"الإجابة على سؤال التعددية آتية من المنطقة العربية"
أشارت المستشارة أنغيلا ميركل في إحدى المرات -قبل حلول موجة اللاجئين ببضع سنوات خلال حديثها عن اندماج المهاجرين- إلى أن منهج تعدد الثقافات الألماني باء بالفشل. في حين أراد هاينز بشكوفسكي وتيلو سرازين، عضوا الحزب الاشتراكي الديمقراطي في برلين إثبات ذلك من خلال كتابيهما المثيرين للجدل حول الاندماج، واللذين اعتليا قوائم الكتب الأكثر مبيعا في ألمانيا.
ولم يخفِ كثير من المثقفين ومن ضمنهم الكاتب رالف جوردانو نظرته المتشائمة حيال التقدم في تحقيق مجتمع متعدد الثقافات. الحديث حول هذا الشأن مهم للغاية، فهو يتعلق بالإجابة عما إذا كان من الممكن على المدى البعيد توفير نموذج مجتمع يضم جنسيات ولغات وأعراق مختلفة. وهو سؤال محل اهتمام سياسي واجتماعي وثقافي، أشار إليه الكاتب الهولندي ليون دي ونتر في روايته.
سكن الكاتب الهولندي دي ونتر لمدة أعوام في ألمانيا وعمل روائيا ناجحا وكاتبا لمقالات رأي اجتماعية في صحيفة ألمانية يومية. سافر دي ونتر في أنحاء ألمانيا محاولا الترويج لروايته "آين غوتيس هيرتز" أو" قلبٌ طيّب". إذ خلط دي ونتر بين الواقع والخيال في روايته مستخدما شخصيات حقيقية وأخرى مختلقة متناولاً موضوع مجتمع متعدد الثقافات. ويقول الكاتب: "أحداث الرواية قد تجري فعلا في ألمانيا"، إذ تدور قصة الرواية حول السياسة والمجتمع في العقد الماضي". ووفقاً للكاتب، فإن كثيرا من الأمور في أحداث الرواية دارت بالواقع في هولندا وناقشت مسألة مجتمع متعدد الثقافات.
بعد اغتيال أحد الإسلامويين المتطرفين منتج الأفلام الهولندي ثيو فان غوخ، عقب انتقاد الأخير للمد الإسلامي في أوروبا، كثر الحديث في هولندا وألمانيا حول اندماج المهاجرين في الديمقراطيات الغربية. غالبية هؤلاء المهاجرين في هولندا يرجعون لأصول شمال إفريقية أو من مستعمراتها السابقة.
وتبعاً لدي ونتر، ينقسم المهاجرون إلى ثلاثة أنواع:" الأول مندمج بشكل جيد، والثاني يحاول جهده أن يندمج وهؤلاء بحاجة للدعم والمساعدة. أما النوع الثالث والمثير للمشاكل، فهو القسم الرافض للاندماج والديمقراطيات الغربية. هذه الفئة تنطوي على ذاتها وتكره محيطها". والسبب في ذلك يعود إلى أن "المجتمع لم يحقق لها توقعاتها". ويشير دي ونتر إلى أن ألمانيا وهولندا تتشابهان في هذا الشأن إلى حد بعيد.
هنا يتناول دي ونتر قصته الحقيقية التي أدت به إلى كتابة روايته. إذ لم يكتفِ منتج الأفلام المثير للجدل، ثيو فان غوخ، بنقد الإسلام، بل كثيراً ما هاجم بحدة ابن وطنه دي ونتر. ورغم أن الأخير ولد لعائلة يهودية، إلا أنه لا يصنف نفسه كيهودي:" أنا في الغالب ملحد، في بعض الساعات أغنوسطي (أي أنه لا أدريٌّ)، وفي أوقات الرهبة والاضطراب مؤمن جداً"، كما يصف الكاتب نفسه.
كان فان غوخ قد اتهم دي ونتر بأنه يستغل انتمائه لليهودية في التسويق لكتبه، حتى أنه استخدم في هجماته ألفاظاً معادية للسامية. لكن فان غوخ غيّر من وجهته وهاجم الإسلام بعد أحداث الـ 11 من سبتمبر/ أيلول، الأمر الذي تسبب في اغتياله على يد متطرف إسلاموي. أما قصة فان غوخ ودي ونتر فقد استمرت حتى بعد وفاة المخرج الهولندي. يقول دي ونتر في هذا السياق: "ظهر لي ثيو فان غوخ في المنام متيحاً لي فرصة الانتقام منه، قائلاً: "افعل بي ماتشاء"".
في الرواية، بث دي ونتر الحياة في روح فان غوخ بعد موته، واستغنى عن الانتقام من ابن بلده ملقياً الضوء عليه بشكل متزنٍ. يقول الكاتب: "لاحظت تقارباً في أفكارنا بعد فترة، ففي كل مرة استقبلت فيها بلادنا أمواج مهاجرين من ثقافات غير غربيه، سجّل كلانا ظواهر مشابهه". ويسترسل في وصف المشكلة المجتمعية: "شبان من دون تعليم. ارتفاع في نسبة الجريمة. فتيات يكافحن لتحرير أنفسهن من الكبت والقمع". وتتفشى بعد ذلك ظاهرة التوجه إلى الإرهاب بين الشباب على سبيل المغامرة.
يشاركه كثير من المثقفين في ألمانيا رأيه في ذلك. فآراء الكاتب رالف جوردانو كانت قبل أعوام محور النقاش، المتعلقة بالفشل الذريع في تحقيق مجتمع متعدد الثقافات. "معضلة الهجرة والاندماج تستمر في الحياة بيننا"، يقول جوردانو المعروف بنظرته التشاؤمية والتي أدت إلى اتهامه بالعنصرية. الاتهام الذي أشعره بالألم أكثر من غيره، فهو أحد الناجين من المحرقة النازية.
ما أسباب فشل المجتمع متعدد الثقافات وفقاً للمثقفين؟ ليون دي ونتر يجيب على ذلك، بأن السبب يعود إلى ضعف في المشاريع التعليمية في البلاد الناطقة بالعربية. كما أن انعدام التبادل الثقافي وقلة الترحيب بفرصه تعد من الأسباب أيضاً، فالسؤال المطروح هو؛ أي نوع من العقول تأتي إلى أوروبا من هذه المنطقة. ولذا، فإن الكاتب يرى المستقبل غائماً، ويقول: "ليس بإمكاننا نحن في أوروبا الإجابة عن هذه الأسئلة. الإجابة ستأتي من العالم العربي".
يوخن كورتن
ترجمة: تقى هلال
حقوق النشر: دويتشه فيله