ضغوط اجتماعية وأراء خاطئة
وقف حسين عيد البالغ من العمر 44 عاما وسط أهل قريته "كوم غريب" الواقعة في أسيوط في صعيد مصر وبجانبه ابنته جميلة التي تبلغ من العمر 10 سنوات وقال دون خوف أو خجل: "لن أفعل هذا بابنتي ولن أعرضها لهذا الألم الذي تعرضت له أختها والذي لا يبرره أي دين. فلن أجري لها عملية الختان وقد أقنعت كل أفراد أسرتي بذلك"، ثم قام بالتوقيع على وثيقة تنادي بمناهضة عادة ختان الإناث وتلزم أهالي القرية بالالتزام بها.
تأتي هذه الوثيقة في إطار عدة مبادرات حكومية وغير حكومية بهدف القضاء على هذه العادة في قرى مصر، كما وقع عليها أيضا رجال الدين الإسلامي والمسيحي وعدد من المؤسسات وكبار الشخصيات بالقرية والرجال والنساء والأطفال بها. وتنص الوثيقة على عدم إجراء هذه العادة وتكثيف الأساليب المختلفة لمنعها وتوعية المجتمع والمجتمعات المجاورة.
الختان... مذبحة الإناث
الابنة الأخرى لحسين تدعى كريمة تبلغ من العمر 19 عاما تروي ذكرياتها عن اليوم الذي أجريت لها فيه عملية الختان والتي تطلق عليه "يوم المذبحة" وكان عمرها آنذاك 9 أعوام حيث تجمع حولها الأقارب وقاموا بتقييد يديها وقدميها وتعصيب عينيها، وكانت هناك سيدة كبيرة تعمل "داية" أي أنها مختصة بتوليد النساء في الريف وتمارس هذا العمل بالخبرة.
وقامت السيدة بقطع جزء من عضوها التناسلي بدون أي مخدر، وبينما تتعالى صرخاتها وسط دمائها التي تسيل على الأرض انطلق جميع الأقارب مهنئين والدتها على ختانها متمنين لها الزواج القريب لأنها أصبحت الآن مستعدة له.
ولم تتعرض كريمة وحدها لهذه الجريمة التي مازالت تتذكرها حتى الآن وخاصة أنها عانت بعدها من نزيف لعدة شهور حتى التئم الجرح جسديا ولكنه مازال يؤلمها نفسيا.
فقد جرت العادة على أن تخضع كل فتاة ما بين سن ال8 وال12 للختان وهو عبارة عن قطع الزوائد الجلدية الخارجية من العضو التناسلي أو الإزالة الكاملة للبظر بدعوى أنه يحمي الفتاة من الانزلاق إلى علاقات جنسية خارج إطار الزواج لأن الختان يقلل من رغبتها الجنسية.
زيادة الوعي بتغيير العادات
كانت نسبة ختان الإناث في مصر تبلغ 97% طبقا للمسح الديموغرافي والصحي الذي قامت به وزارة الصحة المصرية عام 1997، إلا أنه في السنوات القليلة الماضية انخفضت نسبة الختان إلى 57% طبقا للمسح الأخير.
ويدل هذا التغير على ازدياد الوعي لدى المصريين وخاصة في الريف الذي تحدث فيه النسبة الأكبر من حالات الختان، حيث رفض الكثير من الناس إجراء الختان لبناتهم مثلما فعل أهالي قرية "كوم غريب" وذلك من خلال عدة مبادرات شهدتها مصر مؤخرا لمناهضة هذه العادة.
إحدى هذه المبادرات المشروع الذي قام بتنفيذه المجلس القومي للأمومة والطفولة بعنوان "قرية نموذجية خالية من ختان الإناث" وتحت شعار "البنت المصرية، فكر جديد لحياة جديدة" والذي بدأ منذ عام 2003 وسيستمر حتى الأعوام القادمة في 60 قرية بمحافظات صعيد مصر بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وعدة جمعيات أهلية.
ويهدف المشروع إلي التخلص من عادة ختان الإناث من خلال مواجهة الضغوط المجتمعية الداعمة لهذه الممارسة عبر استخدام الوسائل التعليمية والتدريبية الموجهة إلى الأسر بواسطة مجموعات عمل تضم كبار العائلات في القرى ورجال الدين الإسلامي والمسيحي والعاملين في مجال الصحة ورجال السياسة والتعليم، كما استعان المشروع بمئات المتطوعين من الشباب من الجنسين.
