العنف بين الحداثة والدين

أصدر معهد العلاقات الخارجية دراسة تناولت موضوع العنف في الماضي والحاضر. تشكّل هذه الدراسة التي أعدها باحث ألماني وباحثان عربيان قاعدة للحوار بين المثقفين من الدول الغربية ومن الدول الإسلامية. عرض منى نجّار

يضع باحث علم السياسة يوخين هبلر الطرح النقدي للحداثة وعلاقتها بالعنف في محور مبادرته المتعلقة بالحوار مع العالم الإسلامي. منذ عصر التنوير كان الأمل يحدو دوما المعنيين بالأمر بكون المجتمعات والدول ستعمد إلى حل النزاعات القائمة بينها باستخدام حد أدنى فقط من العنف.

بالفعل فقد شهد العالم الغربي في القرون الأخيرة الماضية انخفاضا في معدلات استخدام الدول للعنف في الداخل. يعود ذلك في المقام الأول إلى التطور الذي طرأ على أنظمة الدولة وفاعلية عمل أجهزة القضاء وعلى الآليات الداخلية.

لكن عملية الحداثة أفرزت أيضا مظاهر مرعبة للعنف كالاستعمار والستالينية والفاشية الألمانية. كما أن المجتمعات غير الغربية شهدت هي أيضا في طريقها نحو الحداثة أشكال القتل الجماعي والحروب على مختلف مقدار حدتها. من أمثلة ذلك القتل الجماعي الذي رزح الأرمن تحت طائله في بداية القرن العشرين وتقسيم باكستان في بداية سبعينيات القرن الماضي.

يرى هبلر بأن هناك ضرورة ملحة في أن ندرك بأن "عملية التمدّن ربما لا تأثير إيجابيا أو سلبيا لها على حالة الاستعداد للقيام بالعنف نظرا لأنه طالما وعد العنف بتحقيق مكاسب فإن ذلك سيبقى حافزا للبعض باللجوء إلى العنف. في نفس الوقت فقد أوجدنا عبر منظمة الأمم المتحدة والقانون الدولي وحقوق الإنسان آليات أولية لسن القواعد، لكن ما تحقق في هذا السياق ما زال أدنى من توقعاتنا".

قصور في النقد الذاتي

النقد الذاتي إحدى الشروط الأساسية لتناول الطرفين الغربي والإسلامي لظاهرة العنف وطرحها في مبادرات الحوار. في الجانب العربي يفتقد الباحث في علم السياسة عمرو حمزاوي الاستعداد إلى التطرق إلى الفشل الذي منيت به محاولات تكريس الديموقراطية في العقود الأخيرة الماضية والمقدرة على استنباط العبر من ذلك. ويرى حمزاوي بأن افتقاد النقد الذاتي يتضح على نحو خاص في موضوع إكساب أعمال العنف مشروعية ذات طابع إسلامي: "إذا وصلت المناقشة إلى الإسلام ينقطع الكلام ونصل إلى طريق مسدود".

بالمثل ينتقد يوخين هبلر من الجانب الآخر الطرق التي سلكها الغرب حتى الآن في طرح وتقييم الجرائم التي ارتكبها، حيث يقول:

"المثير للاهتمام أن طرحنا وتقييمنا للجرائم المرتكبة من طرفنا يتسم بطابع جزئي هامشي كما أن الحال يختلف من دولة غربية إلى أخرى. كذلك أعتقد بأننا، وهذا أمر مثير للاهتمام، سلكنا في هذا السياق خطا مبنيا على المركزية الأوروبية. فقد انصب اهتمامنا في مجال عرض جرائم العنف المرتكبة منا أثناء الحرب العالمية الثانية وتحديدا في سياق المحرقة "هولوكاوست" على الضحايا اليهود الأوروبيين أو البولنديين. أما الضحايا الروس على سبيل المثال فلم نعبأ بهم على نحو يستحق الذكر. بمعنى أننا نربط تلك الأعمال بمجتمعاتنا معتبرين ذلك نمطا مفرطا بشعا من أنماط الحروب الأهلية الأوروبية في حد ذاتها. لكننا نادرا ما نطرح تلك الجرائم في إطار المقارنة مع حالات شبيهة على مستوى الثقافات الأخرى".

