الأكثرية العظمى مع الفصل بين الدين والسياسة
بعد اعتداءات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 وفوز اليمينيين الشعبيين في انتخابات ٢٠٠٢، تغيرت الصورة التي كانت لدى الكثير من الهولنديين عن مواطنيهم المسلمين البالغ عددهم 900.000. إذ كثيرًا ما يلام المسلمون على أنهم غير متسامحين مع مبادئ الحياة الغربية. وفي نفس الوقت نجد أن معرفة المواطنين الهولنديين عن الإسلام ضئيلة جدًا، مثلما أوضحت حديثًا وزيرة شؤون الهجرة فِردونك أيضًا.
وتكوين صورة كلية عن الإسلام يعد بمثابة مغامرة بالغة الصعوبة بسببب التيارات المتنوعة والاختلافات القومية الضخمة ضمن الطوائف الدينية. بيد أنه تجدر ملاحظة الاتجاه العام الجاري نحو العلمانية الآخذ كذلك بالتزايد بين السكان المسلمين، الذي يرتسم لدى السكان المحليين منذ زمن طويل - أكثر من ٠٤٪ لا يعتبرون أنفسهم بروتستانيين ولا كاثوليكيين .
تراجع في التردد على المساجد
رغم أن الجالية الإسلامية يتوفر لديها شبكة واسعة تفوق الحد المتوسط من منظمات إسلامية ومؤسسات وكذلك مدارس وروابط شبابية ونسائية، ولكن لا يوجد إلاّ ١٪ من الهولنديين المغاربة و٧٪ من الهولنديين الأتراك مسجلين كأعضاء في واحد من مساجد البلد التي يزيد عددها عن 300 مسجد.
لقد توصل إلى هذه النتيجة مسؤولو مكتب التخطيط الاجتماعي والثقافي Sociaal en Cultureel Planbureau (SCP) الذين أعدو بتكليف من البرلمان في لاهاي دراسة بعنوان "مسلمون في هولندا". إذ نجد مثلاً التردد على المساجد متراجعًا تراجعًا قويًا على حد قول معدي ذلك التقرير.
فلما كانت نسبة زائري المساجد تصل في عام 1998 إلى ٤٤٪ من مجمل الأتراك، صار بعد أربعة أعوام عدد زائريها لا يتجاوز الـ٥٣٪. كذلك يبدو أن شعبية المدارس الإسلامية آخذة في التراجع المستمر. فلم يعد يذهب في عام ٢٠٠٢ إلى واحدة من المدارس الإسلامية إلاّ ٣٢٪ من الأطفال المغاربة، بينما كانت نسبتهم ٨٣٪ في عام 1998.
الاندماج يتطلب وقتا
لا بد قبل كل شيء من ملاحظة الاختلافات الكبيرة التي تميز الجيل الأول عن الثاني. فالرجال المسنون الذين كثيرًا ما يعانون من أوقات صعبة اقتصاديًا ومن البطالة عن العمل وكذلك الذين لا زالوا يتكلمون اللغة الهولندية بشكل سيء هم المخلصون في ترددهم على المساجد وفي نفس الوقت المحافظون المتشددون.
من المدهش شيئًا ما طبقًا لما يورده التقرير أن نجد تضاؤلاً مستمرًا فيما يشكله الإسلام من أهمية في الحياة اليومية لدى المسلمين صغار السن الحاصلين على تعليم جيد مما يجعلهم مندمجين بصورة حسنة. وهذا ينطبق على الصيام في رمضان أيضًا.
تتفق هذه الآراء مع وجهة نظر جاك بورغرJack Burger مدّرس تطور عمران المدن في جامعة إيراسموس في روتّردام . فهو يرى أن تحقيق النجاح في الاندماج لا زال بحاجة إلى جيلين. لكن لا يزال الدين يلعب الدور الأكبر مثل ذي قبل لدى الكثيرين من المغاربة والأتراك في تحديد هويتهم طبقًا لتقرير "مسلمون في هولندا".
يرد في هذا التقرير أن ثلثيهم يعتبر الدين مسألة شخصية بينما الثلث الآخر يود أن يكون للدين دور مهم في الحياة العامة. وفي المقابل ترى الأغلبية العظمى ضرورة فصل الدين عن السياسة. ولا يشارك في نشاطات دينية سياسية تتعارض مع الحقوق الديموقراطية والحريات إلاّ قسم صغير جدًا من المسلمين.
خطر لولب سلبي
كتب معدو التقرير أن قلة من المسلمين صغيري السن فقط تجد المجتمع معاديا وعنصريًا؛ ومن الممكن أن يتكون من هذا لولب سلبي يؤدي إلى توترات عرقية. غير أن هناك اختلافات كبيرة بين أبناء الجالية فيما يخص مسائل مثل ضياع الدين واختيار الزوج والتردد على المساجد. وخلا ذلك تتحمل النساء من خلال تحديد الهوية بالإسلام مسؤوليات تلزمهن أكثر مما تلتزم الرجال.
يتمحور النقاش الذي يخاض بشكل علني حول مسائل من صلب الإسلام كانت أيضًا وقبل كل شيء تتصدر فيما مضى النقاشات حول أديان أخرى. ويذكر المؤلفون في هذا الصدد مواضيع مثل التعليم، والجنوسة المثلية، والعلاقة بين الرجال والنساء. ويخلص مسؤولو مكتب التخطيط الاجتماعي والثقافي (SCP) إلى القول إن الاتجاه العام سيتغير تغيرًا كبيرا نحو علمنة وفردنة المسلمين.
بقلم رينيه فوترافرس
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع محفوظة لدى صحيفة نويه زوريشر تسايتونغ