المسلمون في دلهي في القرن التاسع عشر
لم يوجد في تاريخ الهند نظام طبقي مثلما كانت عليه الحال في أوروبا، كما أنَّ تطوّر المدن الذي كوَّن مفهوم "المواطن" كان كذلك مختلفًا تمام الاختلاف عن نظيره الأوروبي. كما أنَّ الظروف الاستعمارية في القرن التاسع عشر طرحت مسألة المشاركة السياسية في ظلِّ ظروف مختلفة عما كان عليه الحال في أوروبا. وعلى الرغم من هذه الاختلافات إلاَّ أنَّ المؤرِّخة مارغريت بيرناو ترى أنه لدى المجموعات المسلمة في دلهي شعور بالارتباط والتضامن يمكن أن يُقارن مع الهوية الشعبية الخاصة بطبقة الاقتصاديين والمثقفين الألمان.
وهذه الهوية المشتركة التي كان يشعر بها مسلمو دلهي تطوَّرت منذ ستينيّات القرن التاسع عشر كما أنَّها ساهمت في التغلّب جزئيًا على انقسام المجتمع الإسلامي إلى قسمين.
ومارغريت بيرناو تعدّ في عداد هذه الطبقة الوسطى المسلمة كلاً من الباعة والتجّار وتلك المجموعات التي كانت تكسب قوتها من خلال تعليمها؛ ومن هذه المجموعات الكوادر الإدارية والحقوقيون والأطباء. وفي حين كان الأطباء يُعدّون تقليديًا في المجتمع المسلم في شمال الهند من النبلاء أو "الأشراف"، كان يُنظر إلى التجّار على أنَّهم جزء من عامة "الشعب".
وعلى الرغم من أنَّ الأشراف لم يشكِّلوا طبقة مغلقة في وجه الآخرين، إلاَّ أنَّ تجّارًا قليلين فقط استطاعوا حتى النصف الأوَّل من القرن التاسع عشر الارتقاء إلى طبقة الأشراف. وفي الحقيقة لم ينشأ حسب رأي مارغريت بيرناو إلاَّ في ستينيّات القرن التاسع عشر شعور موحِّد بالارتباط والتضامن بين أبناء "طبقة المثقفين" و"طبقة الاقتصاديين"، تم من خلاله تجاوز انقسام المجتمع المسلم في الهند إلى قسمين.
الدين قوة دافعة للتضامن المدني
تتَّضح هذه التطوّرات من خلال التغييرات الجذرية التي طبعت القرن التاسع عشر في دلهي. ففي حين انخفضت نتيجة الإصلاحات الزراعية التي أجراها البريطانيون مكانة المجموعات التي كانت تتمتَّع بالكثير من الامتيازات في عهد المُغول، استطاع قبل كلِّ شيء التجار المسلمون في العاصمة التجارية المزدهرة دلهي الارتقاء إلى نخبة جديدة. وفي الوقت نفسه تحوّل الاستعمار البريطاني في الهند من استعمار غير مباشر إلى استعمار مباشر، الأمر الذي قضى تمامًا على حكم المُغوليين.
ومن خلال سقوط نظام الحكم الإسلامي هذا انتقلت مسؤولية المحافظة على طابع الجماعة الإسلامي إلى مجموعات المسلمين. وحتى تكون أسس المعيشة التي ترضي الله في متناول كلِّ مسلم، كان لا بدّ في البدء من نشر الفقه الذي يعتمد على نصوص معيارية وتعميمه ليتجاوز المراجع الدينية؛ الأمر الذي شجَّع حركة ترجمة نشطة من اللغة العربية إلى الفارسية وفي فترة لاحقة أيضًا إلى الأوردو.
تزايد في أهمية الهوية الدينية
لقد تم بالاعتماد على المؤلَّفات الفقهية الجديدة وعلى تأثير الإسلام الإصلاحي في الهند إيجاد مجال عام لأبناء الشعب غير العالمين بأمور الدين، كانوا يستطيعون من خلاله أن يطالبوا بحقٍّهم في قيادة طائفة المسلمين.
بيد أنَّ ذلك - وعلى خلاف الحركات المشابهة في أوروبا - لم يشمل المطالبة بالمشاركة السياسية، إذ إنَّ الاتفاق مع الحكَّام ضمن سياق الظروف الاستعمارية كان يشكِّل طيلة عقود من الزمن بالنسبة للمسلمين نجاحًا واعدًا.
غير أنَّ مسألة المفهوم الذاتي الشعبي كانت تثير أيضًا السؤال من وجهة نظر المواطنين المسلمين في أواخر القرن التاسع عشر عن شكل وطبيعة الرابطة السياسية التي يفترض أن تجمع كلَّ المواطنين الهنود، من أجل ضمان تعايش منظَّم لأبناء الطوائف والجماعات المختلفة.