يلاحظ هبلر بأن المجتمعات الأوروبية بدأت منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول ووقوع هجمات إرهابية ذات خلفية إسلاموية داخل أوروبا، تميل إلى إغفال النظر عن تطورات شبيهة داخل شرائحها الاجتماعية أفرزت هي أيضا العنف. يتضح ذلك على وجه خاص لو عمدنا إلى مقارنة الجدل الدائر اليوم حول العنف الإسلاموي مع النقاش الذي جرى في غضون سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي حول الإرهاب النابع من التيارات اليسارية الراديكالية:

​"لدينا اليوم مجموعة من مرتكبي العنف ولد البعض منهم في أوروبا والبعض الآخر في لبنان على سبيل المثال. في ألمانيا تنشأ لدينا الرغبة في خلق فارق سيكولوجي فحواه أن بالإمكان النجاح ولو جزئيا في اعتبار ذلك النمط الشبيه من العنف الهمجي بأنه لا يشكل جزءا من مشاكلنا بل بكون مصدره خارجا عن أراضينا. بعبارة أخرى ليس المجتمع الألماني نفسه هو الذي أفرز العنف بل إن ذلك يعود إلى المسلمين سواء كانوا عربا أو إيرانيين أو غير ذلك."

عنف ديني أم سياسي؟

بناء على رؤية يوخين هبلر فإن الدين في حد ذاته لا يشكل مصدرا من مصادر العنف، وكل ما في الأمر أن هناك تسخيرا من قبل الإنسان في هذا الصدد، بالإضافة إلى أن الأطر العامة المتواجدة سواء سياسيا أو في القطاعين الاجتماعي والاقتصادي كفيلة في إكساب الدين طابعا تعبويا ومعبئا بالعنف. صحيح أن أسامة بن لادن يستخدم في خطابه السياسي مفاهيم دينية، لكن صلب مطالبه تتسم بناء على قراءة هبلر بطابع سياسي محض.

يعترض الباحثان العربيان المشاركان في الدراسة على هذا التحليل الذي أورده هبلر. حيث يقول حمزاوي إنه لا يحق التعرض إلى ظاهرة العنف من خلال إهمال عوامل البيئة الاجتماعية التي ترعرعت في ظلها. ويعتقد عالم السياسة المذكور بأنه لا يمكن فهم ظاهرة الإرهاب الإسلاموي في المنطقة العربية إلا في حالة البحث في موقع الدين ومركزه في مجتمعات تلك المنطقة وعند التطرق كذلك إلى الخطاب العربي والإسلامي المعاصر:

​​"نمت ظاهرة عنف التيارات الجهادية وتشكلت واجتذبت أعدادا متصاعدة من الأتباع والمتعاطفين في ظل بيئة ثقافية شددت على التميز والتفرد وبررت انفصال المجتمعات العربية عن زمانية العصر الديموقراطي استنادا إلى أصول خصوصيات متوهمة، وهي لذلك، أي ظاهرة العنف، لا يجب التعامل معها بمعزل عن هذه البيئة الشاملة والبحث فقط عن مسبباتها السياسية والاقتصادية-الاجتماعية".

الباحث المصري في الدراسات العربية والإسلامية نصر حامد أبو زيد على قناعة بعدم إمكانية شجب الإرهاب من خلال استخدام قواعد التفسير الكلاسيكي للقرآن: "عدم القدرة على رؤية النص الديني باعتباره نص تاريخي، هذا عجز في مناهج الدراسات المرتبطة بالقرآن الكريم حتى الآن."

ويرى أبو زيد بأنه قد آن الأوان أخيرا لقيام الجانب الإسلامي بتقديم تفسيرات مضادة للقرآن: "إذا لم نستعد السياق التاريخي فليس هناك فائدة من الحوار، سيظل الإرهاب يستند إلى نصوص دينية، والذين يؤيدون سلب الإرهاب قوته الدينية غير قادرين على وضع النصوص في سياقها التاريخي."

بقلم منى نجار
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

حول حركة التطرف في الإسلام
ليس من السهل أن نجد جوابًا على سؤال مفاده، هل يمكن إرجاع اعتداءات إرهابية إسلامية متطرفة - كذلك - إلى الدين الإسلامي وعلاقته بالعنف. يرد في القرآن والسنة تأييد للعنف ضد معتنقي الديانات الأخرى. بيد أن هذا وحده لا يكفي من أجل استيعاب هذه المعضلة التي نحن بصددها. بقلم تلمان ناغل

الإسلام والغرب
مبادرة جديدة وجريئة من نوعها قام بها معهد غوته بالقاهرة بتنظيمه للقاء استغرق ثلاثة أيام ضم ثمانية ألمان ومصريين متخصصين في مجالات اجتماعية مختلفة وذلك في منطقة الواحات البحرية التي تقع في الصحراء على بعد 360 كيلومتر جنوب غرب القاهرة حرصا على توفير أقصى قدر من الهدوء والخصوصية ليتفرغ المشتركون لمناقشة قضايا ساخنة حول نظرة الإسلام للغرب والعكس وليتبادلوا وجهات النظر المختلفة

www

غلاف الدراسة

​​من الممكن إنزال نص الدراسة باللغة العربية من موقع معهد العلاقات الخارجية