كابوس اللغة الواحدة
قراءات بالعربية للروائي الألماني جورج كلاين
أن يتحدث العالم بلغة واحدة أمرأشبه بالكابوس
ضمن البرنامج الثقافي الألماني المرافق لمعرض الكتاب العربي و الدولي احتضن مقهى نجار في شارع جان دارك لقاء مع الروائي الألماني جورج كلاين الذي يمثل إحدى الخلاصات الأكثر راهنية في النثر الألماني الحديث. فهو من مواليد 1953 وعانى سنوات كثيرة قبل أن ينجح في نشر أولى رواياته سنة 1998 وقد اعتبرت من أهم الروايات التي صدرت في تلك السنة، و حاز بعدها على ثلاث من أهم الجوائز التي تمنح في ألمانيا كجائزة الأخوين غريم وجائزة أنغبورغ باخمان.
لأول مرة في بيروت
ووفق ما كان مقرراً في برنامج اللقاء بدأ جورج كلاين بقراءة مقطع من رواية " ليبيديسي " بالألمانية قائلاً إنه سعيد لأنه يأتي إلى هنا لأول مرة في حياته و يسمع إيقاعات اللغة العربية، وأن الألمان يقولون عن لغتهم إنها لغة الأم و هي لغة غيورة لا يمكن أن يتجاهلها المرء ولذلك، قال، إنه سيبدأ الأمسية بها. وبدأت القراءات العربية من قبل الممثلين جوليا نصار ورفيق علي أحمد الذي أشار في البداية إلى أنه " حين يقرأ الممثل قصيدة يكون الأمر أفضل و لكن في الرواية يصبح الأمر صعباً لأننا نحس أننا نقرأ عدة صفحات و نخون الكاتب ولا نتمكن من إيصال ما يريده، ولذلك اتفقنا أنا وجوليا على ترتيب معين للقراءة لعلنا ننجح في تقديم فكرة أو صورة شبه عامة عن أحداث الرواية و أجوائها".
رواية خيالية
الرواية، بحسب المقاطع التي قرأت، تدين في منطقها اللغوي والتخييلي لنوع من الفانتازيا أو الخيال العلمي الممزوج بسرد روائي يمكن القول بأنه سرد ما بعد حداثي، سرد يستفيد من الأحلام والتهويمات والارتجالات اللغوية التي لا تعود إلى بحث مسبق بقدر ما تعود إلى مزاج المؤلف ورغبته في تأمين سرد سيال ومتدفق لروايته حتى لو أدى ذلك إلى طغيان الخيال على الواقع أو تحول الواقع نفسه إلى فانتازيا مثيرة و مشوقة.
" لبيديسي " هو اسم مدينة على الحدود الهولندية و حين كتب كلاين هذه الرواية كان جالساً على طاولة المطبخ في بيته، كما قال، و كان قد سبق له أن كتابة عدة قصص و روايات كان من الصعب نشرها فذهب إلى لبيديسي التي يعتبرها مكاناً مثالياً للكتابة وهناك أخذ قراراً بأن يعتمد على ما ستوحي به مخيلته فقط من دون الاعتماد على أي أبحاث مسبقة.
حوار مع الكاتب
بعد الأمسية و النقاش الذي تلاها، و الذي دار معظمه عن الالتزام و الترجمة، كانت لنا دردشة منفردة مع كلاين وسألته:
ماذا يمكن أن تقول للقارىء العربي الذي لم يقرأ رواياتك بعد عن تجربتك في الكتابة
جورج كلاين: أعتقد أننا وصلنا إلى مرحلة يمكن الحديث فيها عن مخيلة عالمية أو معولمة، إنها أول مرة في التاريخ نجد فيها هذه الصورة العالمية الموحدة للإنسان. من جهة يشكل هذا فرصة ولكنه يشكل خطراً أيضاً، كمؤلف عندي لغتي الأم التي أنظر إليها كسفينة لا تستطيع تجاوز حدود لغتي، اللحظة السحرية هي لحظة ترجمة النص، ترجمة الأدب و كذلك كتابته هما أكثر من تقديم معلومات، إذا كنت تريد معلومات فأنت تحتاج إلى الرياضيات والأرقام وليس إلى الأدب واللغة. إنه أمر رائع أن يُقرأ ما أكتبه بلغات أخرى، وبالنسبة لي إنه كابوس أن أتصور عالماً يتحدث فيه الناس كلهم بانكليزية مبسطة وموحدة، لغة إنكليزية مكونة من مئة صورة أو مفردة، إما أن تموت لغة كالألمانية أو العربية أو أن تعيش، هذه هي مشكلة الأدب المكتوب بلغات محلية و وطنية، وهذا هو التحدي في الوقت نفسه.
بدأت النشر متأخراً و حققت شهرة كبيرة و حصلت على جوائز...
كلاين: إذا أردت أن أجيب فعلي أن أعطي صورة مختصرة عن الحياة الأدبية في ألمانيا، في الثمانينات و التسعينات كان الأفق ضيقاً جداً عما ينبغي على المشهد أن يكون،و هذا كان له تأثير إيجابي وآخر سلبي، سأبدأ بالسلبي و هو أنني لم أكن أملك إمكانية أن أنشر شيئاً في تلك الفترة، لدي مجموعتان قصصيتان أنجزتهما خلال خمسة عشر عاماً لا أحد يعرف بشأنه سوى زوجتي، أما الإيجابي في ذلك فهو أنني استطعت أن أكتب براحة بال و هدوء.
ماذا تعني لك الشهرة و الجوائز ؟
كلاين: أنا أعتبر الجوائز مجرد حسن حظ، و لا أحب الكلام عنها كثيراً. الجوائز الأدبية في ألمانيا تعني أن يحصل المرء على التشريف و المال، أول جائزة حصلت عليها هي جائزة الأخوين غريم و هي شرف كبير لي لأنني أعتبرهما من الأدباء الكبار وليس فقط جامعي قصص شعبية وخيالية. شرف الحصول على الجائزة يتعلق باسم الجائزة، أنغبورغ باخمان التي حصلت على جائزتها أعتبرها كاتبة عظيمة، إنها فنانة على صعيد اللغة وقامت بتغيير جذري على صعيد كون المرأة عصباً و نواة للكتابة، و هي كتبت عملاً مهماً جداً عن النظرة الاستشراقية في الأدب الألماني والتي تتعلق بكليشيهات و صور نمطية جاهزة و قد كتبت رواية لم تكتمل تدور أحداثها في مصر.
هل تعتبر نفسك كاتباً من تيار ما بعد الحداثة أو الخيال العلمي.
كلاين: إذا كان هناك شيئاً جدياً اسمه أدب ما بعد الحداثة فأنا أعتبر نفسي كذلك، أقول هذه الملاحظة لأنني لا أحب الأدب الذي لا يأخذ الكتابة واللغة بجدية كاملة، وأنا حالياً أخطط لكتابة رواية خيال علمي في العام القادم عنوانها المؤقت " مستقبل المريخ ".
حسين بن حمزة، قنطرة 2003