اغتيال الطفولة باسم الثقافة الذكورية والتشدد الديني
يشن نشطاء حقوقيون في السعودية حملة من أجل مساعدة فتاة في الثانية عشرة من عمرها على الطلاق من زوجها البالغ ثمانين عاماً، ويسعى نشطاء هيئات حقوق الإنسان في السعودية إلى استصدار قانون يمنع زواج القاصرات الذي يعد ضمن الموضوعات "المسكوت عنها" في هذا البلد. ويثير موضوع تزويج الفتيات جدلاً في البلدان العربية وخصوصاً، التي لا توجد فيها تشريعات تمنع زواج الفتيات مثل السعودية واليمن. اللافت أن هذه الظاهرة تنتشر أيضاً في بلدان تمنع قوانينها زواج الفتيات مثل مصر والمغرب وسوريا والعراق.
وفي حوار لدويتشه فيله أكدت الدكتورة ثريا العريض الأديبة السعودية والمدافعة عن حقوق المرأة أن الفتيات اللائي يتم تزويجهن مبكراً يعانين مشاكل صحية ونفسية. أما الدكتورة إلهام المانع الباحثة في جامعة زيوريخ فقد قالت من جهتها إن ظاهرة تزويج القاصرات في المجتمعات العربية لها خلفيات اجتماعية ودينية، مؤكدة أن محاولات القضاء عليها أو الحد منها تصطدم بـ"قوى سلفية ومحافظة".
نقاش غير مسبوق في السعودية
وتحولت قضية طلاق الطفلة البالغة من العمر اثنتي عشرة سنة من زوجها البالغ ثمانين عاماً إلى قضية رأي عام في السعودية بعد أن تولت الهيئة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان مهمة الدفاع عنها أمام المحاكم وإخراج قضيتها من طي الكتمان في بلدة بريدة القبلية المحافظة. وتعود قصة هذه الفتاة إلى العام الماضي عندما زوجتها أسرتها من ابن عم والدها المسن، الذي دفع لها مهراً قيمته 85 ألف ريال أي ما يعادل 22.670 دولارا. ورفعت والدة الفتاة في وقت لاحق دعوى قضائية نيابة عن أبنتها لكن مساعيها لم تكلل بالنجاح، إلى أن تولت هيئات حقوقية الدفاع عن حقوق الفتاة أمام القضاء من أجل إصدار أمر بفسخ عقد زواجها.
وقالت الدكتورة ثريا العريض إن "زواج الفتيات ممارسة تقوم بها بعض الفئات في الأرياف ومناطق معينة من السعودية ولا يوجد قانون يحدد سن الزواج". وتنتشر هذه الظاهرة أيضاً في اليمن، حيث أفادت دراسة أُجريت في جامعة صنعاء بأن أكثر من 40 في المائة من الفتيات في اليمن يتزوجن قبل بلوغهن سن الثامنة عشرة. ولاحظت الباحثة السويسرية من أصل يمني الدكتورة إلهام المانع إن "سن تزويج الفتيات في أرياف اليمن يبدأ من الثامنة". ولا تقتصر الظاهرة على البلدان العربية التي لا تمنع قوانينها زواج القاصرات، بل تنتشر أيضاً في بعض المناطق من بلدان تمنع زواج القاصرات مثل المغرب وسوريا ومصر، حيث يتفشى تزويج القاصرات عن طريق"الزواج العرفي". وتقدر نسبة زواج القاصرات في مصر بحوالي11 في المائة حسب دراسة أنجزتها وزارة التضامن الاجتماعي المصرية بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة(اليونيسيف).
الفقر والثقافة "الذكورية" وراء تفشي زواج الفتيات
وتظهر دراسات اجتماعية أنجزت في عدد من الدول العربية حول ظاهرة تزويج الفتيات القاصرات بأن الظاهرة تنتشر في المناطق الريفية في مصر واليمن والسعودية والمغرب، ويعتقد الخبراء بأن ذلك يعكس البنيات الاجتماعية والثقافية التقليدية التي تنتمي إليها أسر الفتيات اللائي يجبرن على الزواج في سن مبكرة. وتعتقد الباحثة الدكتورة إلهام مناع بأن هنالك "مزيجاً من العوامل التي تساهم في انتشار هذه الظاهرة، ففي اليمن وخصوصاً في المناطق الريفية يساهم الفقر في دفع بعض الأسر إلى تزويج فتياتها في سن مبكرة كمصدر للدخل".
أما في السعودية، التي تعتبر أول مصدر للنفط في العالم، فتنتشر في بعض أريافها الفقيرة ظاهرة تزويج الفتيات القاصرات. ويرصد الباحثون انتشار الثقافة الذكورية والأبوية في المناطق التي تتفشى فيها ظاهرة تزويج القاصرات. ومن جانبها تعتقد الأديبة السعودية ثريا العريض أن "الثقافة الذكورية تجعل الفتاة خاضعة لسلطة الأب أو الأخ الكبير أو أحد أقاربها الذكور الذي يستخدم سلطته (الأبوية) لتزويج الفتاة وغالباً ما يتم ذلك لرجل مقتدر مالياً".