إذ إنَّ مارغريت بيرناو تثبت في كتابها هذا وجود تزايد في أهمية الهويات الدينية خاصة في القرن التاسع عشر في دلهي بالإضافة إلى وجود اتِّجاهات للعزل بين الطوائف المختلفة التي كان يتم تسييسها في العقود التالية بصورة متزايدة.
وكانت توجد على ما يبدو لدى مواطني دلهي المسلمين تصوّرات متباينة عن الطائفة والأمة (القوم). فهكذا تبيِّين مارغريت بيرناو أنَّ مفهوم "القوم" كان يشير في الأصل إلى التجمعات الإسلامية التي كانت تنتسب إلى أصل جغرافي مشترك. وفي سياقات أخرى كان يتم استخدام مفهوم "القوم" من ناحية أخرى كاسم يُطلق على جميع المسلمين الذين كانوا يعيشون في الهند. ولكن في المقابل ظهر في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر مثلاً لدى المفكِّر المصلح سيد أحمد خان تفسير مبدئي جديد لمفهوم "القوم" الذي كان يشير إلى الرابطة القومية (الأمة الهندية) التي تربط كلَّ المواطنين الهنود بغض النظر عن دياناتهم.
دور الدين كان مختلفًا
ولكن لقد تكفَّل كذلك في الوقت نفسه التأكيد على الأصل العربي للدين في الإسلام الإصلاحي بتعزيز وزيادة تصوّر الأمة الإسلامية العالمية - خاصة بعد ثورة عام 1857، أي بعد أكبر تمرِّد هندي على سلطات الاستعمار البريطاني. وثم صار يدور الحديث عن مفهوم الوطن على أبعد تقدير مع نهاية القرن التاسع عشر.
وفي هذا الصدد ترى مارغريت بيرناو أنَّ الأطباء هم الذين كانوا يطالبون قبل غيرهم بالقيام بعمل ما من أجل الرفاه العام مؤكِّدين على أنَّ هذا يصب في صالح الأمة والوطن عامة. ولكن لا يتَّضح تمامًا إذا كان مفهوم الأمة السياسية الجماعية التي تتجاوز مفهوم الطائفة الدينية، قد شكَّل أهمية بالنسبة لمسلمي دلهي ولا يتَّضح كذلك مدى تلك الأهمية.
وبصرف النظر عن ذلك فإنَّ مارغريت بيرناو تبيِّن بوضوح مدى أهمية النصف الأول من القرن التاسع عشر بالنسبة للكثير من التغييرات الجذرية التي حصلت في المجتمع الهندي والتي كان يتم حتى الآن تحديد تاريخها في فترة لاحقة أو التي تم اعتبارها في استعادة للماضي سمة غير تاريخية - مثلاً وعلى وجه الخصوص دور الدين والمتديِّنين. ونتيجة لذلك يجب أيضًا أن يُفهم التنظيم السياسي الخاص بالطوائف التي يحدِّد الدين هويتها باعتباره نتاجًا للحداثة.
إنَّ مطالعة كتاب "مواطنون بعمامات" مفيدة بالنسبة للمهتمين بالتاريخ، وذلك بفضل وفرة المصادر المكتوبة بالأوردو التي كشفت عنها حديثًا مارغريت بيرناو في كتابها هذا.
نادية كريستينا شنايدر
ترجمة: رائد الباش
قنطرة 2008
قنطرة
عبد الغفار خان:
رائد ثقافة اللاعنف في الإسلام
في الوقت الذي أحيى فيه العالم مؤخرا ذكرى الأسطورة غاندي، ما تزال قلة تعرف شيئا عن رفيق دربه الباكستاني عبد الغفار خان، الذي سار على دربه في الدعوة إلى المقاومة السلمية. خان أسس حركة "خدام الله" التي آمنت بتوافق الإسلام مع اللاعنف. نسيم صابر يستعرض بعض جوانب هذه الشخصية.
لقاء مع كيران نغاركار:
"لماذا لم يعد أحدٌ اليوم يشغف بغاندي؟"
تُعتبَرُ روايته "المحارب الإلهي الصغير" نداءً حارًا ضد كل أنواع العسكرة؛ بيد أنَّ كيران نغاركار يتصارع خارج إطار عالمه النثري مع التناقضات الكامنة في التخلي الجذري عن العنف. لويس غروب التقى الكاتب الهندي في كولون.
اعتداءات فاراناسي ضد الهندوس:
تحرك ديني في الهند ضد الإرهاب الإسلامي
من منبع شعورهم بالالم من نعت المسلمين الدائم بـــ "الارهابيين" بدأ العلماء المسلمون من أتباع المدرسة التقليدية في الهند بحملة تؤكد على ان الاسلام دين سلام وليس دين عنف. تقرير كُلديب كومار.