وهم العفة والطهارة
وتوضح جيهان سليم طالبة بكلية الطب وإحدى المتطوعات بالمشروع أن الأمر ليس سهلا في صعيد مصر، فبالرغم من أن الأهالي تسمح هناك الآن للبنت بالتعليم والحصول على حقها في الميراث، لكن هناك عادات صعبة التغيير.
فهناك كثيرات من السيدات لسن مقتنعات بهذه العادة، لكن لا يستطعن مواجهة الزوج وأهله من كبار السن. لكن أغلب الشباب والشابات في قرى الصعيد مقتنعون أن الختان لم يعد صحيحا وليس له علاقة بالعفة مثلما يشاع، فالأصل في تربية وأخلاق الفتاة وليس باقتطاع هذا الجزء من عضوها التناسلي، حسب قول جيهان سليم.
ومن هنا ترى جيهان أنه كان لابد من اختراق العادات والتقاليد من خلال توعية الأسر، بالإضافة إلى نشر برامج محو الأمية ورفع الوعي الاجتماعي والثقافي والصحي للفتاة والمرأة والرجل. ويذهب المتطوعون إلى المنازل للالتقاء بالسيدات لتوعيتهن بخطورة الختان على بناتهن وكان هناك تجاوب كبير من معظم الأهالي، حسب تجربة جيهان سليم.
ولاحظت جيهان أنه هناك اعتقادات خاطئة لدى الكثيرين من أهالي القرى. فهم يعتقدون أن الختان أو "الطهارة " كما يطلق عليه في مصر، يسبب طهارة المرأة وعفتها لأنه يساعد على تعديل شهوتها الجنسية بما يوحى أن التي لا تختن غير طاهرة وأن عدمه يسبب إثارتها المستمرة وتطلعها الدائم إلى الرجال.
تضافر الجهود
وتقول مشيرة خطاب الأمين العام للمجلس القومي للطفولة والأمومة أنه يتم الإبلاغ عن أي حالة ختان يقوم بها طبيب أو "داية"، وستتم معاقبة الطبيب وفقا للقانون الذي يمنعه من إجراء هذه العمليات وخاصة أن نقابة الأطباء المصرية أعلنت رفضها لممارسة ختان الإناث.
وعلى الرغم من ذلك نجد أن الكثير من الأطباء في مصر لا يزالون يمارسون تلك العملية بشكل غير رسمي حيث تتراوح أجرة الطبيب في هذه العملية بين 30 جنيه في القرى الفقيرة و500 جنيه في المدن، بالإضافة إلى أجرة التمريض وطبيب التخدير.
وأكدت ريهام مصطفى المسؤولة الإعلامية عن "مشروع مكافحة ختان الإناث" التابع للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة على أن المشروع نجح في تخطي حاجز الصمت، فمنذ عدة سنوات كان الحديث في هذا الأمر غير مقبول وغير مسموح به بالمرة.
واعتبرت تداول الحديث عن محاربة ختان الإناث بالشكل القائم الآن على المستوى الشعبي والإعلامي إنجازا وخاصة الحملات الدعائية على شاشات التليفزيون والصحف التي تحظر من ختان الإناث والزواج المبكر وتحث على تعليم الفتيات.
الختان ليس من الدين
وترى آمنة نصير أستاذة الفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر والتي حضرت توقيع عدة وثائق ضمن المشروع ببعض القرى المختلفة واشتركت في حملات التوعية بها، أن رأي الدين قد أقحم لكي يبقى هذا الموروث البيئي قائما ولو كانت عادة حقيقية لنزل بها القرآن.
فهناك 80% من العالم العربي والإسلامي ليس لديهم ختان مثلما يحدث في مصر والسودان، وكل ما حدث أنه جرى الاعتماد على حديث ضعيف لا ينضم إلي سنة صحيحة ولا يؤسس فرضا علي ضرورة ختان الفتاة وهو حديث الرسول محمد لسيدة تدعى أم عطية عندما سألها مستنكرا "أمازالت تفعلين؟" وردت "نعم" فقال لها "إذا كنتي تفعلين فاخفضي ولا تنهكي".
