الإرهاب والسياسة
"بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول لن يعود أي شيء لما كان عليه من قبل"، هذه الجملة فقدت معناها تماما. وبالطبع فإن لهذه الجملة مغزى حقيقيا، لأن هذا اليوم قبل أربع سنوات قد غيّر أشياء لا حد لها، ليس فقط القتل الجماعي الوحشي في منهاتن الذي كان العالم بأجمعه يتابعة على شاشات التلفاز.
فالحادي عشر من سبتمبر/أيلول جعل الولايات المتحدة تشهد وقائع لم تعرفها الولايات المتحدة من ذي قبل، ولكنها كانت موجودة بمناطق أخرى في العالم.
والإرهاب ليس وليد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، فقد كان قتل الأبرياء بلا رحمة إحدى الوسائل لتطبيق الأفكار السياسية المتعصبة الخاطئة في مناطق أخرى من العالم. ولكن لم يخطر على بال أية دولة من ذي قبل أن تعلن "الحرب ضد الإرهاب" وأن تعطي له رسميا أولوية سياسية وتجعل منه شكلا من أشكال الحرب العالمية، كما لو كان المرء لا يستطيع محاربة الإرهابيين بالوسائل التقليدية.
إن الدبابات والقنابل والصواريخ ليست من الوسائل الصالحة للحرب ضد الإرهابيين، وعلى الرغم من قدرة هذه الأسلحة على منع إرهابي "القاعدة" من أن يثبتوا وجودهم كمنظمة بين عامة الشعب. وقد تم إبعادهم عن الساحة وإن كان بعضهم في حالة فرار الآن، إلا أنه لم يتم النصر عليهم بعد.
وبدلا من ذلك أدخلت الولايات المتحدة نفسها في حرب قد تخسرها. وهي قد تخسرها لأنها ستقتل الأبرياء، وقد تخسرها لأنها تلعب رغما عنها دور القوة العظمى التي لا تبالي، ومن ثم تساعد الدهماء من الإرهابيين. وهؤلاء الدهماء من السهل عليهم أن يجدوا آذانا صاغية لفكرة "حرب الحضارات" التي روجوا لها.
وقد يكون من الخطأ أن نُلقي بالذنب كله على الولايات المتحدة وحدها، وليس هناك من سبب لأن ترضى أوروبا عن نفسها، فالأسبان والبريطانيون قد دفعوا ثمن هذه الحقيقة بالفعل. ومن الممكن أن تلق دول أخرى مثل هذا المصير، حتى ولو لم يشتركوا في كل مغامرات الولايات المتحدة الأمريكية.
والأوروبيون وضعوا هدفا لأنفسهم، ألا وهو المساندة في دَمقرطة المناطق التي لا تزال تحكم بالإستبداد في العالم، وبذلك يخاطرون مواجهة أولئك الذين يرون أن الديمقراطية رجس من عمل شياطين الغرب.
ومحاولات الدمقرطة الأولى الحالية في فلسطين والعراق ولبنان والآن في مصر مشجعة ولكنها لا تزال صغيرة جدا وغير مكتملة بدرجة تجعلها تفخر بذلك. كما أنها تهدف أحيانا إلى الحفاظ على القوى الحاكمة.
لقد تغير العالم بعد مرور أربعة أعوام على هجمات "مركز التجارة العالمي"، ولكن ليس هناك ما يدعو إلى السرور، فالتغيير لم يأت بعالَم أفضل ولكنه أصبح أكثر خطورة واضطرابا وتناقضا.
بقلم بيتر فيليب
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع دويتشه فيلله 2005
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2005
بيتر فيليب صحفي ألماني متخصص في قضايا الشرق الأوسط.