمين يرفضون قيم المجتمعات الأوروبية التي يعيشون فيها؟
رفقة بن علي: يجب ألاّ تكون هناك راديكالية أوروبية تقابل الراديكالية العربية الممثلة في فئة معينة من العرب الذين يحملون هذه الرؤية. لأن هؤلاء لا يمثلون كل العرب ولا الثقافة العربية. إضافة إلى ذلك توجد داخل البلاد العربية أيضاً فروق في النظرة إلى قيم المجتمعات والتعامل معها. وبرأيي أن كل فرد يمثل نفسه فقط. ولا نريد أن ننسى أن للبلاد الأوروبية كما للبلاد العربية عادات وتقاليد وقوانين خاصة بها، يحبب أن نحترمها وإلا لما ذهبنا إليها وطلبنا العيش فيها.
هل للرموز الدينية علاقة في طريقة التعبد أم هي ليس أكثر من استفزاز للآخر؟
رفقة بن علي: فيما يتعلق بغطاء الرأس أو ما شابه ذلك من سمات يعلن عنها باسم الدين هي أشياء تخص الفرد وحده وهو من يقرر فيما إذا كان يتبعها أم لا، والدين بنظري هو تواصل بين الفرد والإله، وليس للمجتمع دخل به. كل شخص له الحرية في تعبد ربه بطريقته الخاصة لأن التعبد عمل ذاتي وشخصي بحت. على كل الأحوال إن الرب مسامح، فما بالك نحن العباد، يجب أن نكون أيضاً متسامحين مع بعضنا البعض.
نحن نعرف أن فرنسا حظرت أي سمة دينية أو رمز ديني في الدوائر الرسمية، أيضاً في المدارس والجامعات. وبالمقابل هناك هجمات قوية في العالم العربي من أجل التحرر من هذا الرمز الديني لأنه، أي النقاب وحتى الحجاب، حسب البعض، هو بحد ذاته قمع للمرأة العربية المسلمة وانحسار لدورها في بناء المجتمع. ماذا تقولين حول موضوع النساء اللواتي يطالبن بحقهن بلباس النقاب في المجتمعات الأوروبية؟
رفقة بن علي: لكل إنسان حريته في طريقته في الحياة. كل النساء يستطعن أن يعشن في مجتمع واحد بغض النظر عن طريقة لبسهن. إن كنّ يلبسن النقاب أم تنورة قصيرة فلكل منهن حريتها في انتقاء طريقة عيشها. هذه هي برأيي الديمقراطية الفعلية والحرية الصحيحة. فلماذا نمنع المتدينة من ممارسة طقوسها والعلمانية لا؟ أنا لا أظن أن من تلبس النقاب سوف تهاجم من تلبس التنورة القصيرة. وهذا شيء مؤسف أن نمنع الإنسان من ممارسة دينه كما يشاء. لا تستفزني المرأة التي تلبس النقاب أو الحجاب أبداً. بل على العكس أنا أحترم طريقتها في ممارسة دينها وأحترم آراءها. ولكن من الصعب أيضاً أن نحكم على الغرب فيما إذا كان محقاً في منع الرموز الدينية في الأماكن العامة والرسمية، لأنه يريد أن يعيش في بلاده بكامل حريته وكما أرادها ويريدها أن تكون. والغرب يعرف أن الإسلام دين تسامح ومحبة وصداقة وأخوة ولكنه لم يتعود في الماضي أن يرى بهذه الكثرة نساء متلحفات من الرأس إلى القدم. خلاصة القول: يجب علينا أن نحترم قوانينهم كما نحن نطالبهم بأن يحترموا قوانين حياتنا وأن يفهموننا.
أجرى الحوار: فؤاد آل عواد
مراجعة: عماد مبارك غانم
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011
المخرجة والإعلامية التونسية رفقة بن علي: ولدت سنة 1982 في تونس، بعد الثانوية العامة تابعت دراستها الجامعية في علم اللغات الأجنبية في المعهد العالي للعلوم الإنسانية في تونس. ثم انتقلت إلى باريس لمواصلة دراساتها في اللغات والآداب بجامعة باريس 13 والتحقت في الوقت نفسه بمعهد الفنون المسرحي بباريس. شاركت خلال الدراسة في أعمال مسرحية و سينمائية أوروبية وعربية عديدة. وبعدما حصلت رفقة على شهادة في السينما قسم "الإخراج" من جامعة "باريس 8"، أصبح لها حضور في المسرح الفرنسي وتوالت عليها الأعمال المسرحية التي لم تزدها إلاّ تجربة فنية وحس مرهف في علم التمثيل والإخراج.
Text