تفسيرات متشددة للدين الإسلامي
ويكتسي موضوع زواج الفتيات الصغيرات في حالات عديدة طابعاً دينياً على خلفية غياب نصوص دينية تحدد سن الزواج بدقة، وتشير العريض إلى التأويلات السائدة في البلدان الإسلامية لقصة زواج النبي محمد من عائشة وهي في سن التاسعة وأضافت بأن الأمر يتعلق بـ"رواية غير مؤكدة إلا أنها شائعة".
ومن جهتها قالت الباحثة الدكتورة إلهام مناع بأن"انتشار تفسيرات متشددة للدين الإسلامي في شبه الجزيرة العربية وبلدان عربية أخرى تدعو لتزويج الفتيات الصغيرات يساهم في تعقيد المسألة". وأشارت في هذا الصدد إلى أن بعض القوى السلفية والمحافظة القبلية تمكنت من إجهاض المبادرات المكثفة التي قامت بها هيئات المجتمع المدني في اليمن لسن قانون يمنع زواج الفتيات اللائي تقل أعمارهن عن 18 عاماً وطرحت صيغة لتخفيض هذا السن إلى 15 عاما. وكان اليمن قد شهد خلال العام الماضي جدلاً واسعاً على خلفية قصة الفتاة"نجود" ذات الثمانية أعوام التي تمكنت من الحصول على طلاقها من زوجها (28 عاماً).
صراع نفوذ بين الدولة والقبيلة
وفي ظل الجدل الذي أثير في السعودية حول قضية زواج وطلاق فتاة في الثانية عشرة من عمرها يأمل نشطاء حقوق الإنسان أن يسرع ذلك بسن قانون يحظر زواج القاصرات، وتعتقد الناشطة السعودية ثريا العريض أن الدور النشيط الذي تقوم به هيئات حقوق الإنسان وتحذيرات الهيئات الطبية من مخاطر زواج القاصرات يشجع الحكومة ومجلس الشورى على إصدار مثل هذا القانون. وفي معرض ردها على سؤال حول ردود فعل الأوساط الدينية المحافظة والنافذة على هذا الأمر قالت العريض إن تلك الجهات "تلتزم الصمت".وسبق لمراكز النفوذ القبلي والديني المتشددة في السعودية أن أجهضت مشاريع قوانين من شأنها أن تساهم في تطوير أوضاع المرأة.
وفي انتظار صدور قانون جديد حث نشطاء حقوقيون الحكومة السعودية على اتخاذ تدابير لتحذير المأذونين من إبرام عقود قران للفتيات دون الثامنة عشرة. ومن جهتها لاحظت الباحثة إلهام المناع بأن صدور قانون يحظر زواج القاصرات "غير كاف"، مشددة على أهمية تطبيق القانون ولاسيما في المناطق الريفية في بلدان مثل اليمن أو السعودية، حيث "تتمتع القبيلة والعشيرة بنفوذ أقوى من الدولة والقانون".
منصف السليمي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2010
قنطرة
وضع المرأة السعودية:
"أخيراً أصبح لنا صوت"
تعاني السعوديات من الوصاية، كما يصعب عليهن اقتحام سوق العمل بسبب القيود المتناقضة والمناهضة للنساء التي يفرضها القضاء السعودي فيما يتعلق بحرية الحركة مثلاً، بيد أن الأمور بدأت في التحسن شيئاً فشيئاً. زيلكه روده تستعرض وضع المرأة السعودية وحقوقها.
مؤتمر المنظمة النسوية "ومنت":
نجاحات للحركة النسوية المغربية ضد الثقافة الذكورية
لم تتحقق بعد كل الأهداف المرجوة فيما يتعلق بالمساواة التامة بين الجنسين في دول الاتحاد الأوروبي والدول المسلمة المتوسطية. تلك كانت الجملة الختامية لمؤتمر خاص في مدينة بون الألمانية نظمته المنظمة النسوية "ومنت" حول مكانة المرأة. لكن على الرغم من ذلك يبقى قانون الأحوال الشخصية الجديد في المغرب خطوة إيجابية في هذا السياق. مونيكا هوغن تابعت أعمال المؤتمر.
مي يماني:
آل سعود بين عنف الإسلاميين ومطالب دعاة الإصلاح
رغم تنظيم انتخابات بلدية في المملكة العربية السعودية، نلاحظ غياب برنامج إصلاح جذري وضغطا متزايدا على دعاة الإصلاح والذي حكم على عدد منهم أخيرا بعقوبات سجن عالية. تعليق الباحثة مي يماني.