دراسة العلاقات السلمية بين الشرق والغرب

الكاتبة ، الكاتب: علي عفيفي علي غازي

في إطار مشروع «تاريخ بناء السلام: العلاقات السلمية بين الشرق والغرب منذ القرن الحادي عشر حتى القرن الحادي والعشرين الميلاديين»، حيث التأثير الحضاري الملموس بين الشرق؛ خلال تلك الحقبة التاريخية، التي شهدت الحروب الصليبية، والعلاقات التجارية، والمعاهدات السياسية، والتبادل الثقافي البناء بين الجانبين. ويتم هذا المشروع البحثي بالمشاركة بين أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا بمصر، ومجلس البحوث الإيطالي بإيطاليا. ويتناول دراسة تاريخ العلاقات السلمية بين الشرق والغرب، بين العالم الإسلامي والغربي الأوروبي المسيحي بداية من الفترة التي عرفت بنهايات العصور الوسطي، والتي اتسمت بالتلاقي الحضاري بين الشرق والغرب، وصراع الحضارات، الذي نتج عنه مولد أوروبا الحديثة وحركات النهضة والإصلاح، وتبلورت فيها الصراعات، التي أنتجت سفارات دبلوماسية عديدة، في محاولات لتفادي الحروب وبناء السلام. كذلك اتسمت هذا الفترة بالصراعات بين الشرق الغرب، ويُعد أهمها وأشهرها الحروب الصليبية علي مدار القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، وكانت بمثابة نقطة التلاقي بين حضارتي الغرب المظلمة والشرق المضيئة. ومن ثم كانت الحروب مجالًا لمعرفة الآخر، والبحث عن طرق لحياة أفضل من حياة الحرب والنزاع، فوجدوا إلى السلام سبيلًا، وتعلموا الدبلوماسية، وتشرّبوا ماء الحضارة، وتغذوا بفكر الإنارة، والتلاقي والتكامل الحضاري.



وتشهد هذه الحقبة التاريخية جهودًا لبناء السلام، ورغم نجاحها حينًا وفشلها حينًا آخر، إلا أنها جديرة بالدراسة، لمعرفة تاريخ تلك المحاولات السلمية، والعلاقات الدبلوماسية، ومعرفة النتائج التي ترتبت عليها، والجهود التي بُذلت فيها، والمنافع التي عادت منها على الطرفين؛ لتكون دراسة تهدي حاضرنا وتنير مستقبلنا. وشملت تلك الفترة علاقات قوية بين الإمبراطورية البيزنطية على الجانب الآخر من البحر المتوسط، وبين العالم الإسلامي، وتُبودلت السفارات والمراسلات، التي تسرد تاريخًا سلميًا يُعالج ما خلفته الصراعات بين الطرفين الإسلامي والبيزنطي المسيحي، فهي بحق نموذج قوي لتاريخ الدبلوماسية وصناعة السلام، نستطيع معرفته بالبحث في تاريخ العلاقات بين الإمبراطورية البيزنطية، القوة الكبرى والعظمي في الغرب الأوروبي حتي نهاية القرن الثاني عشر الميلادي، وبين العالم الإسلامي الشرقي، فهما يمثلان صراع القوى في تلك الفترة. وتمت دراسة هذه العلاقات السلمية من خلال منهج البحث التاريخي، وعقد السيمنارات، وورش العمل لطلاب البحث العلمي للتوعية بتاريخ السلام، وكيفية بناءه، كذلك في المؤتمرات الدولية والمحافل العالمية؛ بما يُسهم في بناء فكر السلام وتاريخه بين الشعوب. وقام الفريق العلمي بالبحث في العديد من المصادر والوثائق، التي تهدف إلى إيضاح الصورة السلمية للعلاقات بين الشرق والغرب في تلك المرحلة العصيبة من تاريخ البشرية.