وتقول السيدة نصير أنه جرى التحايل علي هذا النص "ودفعناه بقوة ووضعناه في قالب عقلي لكي تنتشر هذه العادة السيئة."
والجدير بالذكر أن فكرة إصدار قانون لمنع ختان الإناث تواجه نوعا من التحفظ من قبل بعض أعضاء مجمع البحوث الإسلامية. فقد تقدم مؤخرا المجلس القومي للمرأة بطلب إلى المجمع للموافقة على إصدار قانون لمنع ختان الإناث في مصر، وقد رفض المجمع في جلسته الأخيرة هذا المشروع.
ولم تكن هذه هي المحاولة الأولى لإصدار مثل هذا القانون. فقد سبق أن تقدم أحد أعضاء مجلس الشعب عام 1998 بمشروع قانون لمنع ختان الإناث بشكل مطلق إلا في حالات واشتراطات معينة ومحدودة وتوقيع عقوبات على من يخالف أحكام هذا القانون بالحبس والغرامة.
وتصدى لهذا القانون مشروع آخر تقدم به نائب لتنظيم إجراء ختان الإناث بالمستشفيات ومنع إجرائه إلا بمعرفة الأطباء وفي المستشفيات والعيادات الخاصة والمرخصة والمجهزة ومعاقبة من يقوم بإجراء هذه العملية من غير الأطباء بعقوبة الحبس والغرامة.
إلا أن لجنة الاقتراحات والشكاوى بالمجلس رفضت المشروعين واكتفت بالعقوبات الجنائية الموضوعة في القانون الجنائي في حالة المخالفات، ليعود الحديث مؤخرًا عن إصدار قانون لمنع الختان والذي لاقي رفضا جماعيا من أعضاء مجمع البحوث الإسلامية في جلسته الأخيرة.
وكان مجمع البحوث الإسلامية قد أصدر فتواه في أكتوبر 1994 بالموافقة على فتوى الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق والتي أشار نصها إلى:" نه اتفقت كلمة فقهاء المذاهب على أن الختان للرجال والنساء من فطرة الإسلام وشعائره وأنه أمر محمود ولم ينقل عن أحد من فقهاء المسلمين قول بمنع الختان للرجال أو النساء أو عدم جوازه أو إضراره بالأنثى إذا ما تم على الوجه الذي ورد عن الرسول".
كما سبق وأصدر الدكتور محمد سيد طنطاوي فتواه عندما كان مفتيًا للديار المصرية عام 1994 تنص على أن الختان للرجال والنساء من صفات الفطرة التي دعا إليها الإسلام وحث على الالتزام بها، وكذلك فتوى الدكتور نصر فريد واصل عام 1996 والتي تنص على أن ختان الإناث سنة تنظيمية ولا يجوز تجريمه.
النقد الشديد الذي قوبل به الفيلم السينمائي "دنيا" للمخرجة اللبنانية جوسلين صعب عند افتتاحه بمهرجان القاهرة السينمائي في دورته الماضية يشير بوضوح إلى مدى تأصل "الختان" في المجتمع المصري. فقد اتهم النقاد والجمهور الفيلم بأنه أساء لسمعة مصر.
ويتناول الفيلم قصة حياة فتاة تهجر موطنها في الصعيد قادمة إلى القاهرة لدراسة فن الرقص ويقدم رؤية عن الحب والبرود الجنسي الذي جاء في علاقة "دنيا " بطلة الفيلم بحبيبها بسبب الختان.
نيللي يوسف
حقوق الطبع قنطرة 2006
قنطرة
ملكية الأرض وختان البنات من أبرز مشاكل المرأة في السودان
عواطف العقيد امرأة سودانية تكافح في موطنها من أجل حقوق المرأة والحوار بين الأديان. مونيكا هوغن تعرض السيرة الذاتية والمهنية غير المألوفة لهذه المرأة الإفريقية.
العذرية ... عبء على كاهل الفتاة المصرية
عمليات إعادة العذرية غير قانونية ولكنها منتشرة في مصر رغم ذلك. هذه الممارسة تعكس الانفصام الأخلاقي الذي يعيشه المجتمع المصري والعربي نتيجة الربط الأعمى بين الأخلاق وغشاء البكارة. تحقيق نيللي يوسف