وزار رئيس الفريق البحثي الإيطالي البروفيسير لوتشانو جاليناري (Luciano Gallinari) مصر، حيث شارك في المؤتمر المشترك، وورش العمل المنظمة من قبل الفريق البحثي المصري بمقر المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة، كما ألقى محاضرة بمكتبة الإسكندرية. وقام الدكتور على السيد، والدكتور عبدالله عبدالعاطي النجار، والدكتور أحمد شعير من الفريق البحثي المصري بزيارة روما للمشاركة في الفعاليات العلمية، التي قام بتنظيمها الفريق البحثي الإيطالي، وتبادل الباحثون الزيارات. وقام الفريقان بشكل مشترك وعبر التعاون الكامل والتنسيق المستمر بالانتهاء من إنجاز كتاب (باللغات الإنجليزية، العربية، الإيطالية) يتضمن الأبحاث التي قام الأعضاء بالاضطلاع بها في عام 2017، بعد أن خضعت للتقييم والتحكيم من قبل أساتذة متخصصين في الجامعات مشهود لهم بالكفاء. وتضمن الكتاب البحوث: «المتولي السيد تميم: زيارة السلطان السلجوقي قلج أرسلان الثاني إلى القسطنطينية عام 1162م المقدمات والنتائج»، «علي أحمد السيد: السلام بين المسلمين والأوروبيين؛ عهد بابوي ومرسوم مملوكي لصالح دير جبل صهيون»، «ياسر مصطفى عبد الوهاب: موقف الإدارة الإسلامية من زيارات الأوروبيين إلى الأماكن المقدسة (1192-1277م/588-676هـ)، مسالمة أم سياسة؟»، «أحمد عبد القوي شعير: أسطورة الكاهن يوحنا في مواجهة المفاوضات السلمية بين المسلمين والصليبيين في دمياط إبَّان الحملة الصليبية الخامسة (1218-1221م/ 615 -618هـ)»، «علي أحمد السيد: الأوقاف الإسلامية وعلاقتها ببناء السلام بين الشعوب؛ ضيافة تميم الداري نموذجًا»، «عبد الله عبد العاطي النجار: العلاقات السلمية المصرية المجرية إبان أحداث عام 1956؛ وموقف إيطاليا»، «لاسلو يي ناج: حرب 1967 والمجر»، «أوتافيا دويمنتشي: الزجاج والصخور البلورية المصنعة في مصر ومنطقة البحر الأبيض المتوسط في العصور الوسطى (القرن 10-12)»، «لوتشانو جاليناري: أول توغلات المسلمين في سردينيا ونتائجها على الجزيرة (القرن 6-11) بعض الانعكاسات»، وتشارك كل من أرتورو جاليا وأننا ماريا أوليفا ولويزا إسبانيولي في بحث بعنوان «السفر والأوصاف، والتمثيل؛ مصر بين أواخر القرن الرابع عشر والسادس عشر».



وتمخض المشروع عن إصدار الكتاب الثاني (2019) باللغة الإنجليزية بعنوان «دراسات وسيطة وحديثة حول بناء السلام بين الشرق والغرب»، يجمع بين دفتيه مجموعة من البحوث العلمية الرصينة: «عبد الله عبد العاطي النجار: مشروع بناء السلام بين الشرق والغرب عامان من التعاون البحثي المشترك بين مصر وإيطاليا»، «علي أحمد السيد: خطوات بناء السلام الصليبي الدمشقي حتى معاهدة 53هـ/ 1140م»، «المتولي السيد تميم: الصراع السلجوقي الطرابيزوني علي الشواطئ الجنوبية للبحر الأسود أوائل القرن الثالث عشر الميلادي»، «أحمد عبد القوي شعير: بين السلام والحرب؛ الذاكرة السلمية للحروب الصليبية من العصور الوسطى إلى الكتابات العربية المصرية الحديثة»، «عبد العزيز رمضان: العرب في بيزنطة؛ دلائل التحول الطوعي والاستيعاب»، «علي عفيفي علي غازي: التعايش السلمي بين المسلمين والأقباط في مصر (1882-1952)»، «ألبرخت فوس: لماذا فينيسيا وليس جنوة؟ كيف برزت فينيسيا كشريك تجاري أوروبي مفضل لدى المماليك بعد 1365م»، «لورينزو بونديولي: اتجاهات الشريعة الإسلامية للتجارة مع دار الحرب بين القرنين الثاني والسادس الهجريين/ الثامن والثاني عشر الميلادييين»، «يانوش شارنجر: السياسة الخارجية والدبلوماسية بين الشرق والغرب إبان حكومة أنطال يوجف (1990-1993)».



* صحفي وأكاديمي مصري.